المحامي د. إبراهيم العرب
في تطور قضائي أوروبي هام، حقق حاكم مَصْرِف لبنان السابق رياض سلامة انتصارًا قضائيًا بارزًا بعد أن ألغت المحكمة الإقليمية في ميونخ مذكرة التوقيف الصادرة بحقه من قبل المدعية العامة في ميونخ. هذا القرار، الصادر في 10 حزيران 2024، يمثل نقطة تحول حاسمة في مسار القضية التي كانت تتناول مزاعم ظالمة ضد سلامة، ويعدّ بمثابة إثباتٍ لبراءته من هذه التهم، لاسيما بعدما أكدت المحكمة الألمانية عدم وجود أسس قانونية كافية لإصدار مذكرة التوقيف بحقه، وعدم وجود أدلة تدينه بتبييض الأموال، وقررت إلغاء المذكرة وتحميل خزينة ولاية ميونخ تكاليف القضية. فهذا القرار يوجه ضربة قوية إلى الادعاءات السابقة التي استخدمت لتبرير تجميد حساباته المصرفية واتخاذ إجراءات قانونية ضده.
– نِقَاط الخطأ الجسيم في المحاكمات السابقة
كانت المدعية العامة الألمانية كما قاضية التحقيق الفرنسية أود بوروزي، وغيرهما من قضاة الغرب، قد أصدروا مذكرات توقيف بحق سلامة رغم عدم تبلغه الاستدعاء وفقًا للأصول القانونية. وهذا الإجراء أثار انتقادات واسعة من نقباء المحامين الأجانب، لاسيما الفرنسيين منهم، نظرًا لانتهاكه لأبسط حقوق الدفاع المقدسة، حيث لم يُمنح سلامة فرصة لتقديم دفوعه أو لعرض الوثائق التي تبرهن براءته. علاوة على ذلك، لم يتم استشارة النيابة العامة في فرنسا مثلًا بشأن توفر مبررات التوقيف، ولم تُراعِ قاضية التحقيق الفرنسية ولا غيرها من قضاة الغرب المهل القانونية المنصوص عليها في القانون الأجنبي، مما يعد خرقًا واضحًا للقوانين والمعايير الدولية.
– إصدار مذكرات بتوقيف سلامة رغم عدم توفر محاضر رسمية بالتبليغ
لم تُقدّم محاضر رسمية تثبت تبلّغ سلامة بورقة الدعوات لحضور الجلسات، مما يثير التساؤلات حول كيفية اعتباره متواريًا عن الأنظار وسبب صدور قرارات توقيف غيابية بحقه. وهذا يعكس انتهاكًا لأبسط القوانين ويدعم نظرية أن التحقيق الألماني والفرنسي واللوكسمبورغي مسيّس ويرغب بالانتقام من سلامة بالتآمر مع خصومه السياسيين.
– تسريبات المحاضر القضائية للإعلام
التحقيق الألماني كما الفرنسي تسرّب إلى الإعلام، في حين كان يجب أن تكون محاضره سرية، كما سُرّبت كل تفاصيل وثائق ملفات القضاة للإعلام أيضًا، مما يعزز الشكوك حول نزاهة المحاكمات، وهذا ما أضرّ بقرينة البراءة وافترض إدانة سلامة قبل المحاكمة. وقد كانت وكالات مثل رويترز على علم مسبق بنوايا المحققين الغربيين، مما يدعم النظرية بأن التحقيقات كانت مسيّسة وتهدف إلى تشويه سمعة سلامة دون مراعاة الأصول القانونية.
– المواقف الغربية المتناقضة
اللافت أن الغرب، الذي كان يشيد بسلامة في الماضي ويمنحه جوائز ويُكرّمه، سرعان ما تحول إلى مهاجم شرس له، مما يعزّز الشكوك حول الأهداف الحقيقية وراء هذه الهجمة القانونية عليه. فقد كان سلامة قد تقلّد جوائز عدّة من أميركا وأوروبا، مثل جائزة أفضل حاكم مصرفي ووسام جوقة الشرف من رتبة فارس، بالإضافة إلى تكريمه بقرع جرس مداولات بورصة نيويورك، مما يطرح تساؤلات حول هذا التغيير المفاجئ في المواقف.
– وجوب فك الحجز عن ممتلكات سلامة
إن قرار تجميد الحسابات المصرفية الظالم لسلامة وأفراد عائلته ومساعديه، كان قد أثار جدلًا كبيرًا بسبب افتقاره لأي قرار قضائي يدينهم، ما يعتبر إجراءً جائرًا وغير مبررًا، يقتضي الرجوع عنه بأسرع وقت ممكن.
– الثقة بعدالة النظام القضائي اللبناني
إن القرار القضائي الألماني المنصف لسلامة، يجب أن ينعكس إيجابًا على ملفه في النظام القضائي اللبناني الذي يحترم حقوق المتهمين ويفترض براءتهم حتى تثبت إدانتهم؛ لاسيما أن القضاء اللبناني يتمتع بسيادة قضائية مستقلة ولا يحتاج إلى تدخل خارجي لفرض وصاية أجنبية عليه. ولهذا، يجب على الدولة اللبنانية أن تحمي حقوق مواطنيها وتقف ضد التدخلات الخارجية التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار الوطني واستغلال الملفات القضائية الوطنية لتحقيق أهداف سياسية.
تأسيسًا على هذا، فإن قرار المحكمة الإقليمية في ميونخ بإلغاء مذكرة التوقيف ضد رياض سلامة يمثل انتصارًا قضائيًا هامًا ويعزز براءته من جميع التهم الموجهة إليه. كما أن هذا الانتصار يعكس عدم نزاهة الإجراءات القانونية الأجنبية ويفرض إعادة النظر في العديد من التحقيقات والإجراءات القانونية المتخذة ضده في دول أخرى، لاسيما في لبنان.
وختامًا، يجب على الدولة اللبنانية أن تأخذ موقفًا حازمًا لحماية سيادتها القضائية وضمان محاكمة عادلة لمواطنيها بعيدًا عن التدخلات الخارجية والضغوط الأجنبية التي تمارس عليها، لاسيما من القضاة الأجانب الذين كانوا يصرّون على حضور جلسات سلامة ومتابعة تفاصيلها وأخذ وثائق ومحاضر رسمية من القضاة اللبنانيين والمصرف المركزي؛ آملين أن يُنصف الله سعادة الحاكم رياض سلامة أيضًا في وطنه وسائر أرجاء المعمورة، وأن يحقّ الحق ويبطل الباطل، ولو كره المجرمون.
د. إبراهيم العرب