بقلم ملاك عقيل
«أساس ميديا»
يوازي توقيت خروج نائبين آخرين، على الأقلّ، من “التيّار الوطني الحر”، أهمّية توقيت إصدار النائب جبران باسيل قراراً بفصل النائب آلان عون يوم الجمعة الماضي من الحزب. فبعد ستّة أيام من قرار باسيل “فَعَلها” نائب جبيل سيمون أبي رميا معلناً خروجه من “الإطار التنظيمي للتيّار الوطنيّ الحرّ”. كلّ التركيز ينصبّ حالياً على نائب المتن إبراهيم كنعان وإن كان سيلحق برفاق درب النضال عون وأبي رميا، بعدما سبقهما الياس بو صعب بإدراجه أوّل نائب على لائحة المفصولين من “التيّار“.
تتشابه لائحة الاتّهامات الباسيليّة بحق آلان عون والمغضوب عليهم داخل “التيّار” لجهة ارتكاب المخالفات الحزبية ومخالفة قرارات رئيس التيّار وتوجيهاته أو امتناع بعضهم عن حضور جلسات الهيئة السياسية والمجلس السياسي، لكنّ الاتّهامات المُعلنة وغير المُعلنة المسُوقة ضدّ مؤسّسين للتيار الوطني الحرّ، وهما آلان عون وسيمون أبي رميا، تشكّل فعليّاً عامل قوّة لهما ولأسبابهما الموجبة لترك التيّار، وتطرح علامات استفهام كبيرة حول أداء جبران باسيل الحزبي الداخلي والسياسي الذي قاد فعليّاً إلى خروج “نواة” التيار من “نواته”، أي تفريغ التيّار البرتقالي من لبّه الحزبي “الأصليّ”.
عمليّة “تطهير” داخل “التّيّار”؟
شكّل بيان الاستقالة من جانب أبي رميا صفعة على وجه رئيس التيّار وإدانة لأدائه، ونَزَع “غطاء” مجلس الحكماء (برئاسة ميشال عون) الذي تغطّى فيه باسيل لإزاحة زياد أسود والياس بو صعب وآلان عون، وقبلهم عبر “محكمة عادية” نعيم عون ورمزي كنج وإيلي بيطار وطوني نصرالله وآخرون.
تحدّث أبي رميا في بيان الاستقالة عن “تأسيسنا، بعد مرحلة النضال، مع الرفاق الشرفاء تيّاراً وطنياً حرّاً ليكون نقيضاً لكلّ الموروثات الحزبية التقليدية. وفي مرحلة التأسيس كان نظامنا الحزبي يقوم على الشراكة الحقيقية والمشورة الجادّة والديمقراطية الإيجابية. لكن سرعان ما بدأ الانحراف عن تلك الأسس، فتحوّل نظامنا تدريجياً إلى نظام رئاسي وبدأت مسيرة الانتقال من التعدّدية الفكرية الغنيّة نحو الأحاديّة والتفرّد”، مشيراً إلى تعديلات على نظام الحزب “ضربت في الصميم الفكرة الأساسية المتمثّلة في تأسيس تيار ديمقراطي نموذجي. ثمّ بدأت سلسلة التراجع الشعبي في الانتخابات النيابية المتعاقبة. وبعد تسونامي عام 2005، وصل التيار إلى أدنى نسبة من الأصوات في انتخابات 2022”.
لفت أبي رميا إلى استمرار “قيادة التيّار بسياسة دفن الرؤوس في الرمال، وبدء العمل الجادّ لطيّ صفحة التيّار التاريخي الأصيل عبر إقصاء رموزه وخلق حالة جديدة موالية للشخص وليس لقضية أو برنامج”.
ترافق ذلك، كما قال أبي رميا، “مع تنفيذ أجندات شخصية ومصالح ضيّقة على حساب المصلحة الوطنية الكبرى. واستكملت عملية “التطهير”، التي بدأت منذ عدّة سنوات، لتطال تباعاً الكوادر والناشطين المؤسّسين، فضلاً عن الوزراء والنواب السابقين والحاليين”.
تسونامي مضادّ
كلام أبي رميا الأخير يكشف عن توجّه مناضلي “التيار” إلى الفصل بين مرحلة ما قبل ميشال عون في السياسة وما بعدها.
وبعدما أعلن أبي رميا قراره برفض الالتزام بـ”سياسات وخيارات لا شراكة فعليّة في صياغتها، وإنهاء رحلتي كشاهد على تحلّل مؤسّسة شاركت في تأسيسها وساعدت في تطويرها”، بدأت التساؤلات الجدّية حول تداعيات “تسونامي” خروج كبار قياديّي التيّار من حاضنة الحزب بوجود ميشال عون في الرابية وعلى مفترق طرق استحقاقات أساسية أحالت باسيل في السنوات الماضية لاعباً ذا مهارات مشكوك في أمرها بعد نسجه تسويات سياسية غير شعبية واتّخاذه قرارات أحادية أبعدت “التيّار” عن أقرب الحلفاء وخسّرته سياسياً. في المحصّلة، قادت أحادية باسيل وتفرّده بالقرار إلى إحداث شبه انقلاب من نواب التيار على باسيل والمؤسّس بوصفه المُشرِف على عمليات الفَصل و”تخبيص” وريثه.
اتّهامات بالتّلاعب والفوضى
فعليّاً، توّج البيان الأخير الصادر عن المجلس السياسي في التيّار يوم الثلاثاء “مضبطة الاتّهام” الباسيليّة بحقّ أحد مؤسّسي التيار النائب آلان عون حين أشار إلى صدور القرار بالإجماع “مع ضرورة التشدّد في تطبيق الأنظمة لضمان الانضباط الحزبي وعدم التساهل مع أيّ مخالفة تمسّ الالتزام، وعدم التسامح مع من يريد التلاعب بالتيّار من داخله والمسّ بهيبته ونظامه الداخلي”.
اتّهامات صريحة بمحاولة التلاعب وخلق “فوضى” حزبية سبقها بيان عالي اللهجة أيضاً يوم الجمعة الماضي نُشِر على مجموعة “المجلس السياسي” على الواتساب قبل دقائق من حذف اسم آلان عون من المجموعة في محاولة باسيليّة لدفع الأخير إلى قراءة البيان ثمّ “فصلِه” عن غروب “المجلس” والحزب والبيئة الحزبية الملتزمة.
كما استدعى الأمر ظهور الرئيس المؤسّس ميشال عون على محطة “أو تي في” لتبرير الفصل الذي صدر بموافقته، كما قال، “بعدما راكم الأخطاء ولم يتقبّل الملاحظات وتفرّد بتصرّفات تضرّ التيّار”. مضيفاً بعد قرار فصل آلان عون: “دائماً في الشجرة هناك أغصان ضعيفة وأخرى قويّة. القويّة تتركها تنجح وتكبر والضعيفة يتمّ تشحيلها”.
لم ينتظر سيمون أبي رميا تشحيل غصن آخر من الأغصان “القويّة”، وليست الضعيفة، في التيّار. فصباح أمس أصدر بيان استقالته مدشّناً مرحلة ضبابية في مسيرة التيار ومصير قيادته.
هل يفعلها كنعان ودرغام؟
هكذا بعد فصل النائبين الياس بو صعب وآلان عون، وقبلهما النائب السابق زياد أسود، ثمّ استقالة أبي رميا، تتّجه الأنظار إلى “اليوم التالي” في ميرنا الشالوحي.
أمس لم يكن متاحاً التواصل بشكل طبيعي مع عون وأبي رميا وكنعان، والأخير تشكّل استقالته ضربة قويّة أيضاً لباسيل بالنظر إلى حيثيّته المتنيّة ودوره البرلماني ورئاسته للجنة المال والموازنة وبوصفه “بَيْ” كتاب الإبراء المستحيل.
درغام باقٍ
يُذكَر أنّ نائب التيار أسعد درغام أدلى بمواقف، بعد فصل عون، أكّد فيها أنّه “باقٍ في تكتّل لبنان القوي حتى آخر لحظة في حياته”، قائلاً: “قد يتناحر أهل البيت الواحد، لكن لا يجوز أن يُسمَع الصوت إلى الخارج، كما أنّه داخل البيت يوجد بروتوكول يجب احترامه ولا يجوز أن يعلو صوت فوق صوت ربّ البيت”، مشيراً إلى وجود محاولة سابقة “لجمع آلان عون وباسيل، لكنّها لم تنجح”، ومعترفاً “بأنّي معارض داخل التيّار ولا أزال”.
عكست تصريحات درغام قبولاً من جانبه بالبقاء داخل الحزب مُعارِضاً لكن من دون مؤازرة فعليّة ممّن سبقوه وقلبوا الطاولة بوجه جبران باسيل. وحالياً تتّجه الأنظار إلى إبراهيم كنعان وربما نائب زحلة سليم عون الذي يتردّد عدم رضى باسيل عنه واستبداله في الانتخابات المقبلة بمرشّحة من التيّار.
بو صعب
أمّا بالنسبة لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب فكان لافتاً عدم تخصيص بيان بفصله عند صدور القرار في 6 آذار الماضي، لكن تمّت الإشارة إلى ذلك بنهاية بيان الفَصل الخاصّ بآلان عون، حيث جرت الإشارة إلى “مخالفته أحكام النظام الداخلي وعدم التزامه بقرارات التيّار وتوجّهاته السياسية والإعلامية والتنظيمية وبعد إقراره بتصويته المخالِف لقرار التيّار في جلسة مجلس النواب في 14 حزيران، وبعد تمنّعه عن المثول أمام مجلس الحكماء، وتمنّعه عن حضور اجتماعات الهيئة السياسية والمجلس السياسي لفترة زمنية طويلة، سابقة ولاحقة لمخالفاته، وبعد رفضه الالتزام بنظام التيار وقراراته”.
ملاك عقيل