بقلم محمد السماك
«أساس ميديا»
ماذا يجري في بنغلادش؟ وما هي الأسباب التاريخية للصراع على السلطة؟ وأصلاً كيف تحوّلت بنغلادش إلى دولة مستقلّة، تذبحها الحروب… في الآتي محاولة لإلقاء الضوء.
كانت بنغلادش جزءاً من الهند حتى عام 1947 عندما وقع الانشطار الكبير إثر الانسحاب البريطاني. وانقسمت الهند إلى دولتين على خلفيّة دينية هما باكستان والهند. كانت بنغلادش جزءاً من الدولة الباكستانية (الإسلامية). وكانت الهند (الهندوسية) تفصل بين هذين الجزءين. لم يمضِ وقت طويل على هذه التسوية حتى انقسمت باكستان على نفسها بسبب اللغة الرسمية للدولة. القسم الشرقي (بنغلادش) طالب بأن تكون البنغالية هي لغة الدولة الرسمية. والقسم الغربي (باكستان) أصرّ على أن تكون الأوردية هي اللغة الرسمية. تطوّر الخلاف بينهما إلى حرب ذهب ضحيّتها حوالي مليون قتيل.
حسنيّة تنجو… وتحكم بنغلادش
كان على رأس باكستان الشرقية في ذلك الوقت مجيب الرحمن الذي أعلن نفسه رئيساً لبنغلادش. لكن لم يمضِ وقت طويل حتى قُتل في انقلاب عسكري في عام 1975 مع زوجته وثلاث من بناته الخمس. واحدة من هذه البنات “حسنيّة” التي نجت من المجزرة. تعاونت وهي في المنفى بالهند مع ضبّاط من الجيش البنغالي ضدّ الحاكم العسكري حسن محمد رشاد الذي كان يتمتّع بدعم قسم من الجيش، وتمكّنت من الإطاحة به وتولّي رئاسة الدولة في عام 1990.
استمرّت حسنيّة في السلطة حتى أطاحت بها حركة انقلابية شعبية، فاضطرّت إلى العودة إلى الهند مرّة ثانية لاجئة سياسية وهي في الثانية والسبعين من العمر.
كان يفترض أن تتولّى السلطة من بعدها زعيمة المعارضة والرئيسة السابقة خالدة، إلا أنّ تجربة تبادل الحكم بين حسنية وخالدة لم تكن تجربة ناجحة، فلجأ البنغاليون إلى محمد يونس الذي يتولّى الرئاسة الآن.
رئيس مع نوبل… ونهضة محلّيّة
لم يخرج الرئيس الجديد من بيت سياسي أو من حزب سياسي. خرج من مجتمع محلّي فقير، إلا أنّه يتمتّع بشهرة واسعة منذ أن منحته مؤسّسة نوبل في استوكهولم عاصمة السويد جائزتها للسلام تقديراً منها لنجاحه في تنفيذ مشروع إنمائيّ محلّي في بنغلادش. ويقضي المشروع بتقديم قروض ماليّة صغيرة للحرفيّين من مزارعين ومهنيّين بفوائد منخفضة. أدّت هذه العملية إلى النهوض بالمجتمع البنغالي من العوز والفقر والاستجداء، إلى العمل والإنتاج على نطاق شعبي واسع. فقد نجحت “المشاريع الصغيرة” في تشغيل اليد العاملة. ثمّ أدّى تطوير المشاريع من خلال الضمّ والتجميع إلى قيام مؤسّسات إنتاجية كبيرة نجحت في تغيير معالم المجتمع البنغالي الفقير.
الهدوء الهنديّ المديد
نجحت الهند في اعتماد النظام الديمقراطي لإدارة مجتمعاتها المتعدّدة الإثنيات والأديان والعقائد. غير أنّ هذا النظام لم يعرف طريقه إلى باكستان ولا بنغلادش اللتين كانتا جزءاً من القارّة الهندية حتى عام 1947. وفي الانتخابات العامّة التي جرت في الشهر الماضي في الهند، كان الرئيس الهندي مودي رئيس حزب “بهاراتا جاناتا” الهندوسي المتطرّف يأمل بعد النجاحات الاقتصادية والاجتماعية التي حقّقها في السنوات الأربع الماضية أن يفوز بما لا يقلّ عن 370 مقعداً في البرلمان الهندي الذي يتألّف من 543 مقعداً. إلا أنّ النتائج جاءت على عكس ما يشتهي. فقد حصل على 240 مقعداً فقط، فاضطرّ وهو الرجل القوي في الهند إلى التحالف مع الأحزاب الأخرى لنيل الأكثرية اللازمة للحصول على الثقة البرلمانية ولتمرير مشاريعه في مجلس النواب الهندي.
لم تعرف الهند منذ قيامها في عام 1947 محاولة انقلابية. على عكس باكستان التي عرفت عدّة محاولات، وتولّى العسكر السلطة فيها طويلاً. ولم تعرف الهند صراعاً دموياً على السلطة باستثناء حادث اغتيال أنديرا غاندي على يد أحد العسكريين السيخ ولأسباب دينية. على عكس بنغلادش التي توالت فيها وعليها الصراعات الدموية من أجل السلطة. ولدى وقوع اضطرابات أمنيّة – دموية كانت الرئيسة البنغلادشيّة تجد في الهند الملاذ الآمن.
التّقدّم الهنديّ… والدّخل القوميّ
تتقدّم الهند من حيث الدخل القومي والفردي على توأميها باكستان وبنغلادش. وهي تستعدّ لأن تنضمّ إلى نادي الدول الأولى في العالم بعدما تمكّنت بنجاح من إطلاق مركبات فضائية إلى القمر. وتتنافس على محاولات كسب ودّها كلّ من الصين والولايات المتحدة.
من الملاحظ أنّ المثلّث أفغانستان وباكستان وبنغلادش يعاني من الصراعات والانقسامات الداخلية التي تشرّع أبوابه أمام التدخّلات الخارجية، بينما تتحوّل الهند على الرغم من تاريخ صراعها مع الصين إلى دولة كبرى في الحسابات الإقليمية والدولية.
فهل يحدث ذلك بالصدفة؟
لا يوجد مشروع لإعادة توحيد الهند مع باكستان وبنغلادش كما كانت حتى عام 1947. لكنّ محاولات تصعيد المشاعر العدوانية أو الاستعدائية بينها تراجعت بعد سلسلة الإخفاقات التي منيت بها هذه المحاولات. وكما وحدة الدول العربية ممنوعة لأنّها تشكّل تهديداً لموازين القوى الدولية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كذلك وحدة القارّة الهندية تشكّل تهديداً مماثلاً لمصالح القوى الدولية في شرق آسيا.
يتولّى اليوم السلطة في بنغلادش رجل من خارج اللعبة السياسية. هو نفسه يعود إلى “داكا” العاصمة من المنفى على الرغم من أنّه تحوّل إلى أيقونة وطنية بعد حصوله على جائزة نوبل للسلام.
فهل يتمكّن من إعادة السلام إلى المنطقة التي لم تعرف السلام منذ تشرذمها إلى ثلاث دول متصارعة؟
محمد السماك