بقلم د.سمير صالحة
«اساس ميديا»
كان السؤال المطروح قبل أشهر يتعلّق بفرص صمود التقارب التركي- المصري. السؤال البديل الذي ينتظر الإجابة اليوم هو: هل من الممكن لأنقرة والقاهرة التأسيس لسيناريو اختراق سياسي ثنائي مشترك يدعم تسريع الحلحلة في المشهد الليبي؟
توفّر الأجواء العربية والإقليمية القائمة فرصة، قد لا تعوّض للجانبين التركي والمصري، لطرح خارطة طريق سياسية مشتركة باتّجاه تسوية النزاع الليبي- الليبي، بعد فشل عشرات المنصّات والاجتماعات الإقليمية والدولية في توفير الفرصة الحقيقية للّيبيين لإنهاء خلافاتهم. فهل تستعدّ المنطقة لمفاجأة جديدة في ليبيا هذه المرّة على غرار ما جرى في سوريا قبل شهرين، يقوده حراك ثنائي مصري – تركي، تسهّله قناعة الليبيين بضرورة تقديم تنازلات متبادلة مصحوبة بالكثير من الليونة والمرونة لإخراج بلادهم من أزمتها؟
برزت في الآونة الأخيرة مجموعة من الأسباب السياسية والأمنيّة والاقتصادية التي تدفع نحو المزيد من التعاون التركي المصري في الملفّ الليبي، وقناعة مشتركة بأنّه كلّما رفعت أنقرة والقاهرة من مستوى التقارب والتنسيق بينهما، انعكس ذلك إيجاباً لمصلحة تليين المواقف وتخفيف الاحتقان في التعامل مع الملفّ الليبي وإنهاء تعقيداته وتشابكاته.
منحت المتغيّرات الأخيرة في لعبة التوازنات الإقليمية في منطقتَي الشرق الأوسط والقارّة السمراء، مصر وتركيا فرصة استراتيجية، قد لا تعوّض، للمساهمة في تسريع الحلحلة على خطّ الأزمة الليبية، وما ستحمله معها من ارتدادات سياسية وأمنيّة واقتصادية لمصلحة البلدين.
مقاربة ثنائية مشتركة
انطلاقاً من ذلك، ولدت في العامين الأخيرين مقاربة ثنائية مشتركة تقوم على ضرورة تفعيل الانفتاح التركي على قيادات شرق ليبيا، بمواكبة تواصل مصري مع حكومة الدبيبة في غرب ليبيا، إلى جانب قناعة بأنّ دوافع ومحفّزات التقارب التركي- المصري في ليبيا مرتبطة بحماية مصالح البلدين في لعبة التوازنات الإفريقية وشرق المتوسّط وخطط استخراج الغاز ونقله إلى أوروبا، وخلق واقع جديد في علاقاتهما الثنائية المرتبطة بملفّات متعدّدة الأطراف.
القناعة التركية المصرية هي أنّ الانقسام الحاصل في ليبيا سياسياً وعسكرياً، لن يعطي البلدين ما يريدان. بل على العكس من ذلك سيزيد من أسباب التباعد والخصومة، وأنّ الخيار الوحيد هو الذهاب إلى طاولة مفاوضات حقيقية بينهما لتقليل الخلافات وتشجيع الحوار الليبي – الليبي.
مؤشرات فرص الانفتاح
صحيح أنّ الجهود السياسية والدبلوماسية التي تبذل لم تصل إلى ما تعوّل عليه من نتائج ترضي جميع الأطراف بعد، لكنّ حراك العام المنصرم على خطّ أنقرة– القاهرة في التعامل مع الملفّ الليبي، أسفر عن بروز مؤشّرات إيجابية عديدة إلى تزايد فرص الانفتاح السياسي على حساب الاصطفافات القديمة وراء معسكرَي شرق وغرب ليبيا وإعادة ترتيب شؤون المشهد السياسي الليبي. هناك مثلاً:
– استقبال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الأسبوع المنصرم، في القصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة، لعبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة، في زيارة أثار توقيتها أكثر من تساؤل. فهي تأتي بالتزامن مع استقبال الرئيس المصري عبدالفتّاح السيسي للمشير خليفة حفتر بعد 3 سنوات على آخر لقاء بينهما.
ينبغي أن يُقرأ تزامن وجود الدبيبة في أنقرة وحفتر في القاهرة، على أنّه فرصة ليبية سانحة لتوحيد جهود الحلّ السياسي للأزمة وسط سياقات محلّية وإقليمية جديدة. ويُترجم بالاتّجاه الهادف لرفع مستوى جهود دعم خارطة طريق ليبية – ليبية حول شكل المرحلة الانتقالية، وتوظيف الدورين التركي والمصري لدعمهما في إحداث توافق سياسي حول هذه الخارطة.
– انفتاح تركي على قيادات شرق ليبيا، بدأ بزيارة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أنقرة، في آب 2022 وكانون الأوّل 2023، وزيارة نائب وزير الخارجية التركي أحمد يلدز بنغازي في تشرين الثاني 2023. ثمّ زيارة نجل حفتر، صدّام، الذي يتولّى رئاسة أركان القوّات البرّية الليبية، لحضور معرض “ساها إكسبو” للدفاع والفضاء في تشرين الأوّل 2024، وإجراء محادثات مع وزير الدفاع التركي يشار غولر. وكان لافتاً في تلك الزيارة وجود وزير داخلية الحكومة الليبية عماد الطرابلسي. وبعدها خطوة استئناف الرحلات الجوّية بين تركيا وبنغازي بعد انقطاع طويل.
– استضافة أنقرة في نهاية تشرين الثاني المنصرم اجتماعات لجنة 5+5، المعنيّة بالمسار العسكري للتسوية، وهي اللجنة التي عادة ما كانت تجري اجتماعاتها في الداخل الليبي، بإشراف من البعثة الأممية.
– رسائل الانفتاح التركي المصري على التيّار المناصر لسيف الإسلام القذافي، الذي أخذ يعزّز حضوره في الساحة الليبية. فعلى الرغم من عدم وجود مؤشّرات صريحة إلى بدء التقارب بين الطرفين، بدا لافتاً قيام الساعدي القذافي شقيق سيف الإسلام المقيم في تركيا بنشر منشور على منصّة إكس نهاية تشرين الأوّل 2024، يقول فيه إنّ وجود الأتراك أو المصريين في ليبيا هو أمر محمود ما دام يتم بالتنسيق مع السلطات الليبية.
– بروز قناعة مصرية- تركية بأهمّية حلّ الأزمة السودانية بالطرق الدبلوماسية، وبأنّ استمرار النزاع يؤثّر بشكل مباشر على مصالحهما هناك وعلى استقرار القارّة السمراء بأكملها.
يتبع غداً
د.سمير صالحة