بقلم خيرالله خيرالله
ليس لدى «حماس» ما تدافع به عن نفسها في الوقت الحاضر غير ورقة المحتجزين الإسرائيليين لديها. من هذا المنطلق، يبدو كلام الرئيس جو بايدن الذي يدعو فيه الحركة إلى إطلاق المحتجزين، الذين تحتفظ بهم «حماس» منذ السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي، كلاما سياسيا بالغ الأهمّية. يدلّ كلام الرئيس الأميركي على جهل في العمق بطبيعة «حماس»… أو أنّّه كلام يراد من خلاله إحراج الحركة التي شنت هجوم «طوفان الأقصى» من دون أفق سياسي لهذا الهجوم الذي هزّ أركان إسرائيل.
قبل كلّ شيء، يفترض في الرئيس الأميركي أن يطرح على نفسه سؤالا في غاية البساطة: هل «حماس» مهتمة بمصير أهل غزّة كي تعتبر وقف النار أولويّة الأولويات؟ الأكيد أنّ مثل هذا الأمر غير وارد. لا وجود لهمّ حمساوي مرتبط بمصير الشعب الفلسطيني. لو كان الأمر كذلك لما كانت الحركة وفّرت لليمين الإسرائيلي، منذ استيلائها على قطاع غزّة، قبل سبعة عشر عاما، فرصة لينادي بإستمرار بأن «لا وجود لطرف فلسطيني يمكن التفاوض معه». الأنكى من ذلك كلّه، أنّ ممارسات «حماس»، انطلاقا من غزّة، سمحت بحصار إسرائيلي للقطاع. كان هذا الحصار الذي وقف العالم يتفرّج عليه، تعبيرا نوع من التواطؤ الحمساوي – الإسرائيلي دفع ثمنه الشعب الفلسطيني… ولا يزال يدفع هذا الثمن.
نحن أمام إدارة أميركيّة في حال ضياع، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بـ»حماس» وممارساتها أو بحكومة إسرائيليّة يقف على رأسها شخص مثل بنيامين نتانياهو لا هدف لديه غير إنقاذ مستقبله السياسي حتّى لو اضطر إلى إفناء غزّة عن بكرة أبيها وحتّى لو لم يبق إسرائيلي حيّا، بين المحتجزين لدى «حماس».
كان يمكن للغة المنطق التي، يلجأ إليها الرئيس الأميركي، أن تكون ذات فعاليّة ما لو كانت «حماس» تريد وقف الحرب. «مثلما أن «بيبي» يريد إنقاذ «بيبي»، تحلم «حماس» بإنقاذ «حماس». تبدو ورقة المحتجزين الإسرائيليين ورقتها الأخيرة فيما الحرب الورقة الأولى والأخيرة لدى رئيس الحكومة الإسرائيليّة. لن تسمح «حماس» لجو بايدن وإدارته بإنتزاع ورق المحتجزين منها. يعود ذلك إلى وقف الحرب سيعني، بين ما سيعنيه، وقوف الحركة أمام إستحقاقات وتحدّيات جديدة تبدو عاجزة عن التعاطي معها. في مقدّم هذه الإستحقاقات والتحديات ما العمل بغزة وكيف مواجهة حجم الدمار الذي خلفته الوحشية الإسرائيلية، وهي وحشية لا يبدو أنّ من حدود لها.
تدور حرب غزّة في دائرة مغلقة. لا وجود لدور قيادي أميركي ولا وجود لدور إسرائيلي يستطيع استيعاب أنّ لا مجال للتخلص من الشعب الفلسطيني وتصفية قضيّته. أكثر من ذلك، توجد «حماس» التي تعتقد أنّ لديها شروطا تستطيع فرضها، علما أنّ ميزان القوى لا يسمح بذلك. فوق ذلك كلّّه، توجد سلطة وطنيّة فلسطينية مغلوب على أمرها لم تعرف، منذ ساعة حصول «طوفان الأقصى»، إتخاذ موقف حاسم من الموضوع الخطير ببعده الإيراني ومن النتائج الكارثية التي تترب عليه. كانت هناك حاجة، منذ البداية، إلى موقف فلسطيني شجاع يسمّى الأشياء بأسمائها. صحيح أن لا شعبيّةّ لمثل هذا الموقف بعدما سكر قسم كبير من الفلسطينيين ومعهم قسم كبير من العرب بـ»طوفان الأقصى» لكن الصحيح أيضا أن القادة لا يتركون الشارع يقودهم ويفرض عليهم مشيئته . فات هؤلاء القادة الفلسطينيين أنّ ما حصل في غزّة كان كارثة كبيرة على الرغم من ضرورة الإعتراف بالتداعيات الإسرائيليّة للحدث. لا يمكن تجاهل أن هذا الحدث هو الأوّل من نوعه منذ قيام دولة إسرائيل…
لا وجود للغة المنطق في ما يخصّ حرب غزّة. في انتظار العثور على منطق ما لهذه الحرب، سيدفع الفلسطينيون، للأسف الشديد، ثمنا غاليا لذلك في غياب من يستطيع التخلّص من اللغة الغرائزية التي هي لغة اليمين الإسرائيلي الذي يعيش في عالم آخر بعيدا عن الواقع على الأرض. فإسرائيل نفسها لا تعرف ما الذي تريد أن تفعله بغزّة بعدما سوت معظم القطاع الذي تبلغ مساحتة نحو ثلاثمئة وخمسة وستين كيلومترا بالأرض.
لا إسرائيل تعرف كيف التعاطي مع «حماس» فيما لا تمتلك «حماس» أي تصور للمستقبل، كذلك السلطة الوطنيّة وإدارة بايدن التي تدور على نفسها أكثر من أي وقت.
خيرالله خيرالله