المحامي أسامة العرب
شكّل تعيين القائد يحيى السنوار زلزالًا في إسرائيل، التي سارع عسكريوها لمساءلة زعيمهم النتنياهو عمّا فعل بهم؟ وكيف سيواجهون الخطر السنواري القادم ويسترجعون أسراهم، بعد سلسلة من الأعمال العدوانية والمجازر والمحارق التي نفذوها على الغزاويين؟
تتمحور كافة اهتمامات إسرائيل اليوم في كيفية مواجهة حزب الله وإيران، فيمَا تأتي جبهة السنوار لتضيف صفعة جديدة على وجه الإسرائيليين، حيث يتوقع أن تفتح كل الجبهات اليوم على مصراعيها، ولاسيما جبهات إيران اليمن ولبنان وغزة، وليحتدم القتال ويتواصل معرضًا البنية التحتية للدولة المغتصبة الصهيونية لخطر كبير من كافة الجهات.
كيف لا، والسنوار يعلم حقيقة الإسرائيليين، أكثر مما يعلمونها أنفسهم، وهو المعروف بتشدّده وتعصّبه لقطاع غزة، الذي نشأ وترعرع فيه، وليس غريبًا عليه اهتمامه بقضية تحرير أرضه والبطش بالمحتل، بعدما قضى أكثر من عشرين سنة في معتقلاته، وتعلّم لغته وأتقنها، في محاولة منه لفهم ما يدور في فلك العدو الصهيوني من مؤامرات تحاك ضد شعبه المؤمن الصابر.
إن وصول القائد السنوار إلى رأس الهرم في حركة حماس، معناه أن حماس اليوم سوف تكون أكثر صلابةً وقوّةً ومنعة، وأن مسارها في مواصلة القتال مستمر إلى حين تحقيق كافة أهدافها، لا أهداف النتنياهو وشعبه الصهيوني، وأوّلها دحر جيش الاحتلال من غزة كاملة وإنهاء الحصار الخانق وتحرير الرهائن الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، لاسيما رفاق درب حماس الطويل، وزملاء السنوار في زنازين الشياطين.
ولا يعتقدنّ النتياهوويين، والليكوديين والبن غفيريين والسموتريشيين، وكل جناحهم الأيمن المتطرف، أنهم بقضائهم وتصفيتهم للحاج هنية، تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه، مع الأنبياء والشهداء والصدّيقين؛ قد تمكنوا من إضعاف المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لا والله، بل على العكس ساهموا بتمسكها باستراتيجية مواصلة الجهاد حتى تحقيق النصر أو الاستشهاد، غير آبهين بما قد يواجهونه من صعوبات وآلام، طالما أن عينهم على الهدف، وقلبهم مع الله عزّ وجلّ، فما من شوكة يشاكها المرء إلا كان أجرها على ربّ الجلالة.
كما أثّر الإجماع على يحيى السنوار مصدر قوة بالنسبة لهذا التنظيم الإسلامي الفلسطيني المقاوم، الذي يشكّل مع إيران وحزب الله، هاجسًا للعدو الصهيوني، فحماس-السنوار لم يعد لديها بديل فعال سوى متابعة القتال لتحقيق الانتصار الميداني أو حتى ترفع إسرائيل الرايات البيضاء معلنة الاستسلام كما استسلمت في بيروت، إبّان اجتياحها لهذه العاصمة العربية المقاومة، وأمام مقاتليها الشرسين الذين لا يعرفون معنى المهادنة أو المساومة مع عدو الأمة الصهيوني.
إن تصورات المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية لسبل المواجهة المحتملة مع محور مقاوم يحيط بها من كل حدب وصوب، أنها تعيش أسوأ أيامها منذ عام ١٩٤٨، وأن أكبر تهديد لها هو تنظيم السنوار، وأن إمكانيتها في حسم المعركة معه صعبة، لا بل مستحيلة على أرض الواقع؛ وإنها لأول مرة في تاريخها الاحتلالي القذر، تكون ضعيفة وعاجزة إلى هذه الدرجة، لاسيما أن العديد من جنرالاتها بقبضة السنوار.
أما الدعم الإيراني فيعزّز من قوة وخبرات السنواريين، واستراتيجيتهم في الاعتماد على الدفاع وعلى استنزاف العدو في المواجهات، تمامًا كما حصل في العاصمة بيروت إبّان محاصرتها من كل الاتجاهات، فمَا كان لها من سبيل للتحرر إلا بالاعتماد على نموذج مواصلة العمليات حتى الاستشهاد أو تحقيق الانتصار، وهكذا حصل وسيحصل في القريب العاجل مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي بإذن الله تعالى.
وبالنسبة لمقاتلي حماس، فهم يدركون بإجماعهم على السنوار كخيار متشدد في مواجهة بني صهيون، أنها الطريقة الأفعل والأنجع من أجل دحر العدو، الغادر الذي فور إتمامه أي صفقة تبادل سيقوم بتصفيتهم جميعاً مستقبلًا كما قام بتصفية الشهيد أبو العبد بالأمس. وبالتالي، فقد تعلموا من دروس المكر الإسرائيلي وتبلورت لديهم قناعة أن العيش مع طاعني الظهور ومدمّري خيار الدولة الفلسطينية وموصمي المنظمات الأممية الدولية بالإرهاب؛ هو أمر مستحيل، لا يقتنع به إلا ساذج أو عقربٌ يدّعي السذاجة.
ختاماً، لقد أوقف السنوار الزحف الإسرائيلي لتصفية سائر قيادات حماس، وسيدفع بكل تأكيد لتطوير قدرات حركته القتالية النوعية، وسيعتمد على دعم الدولة الإقليمية الراعية لها، الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ترى فيه المستقبل المشرق لفلسطين الحرّة المستقلة والأبيّة.
وفي النهاية، من المتوقع خلال الردّ الإيراني القادم على إسرائيل خلال ايام، وفي ظل مواجهة حزب الله ايضاً للعدو الصهيوني، أن يلعب السنوار دورًا فاعلًا في استنزاف الجيش الإسرائيلي، الذي بدأ ينقل جنرالاته من قطاع غزة إلى الحدود مع جنوب لبنان، ويصطدم مع جبناء الحريديم محاولاً تجنيدهم بالقوة نتيجة نقصه للعدد والعديد، ولكن إلى متى سيبقى العدو صادمًا قبل إعلان استسلامه ومُنيانه بالهزيمة؟ سؤال سترسم الأيام المقبلة أجمل الإجابات عليه.
المحامي أسامة العرب