بقلم مروان اسكندر
قبيل عيد الميلاد عام 2021 نشرت الفايننشال تايمز تحت عنوان الرأي مقال بالغ الاهمية وضعه كل من ماريو دراغي رئيس وزراء ايطاليا آنذاك وايمانويل ماكرون رئيس جمهورية فرنسا. وكان العنوان يجب تعديل انظمة ضبط الانظمة المالية للسوق الاوروبية قبل ان تصبح بالية القيمة على صعيد الانتظام المالي لدول السوق وربما من المفيد الاشارة الى امرين: ان عملة اليورو كانت اصبحت العملة الرئيسية لعدد متعاظم من اعضاء السوق الاوروبية واليورو كعملة لعدد من البلدان الاوروبية الرئيسية اعتمد اواخر التسعينات لكن بداية ارساء قواعد التحول لليورو كانت اكتملت بنهاية عقد التسعينات.
الامر الثاني الذي برز في ذلك الوقت ان المانيا كانت قد اكتسبت موقع الاقتصاد الاكبر في مجموعة دول الاتحاد الاوروبي وان ايطاليا كانت قد خسرت نسبيًا موقعها الذي تميز بانها كانت من الدول المؤسسة للسوق الاوروبية وبريطانيا كانت متأرجحة بين الاستمرار في السوق الاوروبي او ما سمي بالاتحاد الاوروبي ام لا، ورئيس فرنسا كان انتخب على اساس معارفه الاقتصادية الواسعة، فهو اكتسب مركز وظيفي جيد في بنك روتشيلد ولم يكن عمره يتجاوز اواسط الثلاثينات.
مقال الرئيسين اكتسب اهمية لان العالم كان يمر في ازمة بنك ليمان براذرز في نيويورك الذي ادى الى خسارة 640 مليار دولار وكان هذا المبلغ يبدو بالغ الاهمية في ذلك الوقت 2008 ومعالجته استوجبت تسهيل توافر التمويل للبنوك في الاتحاد الاوروبي على مستوى كبير جدًا اصبحت متوافرة لقاء فوائد متدنية للبنوك الاوروبية الملحوظة والتسهيلات الاميركية تجاوزت التريليونات من الدولارات، وكما هو معروف كان الدولار قد اصبح العملة الدولية التي تتركز الى قيمتها الشرائية قيمة اليورو وتتفارق بنسب مقلقة للأوروبيين.
اعتماد الدولار كعملة القياس الاساسي للتجارة العالمية خضع لمفاعيل تعليق الولايات المتحدة عام 1971 التزامها بتامين اونصات ذهبية مقابل كل 35 دولارًا من عملات الادخار لبقية العالم، ولم يبق خارج النظام العالمي المهتز بقرار الرئيس نيكسون لتعليق التزام تامين الذهب النقدي مقابل كل 35 دولارًا متوافر في احتياطي الدول المتاجرة، والبلد الوحيد الذي حقق حجم اقتصادي ملفت ولم يلجا الى الولايات المتحدة كان اليابان حيث بقيت اسعار الفائدة على السندات اليابانية منخفضة بل ان اليابانيين الذين لم يستعيدوا دورهم سوى على الصعيد الاقتصادي اصبحوا مقتنعين بحمل سندات الدين اليابانية مقابل اصدارات تمتع بحق عائد لا يزيد على 1 في المئة.
منذ توجه الصين نحو تحرير اقتصادها وربما يجوز القول اوائل التسعينات وبعد اكتسابها حجمًا يضاهي الاقتصاد الالماني بل يزيد على صعيد الصادرات عن حجم الاقتصاد الالماني حيث فقدت اليابان هذه الميزة الفائت لالمانيا.
ادرك الاوروبيون ان حجم التبال التجاري الدولي باليورو لن يضاهي نسبة الدولار في التعامل الدولي، وزيادة تسهيلات تجاوز ازمة ليمان براذرز والتي كانت حسب المعايير الحالية غير كارثية دفعت الاوروبيين الى زيادة تسهيلاتهم لتجاوز الازمة العالمية للسيولة واليونان البلد الصغير نسبيًا والذي اعتمد لفترة سياسات افقارية تميل للاشتراكية واسرفت في الاقتراض من قبرص التي يعتبر جزء من اراضيها وكانه من اليونان احتاجت لاستقراض 333 مليار يورو وكان هذا المبلغ اعلى مبلغ يتوافر لانقاذ اقتصاد صغير نسبيًا، لكن الامر تحقق وان كانت نتائجه المتمثلة بتسهيل الاقتراض في السوق الاوروبية تجاوز المستويات المقبولة.
رئيسة البنك المركزي الاوروبي والتي هي سيدة فرنسية كانت وزيرة للمال في فرنسا ورئيسة سابقة لصندوق النقد الدولي اتخذت موقفًا منبهًا لمخاطر التضخم وسياسات الاقراض التسهيلية منذ سنتين. والاميركيون رفعوا مستوى المديونية للدولة الى سقف تجاوز حاليًا ال36 تريليون دولار، والتريليون يساوي الف مليون، واصبح دين الحكومة الاميركية متجاوزًا لمستوى الدخل القومي السنوي بحيث وازى 120% من الدين القومي وقد تسبب مستوى الدين في تخفيض تقدير قدرة الاقتصاد الاميركي على ايفاء الدين العام وبالتالي تخفيض تصنيف قدرة الولايات المتحدة على الاحتفاظ بدرجة مرتفعة من الثقة، وقد تجلى هذا الوضع في صعوبة اقراض اوكرانيا مبلغ 60 مليار دولار يطالب بها الرئيس بايدن وحتى تاريخه لم يقر هذا المبلغ الذي يضيف الى الدين الاميركي المذكور سابقًا.
صدر في باريس عام 2019 كتاب يثير عنوانه التساؤل هل نحن في بداية ازمة مالية عالمية ام لا؟ وعنوان الكتاب بالفرنسية:
La Descente aux Enfers de la Finance اي انهيار الشأن المالي في المحرقة وواضع الكتاب Georges Ugeux اقتصادي مصرفي بامتياز تولج نيابة رئاسة سوق نيويورك المالي لتبادل السندات والقروض والمحافظة على قوة الدولار، وقد قدم للكتاب جان كلود تريشه رئيس البنك المركزي الاوروبي حتى وقت قريب، وهو يؤكد على ان العالم يواجه ضرورة احتواء نتائج انهيار بنك ليمان براذرز وهنا لا بد من الاشارة الى ان افلاس الكريدي سويس بعد مواجهته خسائر تجاوزت ال54 مليار يورو عبر مكتبه في لندن عام 2023 وما اذا كان الدولار او اليورو يمكن دفع سلطاتهم لزيادة الاقراض والنمو في اوروبا لا يتجاوز في احسن الاحوال نسبة ال1% والتسهيلات لا يمكن كبحها سوى عبر اقرار اجراءات قانونية لم تقر حتى تاريخه.
لا شك ان المشكلات الدولية تتجاوز اوضاع لبنان ورغم ارتفاع موجودات الدولار الذي اصبح عملة التبادل الاساسية في لبنان بسبب لجوء القطاع الخاص الى استعمال الواح حفظ الطاقة التي اصبحت طاقتها الاجمالية حاليًا على مستوى 2400 ميغاواط في حين الدولة لم تتمكن من زيادة طاقة الانتاج الهزيلة بميغاواط واحد.
مروان اسكندر