كتب عوني الكعكي:
ما حدث في سوريا أخيراً… أعاد الى الأذهان التقرير الذي قدّمه ويسلاي كلارك، الذي ترأس حلف شمال الأطلسي، الى حكومة الولايات المتحدة الأميركية، مشدّداً على خطورة الوضع في الشرق الأوسط، وبأنّ هناك مخططاً يقوده الجمهوريون وعلى رأسهم دونالد ترامب الذي سيتسلم الحكم في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل.
فحوى هذا التقرير يؤكد أن هناك خطوة مقبلة بعد نجاح الثورة السورية… هذا التأكيد يضع المتابعين والمحللين أمام تساؤل مُلحّ هو: هل تكون الخطوة التالية في إيران، أم انها ستكون في العراق أم في اليمن قبل ضَرْب رأس «الأفعى» في الجمهورية الإسلامية؟
من هنا يتداول المراقبون، على المستويين السياسي والشعبي في هذه الأيام، إمكانية تأثير التطورات الإقليمية، خصوصاً بعد نجاح الثورة السورية وانكفاء الدور الإيراني منها على العراق، وما قد ينجم عن ذلك من ارتدادات وتغيّرات محتملة.
لقد بات معروفاً أن أميركا وإسرائيل وجدتا أن صراع الشرق الأوسط لا يمكن حلّه إلاّ بنهاية أذرع إيران. وقيل إنّ حكومة السوداني في العراق تحدثت مع قادة الميليشيات الشيعية بشكل صريح، وأبلغتهم «حرفياً» أن «الحديدة حامية تماماً»، داعية إياهم الى التروّي والتفكير الجدي في مسألة تفادي ضربة إسرائيلية.
إنّ التغيير أو التهديد المحتمل في العراق ليس نتيجة فعل خارجي فحسب، بل هو نتاج التغيرات في علاقات القوة التي اجتاحت المنطقة بأسرها في قطاع غزة ولبنان وسوريا.
من هنا، نجد أن التغيير الذي حدث في سوريا، والضغط الذي قد تتعرّض له إيران، مع وصول إدارة أميركية جمهورية هي إدارة دونالد ترامب، واحتمالات وصول قطع أذرع إيران الى الميليشيات في العراق. كل ذلك سيفرض شروطه في النهاية. وأجزم في هذا المجال أن موضوع التغيير في العراق أصبح يشغل حيزاً كبيراً من النقاشات، بناء على التحوّلات في المنطقة، وما ترتّب عليها من تغييرات في النفوذ الإيراني، خصوصاً بعد ما حدث في لبنان وسوريا.
إنّ القضية الأساسية تكمن في المتغيّر الإيراني، فمن خلال هذا المتغيّر يمكن فتح نقاش حول هذا الموضوع، خصوصاً أن النخب الشيعية السياسية في العراق، مرتبطة مصالحياً وسياسياً بالنفوذ الإيراني.
إلى ذلك، أعتقد أن هناك عدة سيناريوهات يمكن التفكير بها:
أولاً: حدوث انقلاب بنيوي داخل السلطة في العراق، حيث تتخذ إجراءات لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية، بما يسمح بإلغاء ثنائية وجود الفصائل والحشد وسلاح موازٍ.
ثانياً: إمكانية تأثير الأزمة الاقتصادية على العراق، خصوصاً في ما يتعلق بالنفط الذي قد يصبح مهدّداً بالعقوبات الأميركية في المستقبل، لتضييق الخناق على العراق، وبالتالي إيران بهدف فك ارتباطه. وهذا يؤكد أن الغرب يسعى جاهداً الى رؤية العراق دولة بعيدة عن النفوذ الإيراني.
ثالثاً: إنّ التطورات الأخيرة في سوريا ستكون لها تداعيات كبيرة على العراق. فضعف الدور الإيراني في المنطقة نتيجة لخسارته حزب الله في لبنان، ونظام بشار الأسد، سيفرض واقعاً جديداً على الإيرانيين.
رابعاً: من المؤكد أن الهمّ الإيراني قد تحوّل من قلق إقليمي الى قلق داخلي محلي، تحاول حكومة ولاية الفقيه من خلاله ترتيب أوضاعها الداخلية، إذ لن يكون بمقدور الإيرانيين هذه المرّة مساعدة الطبقة السياسية العراقية والميليشيات الشيعية في حال تعرضت لهزات اجتماعية أو سياسية أو أمنية كبيرة في الفترة المقبلة.
خامساً: إن انحسار الدور الإيراني سيضع العراق أمام مهمة معقدة وصعبة في الدفاع عن نفسه أمام التيارات المتطرفة. وقد تؤثر هذه التطورات على الواقع العراقي.
سادساً: وأخيراً… فأنا أرى أن أكبر تهديد للسلطة الحالية في العراق إضافة الى ضربة خارجية، الشعب نفسه… فغياب القوة الإيرانية قد يترك السلطة في موقف صعب… خصوصاً إذا قارن العراقيون بين العراق قبل النفوذ الإيراني وبين الوضع الحالي، إذ تحوّل العراق من بلدٍ غني قوي، الى مساحة يسودها التوتر والانفلات محفوفة بالفقر والحرمان قياساً على الماضي.
إلى ذلك، فإنّ هناك ضربة محتملة، تقوم بها إسرائيل أو الولايات المتحدة لإيران، كما يؤكد فريق آخر من المراقبين، وهم يتوقعون أن تكون الضربة على إيران قبل توجيه ضربة للعراق. وفي هذا المجال قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» إنّ فريق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يدرس الخيارات، بما في ذلك الضربات الجوية لوقف البرنامج النووي الإيراني.
وأشارت الصحيفة الى أن ترامب يدرس حالياً الخيارات المتاحة لمنع إيران من بناء سلاح نووي، بما في ذلك إمكانية شن غارات جوية وقائية، وهي الخطوة التي من شأنها أن تكسر السياسة القديمة المتمثلة في احتواء طهران بالديبلوماسية والعقوبات.
وأضافت الصحيفة أنه «الآن يخضع خيار توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية لمراجعة أكثر جدّية من قِبَل بعض أعضاء فريق ترامب الانتقالي، الذين يدرسون بعناية سقوط نظام بشار الأسد – حليف طهران – في سوريا، ومستقبل القوات الأميركية في المنطقة وتدمير إسرائيل لقوة حزب الله في لبنان. وقد تكون الخطوة التالية في اليمن كما حدث قبل أيام».
تتابع الصحيفة: إنّ ضعف موقف إيران الإقليمي، والكشف الأخير عن العمل النووي المزدهر لطهران، قد أشعل المناقشات الداخلية الحساسة. وقد ذهب بعض الجمهوريين الى التكهن بقلب نظام ولاية الفقيه في طهران، لأنه رأس «المعاصي» كما يقولون… فإذا قطعت الرأس، ماتت الأذرع من تلقاء نفسها.
وأكبر دليل على أن هذا الأمر باتت أسهمه في ارتفاع… وقد يكون هو الحلّ الأقرب للمنطق الأميركي، ولتفكير دونالد ترامب، ما أعلنه عضو مجلس الشيوخ الجمهوري بيرني ساندرز، وهو يعكس بطبيعة الحال موقف الإدارة الأميركية الجديدة.