بقلم منى الحسن
«أساس ميديا»
جاء مفاجئاً إعلان الحزب إطلاق صواريخ أرض جو باتّجاه الطائرات الإسرائيلية التي دخلت الأجواء اللبنانية مخترقة جدار الصوت، “وهو ما أجبرها على التراجع إلى خلف الحدود”. هو إعلان ميزان قوى جديد يتمثّل في دخول الحزب، الموجود على حدود إسرائيل، المجال الجوّي، بعدما كشف النقاب عن قوّة ردع جديدة. ولم يعد ما تشهده غزة حدثاً وحرب إسرائيل الحقيقية ومصدر خطرها. بل بات الخطر على ساحة جنوب لبنان وفي مواجهة الحزب.. فهل فتحت زيارة وزير خارجية إيران باقري علي كني مستودعات الأسلحة الاستراتيجية في بيروت؟ وهل نحن أمام تسخين للجبهة؟ أم يريد الحزب من كشف قوّته أن يفرمل اندفاعة حكومة إسرائيل إلى الحرب التي تهدّد بها لبنان؟ وما علاقة فلاديمير بوتين؟
الإثنين في 3 حزيران وصل إلى بيروت وزير خارجية إيران علي باقري كني، وأعلن منها أنّه اتّفق مع وزير خارجية لبنان عبد الله بو حبيب على “وجوب أن تتبنّى دول المنطقة، خصوصاً الدول الإسلامية، حركة مشتركة لغرض التصدّي للعدوان الإسرائيلي وحماية الشعب الفلسطيني، وبخاصة في رفح”.
مساء الأربعاء في 5 حزيران استهدف الحزب للمرّة الأولى تجمّعاً لجنود إسرائيليين في بلدة حرفيش الدرزية ضمن مستعمرة الكوش، مسقطاً أكثر من 10 جنود دفعة واحدة، بين قتيل وجريح. وهي العملية الأقوى، التي وصفها الإعلام الإسرائيلي بأنّها “الأكثر خطورة”.
مساء الخميس، أعلن الحزب إطلاقه “صواريخ دفاع جوّي على طائرات الجيش الإسرائيلي الحربية التي كانت تعتدي على سمائنا وخرقت جدار الصوت في محاولة لإرعاب الأطفال، وهو ما أجبرها على التراجع إلى خلف الحدود”. الأكيد، بحسب معلومات موثوقة لـ”أساس”، أنّ الصواريخ روسية الصنع والمنشأ والتوريد.
هذا يحيلنا إلى صباح يوم الجمعة في 6 حزيران، حين خاطب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “الغرب” من “منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي”، بأنّ “روسيا لم تزوّد حتى الآن خصوم الغرب بأسلحة بعيدة المدى، لكنّها تحتفظ بحقّها في القيام بذلك”. وذلك ردّاً على سماح “الناتو” لأوكرانيا بـ”ضرب أهداف داخل روسيا”، بأسلحة غربية بعيدة المدى.
استناداً إلى هذه المعطيات: هل فتح الحزب مخازنه ومستودعاته وخرائطه ليخرج “أسلحة استراتيجية” صام عن استعمالها وامتنع عن كشفها طوال 8 أشهر من الحرب؟
هل هي المرّة الأولى؟
لطالما كانت نقطة الضعف الكبيرة في المواجهة مع إسرائيل هي تفوّقها في استخدام الطائرات الحربية. لكن اليوم وبغضّ النظر عن نوعية الصاروخ ونوعية الطائرة الحربية التي استُهدفت، يُعدّ التصعيد الجديد من وجهة نظر الحزب العسكرية “تطوّراً كبيراً جدّاً يفوق بأهمّيته إطلاق الصواريخ على المسيّرات”.
لم تكن تلك هي المرّة الأولى التي يستخدم فيها الحزب صواريخ أرض – جوّ في حربه ضدّ إسرائيل. سبق أن استخدمها في التصدّي للمسيّرات. لكنّها كانت المرّة الأولى التي يطلق فيها النار على طائرات حربية إسرائيلية أثناء تنفيذ طلعاتها في الأجواء اللبنانية.
منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) أطلق الحزب صواريخ أرض – جوّ ضدّ المسيّرات الإسرائيلية، فأسقط اثنتين من طراز هيرميس 450 وهيرميس 900. لكنّ إطلاق الصواريخ باتجاه الطائرات الحربية يوم الخميس الفائت معناه أنّ الحزب جاهز للمواجهة. ويأتي ذلك في ذروة التهديدات الإسرائيلية بتوسيع مربّع الحرب على لبنان وفي خضمّ المواجهة الأخيرة في رفح.
200 تهديد… 2,000 عمليّة
إذا تحدّثنا بلغة الإحصاءات، فقبل أيام أطلقت إسرائيل التهديد رقم 200 بتوسيح حربها على لبنان. أعقب هذا التهديد العمليّة رقم 2000 التي شنّها الحزب ضدّها.
في تحليل الحزب، كما في المعلومات المتوافرة لديه، أنّ الجيش الإسرائيلي لن يذهب إلى حرب واسعة، وأنّ هدف التهديدات طمأنة المستوطنين على الحدود الشمالية الذين لن يعودوا إلى بيوتهم ما لم يعطِهم الجيش ضمانات بعدم تكرار أحداث 8 تشرين الأول.
ترى إسرائيل أنّ التهديدات يمكن أن تحقّق لها التزاماً وضمانة تجاه سكّان الشمال، خاصة إزاء النضوج العسكري للحزب وحجم ضرباته القاسية التي أخذت تقترب من الداخل الإسرائيلي. السبب الثاني لاستبعاد احتمال الحرب الواسعة هو الموقف الأميركي الساعي بقوّة إلى وقف الحرب على غزة وضمناً جبهة الجنوب، بدليل موقف الخارجية الأميركية الأخير من أنّ وقف إطلاق النار في غزة سيقود إلى تهدئة على الحدود اللبنانية.
الأكيد أنّ الحزب لم يستخدم بعد كامل قوّته العسكرية في حربه ضدّ إسرائيل. وهو يؤكّد أنّ لدى المقاومة ما يكفي من قوّة ردع تجبر إسرائيل على الحفاظ على حدود معيّنة لهذه الحرب وعدم توسيعها. يتعاطى عسكرياً على أنّه يخوض حرباً واسعة بدليل حجم الدمار وعدد الشهداء الذين سقطوا. وإن بقيت هذه الحرب محصورة في حدود 5 إلى 7 كيلومترات مع وجود استثناءات.
لكن كلّما عمّقت إسرائيل ضرباتها، جاء ردّ الحزب قاسياً. وكلّما تجاوزت إسرائيل النطاق الجغرافي المتعارف عليه، إلى البقاع مثلاً، وسّع الحزب نطاق ردّه إلى الجولان على سبيل المثال. وعلى الرغم من ذلك تؤكّد مصادره العسكرية أنّه لم يستخدم كامل قوّته ولم يكشف عن قدراته العسكرية.
تطوّر أسلوب الحزب
يعيش الحزب حالة حرب حقيقية ضدّ إسرائيل وداعميها (أميركا وبريطانيا) ويعترف أنّه يقدّم تضحيات كبرى تتناسب مع طبيعة المعركة. وهي معركة عمرها ثمانية أشهر وتدور على امتداد 8 كيلومترات وسقط خلالها ما يزيد على 300 شهيد هم من عناصر النخبة والقادة العسكريين المتفوّقين في مجالات التكنولوجيا وحرب المسيّرات. هذا الرقم يشير إلى حجم المواجهة وإلى أنّ جبهة الإسناد كانت ضرورة. وعلى الرغم من ذلك لا يزال حجم التضحيات أقلّ من ذلك الذي ضحّى به الحزب خلال معركته ضدّ التكفيريين.
كلّ ما استخدمه الحزب عسكرياً لم يتجاوز 15 في المئة من قدراته العسكرية حسب إعلامه. طبيعة الحرب ونطاقها الجغرافي يفرضان نمطاً محدّداً من المواجهة التي لا تحتمل وجود أكثر من ألف جندي على الجبهة. ولغاية اليوم لم يستدعِ الحزب الاحتياط ولم يعلن حالة طوارئ في صفوفه.
حين نتحدّث عن طائرات حربية وصواريخ أرض – جوّ، فهذا يعني مواجهة بأدوات عسكرية وتقنيّات جديدة. وإسرائيل المتفوّقة في كلّ منطقة الشرق الأوسط بدفاعاتها الجوّية والتي هدّدت بأن تضرب طائراتها المفاعل النووي الإيراني، ها هي تدخل في مواجهة مع الحزب حيث تفوّق إسرائيل بات من الماضي. و”السلاح الكاسر للتوازن” الذي تحدّث عنه الأمين العامّ للحزب بات قيد التداول.
منذ أن أطلق الحزب الصواريخ المضادّة للطائرات دخلت جدول المفاوضات الموعودة مع الموفد الأميركي آموس هوكستين. في زيارته الأخيرة تلقّى هوكستين طلباً لبنانياً بوقف طلعات الطائرات الحربية الإسرائيلية فوق لبنان. وكان الجواب أنّ ذلك غير ممكن لأنّها طلعات في أجواء معادية غرضها تحصيل معلومات. واليوم حين يستخدم الحزب ورقة التفاوض هذه فإنّ التطوّر العسكري سيفرض تغييراً في المعادلة. وعلى الرغم من ذلك تؤكّد مصادره العسكرية أنّه لم يستخدم كامل قوّته.
الدّفاع الجوّيّ: من أفغانستان وسوريا.. إلى لبنان
بحسب الخبراء في تاريخ الحرب الأفغانية، فإنّ موافقة واشنطن على تزويد السعودية “المقاومة” في أفغانستان بصواريخ “ستينغر” المضادّة للطائرات في عام 1986 ساهم في تحويل خسارة الأفغان إلى انتصار في عام 1989. كانت لهذه الصواريخ الكلمة الفصل في ضرب التفوّق الجوّي الروسي. مع العلم أنّ المجموعة الأولى من الصواريخ لم تتجاوز 6 صواريخ لكن تأثيرها المعنوي كان أكبر بكثير من عددها حسب رواية مؤرخ… عاصر تلك المرحلة.
أمّا خلال الثورة السورية، فكان لرفض أميركا، والغرب عموماً، تزويد المعارضة السورية بصواريخ مضادّة للطائرات. الكلمة الفصل في حسم هزيمة المعارضة وانتصار نظام بشّار الأسد.
فهل يكون “الدفاع الجوّي” بيد الحزب سلاحاً استراتيجيّاً يغيّر المعادلة في جنوب لبنان؟
منى الحسن