كتب عوني الكعكي:
منذ اليوم الثاني لوفاة الرئيس حافظ الأسد الأحد في 10 حزيران عام 2000، التقيت بالرئيس الهارب بشار الأسد يومذاك برفقة وزير الدفاع العماد مصطفى طلاس، وكان اللقاء في منزل حافظ الأسد في «المالكي». في اللقاء قال لي إنه منزعج من المرحوم جبران تويني، قلت له: لماذا تشغل بالك في هذا الموضوع؟ جبران عنده عقدة من والده الذي كان وزيراً ونائباً وسفيراً للبنان في الأمم المتحدة، وأنتم (وأعني السوريين) تعيّنون الموظفين في لبنان بدءاً من رئيس الجمهورية الى أي موظف صغير. بمعنى أدق لا يمكن أن يتم أي تعيين بدءاً برئيس الجمهورية وانتهاءً بأصغر موظف في الجمهورية اللبنانية، إلاّ بموافقة وقرار سوري. لذلك واختصاراً للوقت أتمنى عليك أن تحقق للزميل جبران الوصول الى أحد المراكز الثلاثة التي تحدثت عنها، وبالتالي سيكون جبران أفضل ضابط في الجيش السوري.
أقول هذه الرواية لكي أؤكد ان الرئيس الهارب بشار لم يكن مؤهلاً لتولي حكم سوريا، ولكن بعد وفاة الشقيق الأكبر لبشار «باسل» لم يكن أمام الرئيس حافظ إلاّ أن يعمل على تحضير بشار… وبالفعل حاول الرئيس حافظ أن يهيّىء «بشار»، لكن الوقت كان قصيراً.
والمصيبة أن عقل بشار لا يصلح كي يكون رئيساً، خصوصاً أنه يتلهّى ببحث الأمور بطريقة فلسفية لا واقعية. لذلك قلت في نفسي إن هذا الشخص لن يستطيع أن يحكم سوريا.
قد يقول البعض ولكنه حكم 24 سنة.. هذا صحيح، ولكن مقارنة بكيف كانت سوريا عام 2000 يوم وفاة حافظ الأسد وكيف تسلم بشار دولة حقيقية حاربت إسرائيل، ودولة ليس عليها قرش واحد ديناً، دولة للفقير، حيث أن كل مواطن سوري حتى الفقراء يملكون منازل خاصة بهم، وهذا بفضل الأراضي التي كانت توزعها الدولة بشكل جمعيات، والدولة تقدّم الأرض والمؤسّسات والجمعيات تقوم بعملية دفع ثمن البناء، وهكذا أصبح المواطن السوري حتى الفقير يملك منزلاً.
والدليل على عدم أهلية بشار أن صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية كشفت عن كواليس المحادثات السرّية التي أجراها ديبلوماسيون سوريون مع مسؤولين أميركيين، تحقيقاً لرغبة واشنطن في التقارب مع دمشق. الأمر الذي رفضه الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بشدّة، مما أثار استغراب ودهشة كبار المسؤولين من الجانبين وساهم في الإطاحة به بعد أشهر قليلة.
وفي معلومات تُذْكر للمرّة الأولى، كشف مراسل «لوفيغارو» الخاص في دمشق، المختص بشؤون الشرق الأوسط جورج مالبرينو، انه في أوائل عام 2024، أرسلت إدارة جو بايدن رسالة الى الرئيس السوري عبر دولة عربية، أوفدت بدورها مسؤولاً كبيراً الى دمشق للقاء رئيس الديبلوماسية السورية آنذاك فيصل المقداد.
ونقل المسؤول العربي الرسالة التالية:
واشنطن مهتمة ببدء محادثات سرّية حول قضايا معيّنة من أجل تحقيق تقدّم تدريجي في نهاية المطاف بشأن قضايا أخرى.
وكان ردّ بشار سريعاً وغريباً: «لا… نحن لا نتحدّث مع الأميركيين». وبعد أن بدت على السياسي الضيف علامات الذهول والاستغراب من الرفض، تواصل مع زعيم بلاده الذي اتصل فوراً بالأسد، ليخبره أنه «من غير المنطقي رفض قناة نقاش مع الولايات المتحدة».
لكن أخيراً… تم إرسال وفد سوري الى تلك الدولة العربية برئاسة الديبلوماسي السابق عماد مصطفى، الذي كان يتمتع بخبرة كبيرة بعد أن عمل سفيراً لبلاده لدى الولايات المتحدة ثم الصين. وفي المقابل.. وفي إشارة الى جدّية واشنطن، أرسل الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بريت ماكغورك، أحد مبعوثيه الشخصيين الى الشرق الأوسط.
ووجد الوفد السوري نفسه متورّطاً في هذه الديبلوماسية الصعبة عاجزاً عن فهم منطق بشار، وقال أحد أعضاء الوفد للصحيفة الفرنسية وهو يشعر بالمرارة من تفويت مثل هذه الفرصة: «كانت بلادنا في وضع صعب جداً، وكانت معزولة تماماً على الساحة الدولية، وكان الناس فقراء، وكان علينا أن لا نقول لا لأي اقتراح من شأنه أن ينتشلنا من الهاوية».
وخلال التفاوض، قدّم بريت ماكغورك العرض الأميركي: «نريد من سوريا أن تتعاون معنا للعثور على أوستن تايس، الصحافي الأميركي الذي اختفى عام 2012 في إحدى ضواحي دمشق».
وتابع ماكغورك: «وبما أننا نعلم أنكم لا تفعلون أي شيء بالمجان، فإذا وافقتم على العمل معنا بشأن تايس، فإننا سنوافق على سحب قواتنا حول حقلي النفط كونوكو والعمر في شمال شرق سوريا، وستحلّ قواتكم محل قواتنا، لكن لدينا شرطان: أن تكون قواتكم فقط هناك وليس فصائل شيعية موالية لإيران، وألّا تستخدم هذه المناطق المحيطة بالآبار النفطية لمهاجمة جنودنا».
وفي نهاية جلسة المفاوضات هذه، أخذ ماكغورك أحد محاوريه السوريين جانباً ليطلب منه تبادل أرقام واتساب الخاصة بهما حتى يتمكنوا من التواصل بشكل مباشر.
واتفق الفريقان على اللقاء مجدداً بعد ثلاثة أسابيع، لكن على الجانب السوري انفجر بشار غضباً وقال: «من سمح لكم بإعطاء أرقام هواتفكم». طالباً حذف رقم ماكغورك.
وبعد أن علم الأميركيون بالرفض السوري غير المنطقي تدخل زعماء عرب لإقناع الأسد بتغيير رأيه… فوعدهم ولكن عبثاً. وبحسب مصادر عدّة فإنّ الرفض النهائي للأسد جاء في تشرين الأول الماضي قبل أسابيع فقط من الإطاحة به في معركة حلب التي كانت بمثابة مقدمة لسقوطه وهربه.
وكان الأسد رفض طلباً من تركيا للتحاور معها حول إدلب ورفض لقاء أردوغان.