كتب عوني الكعكي:
كتبنا البارحة ان إسرائيل حاصرت بيروت في صيف عام 1982، خلال عملية اجتياح لبنان، مائة يوم. كما أشرنا الى أن جماعة «الملالي» الإيرانية ساهمت في إنشاء ودعم حزب الله منذ عام 1983.. وكان الدعم مالياً وبالسلاح ومن خلال مدرّبين من الحرس الثوري.
يومذاك شكر معظم اللبنانيين الدولة الإيرانية على مساعدتها في عملية تحرير لبنان، واعتبرنا يومذاك أن هناك مرحلة جديدة، استطاع اللبنانيون أن يحرّروا أرضهم، ويذهبون الى إعادة بناء دولتهم. ولكن للأسف فإنّ المخطط الإيراني لم يكن هدفه الوحيد مساعدة اللبنانيين على تحرير أرضهم فقط، بل كان الهدف الحقيقي السيطرة على الحكم في لبنان.
وبالفعل، بدءاً بالبيانات الوزارية التي كان عمادها «جيش وشعب ومقاومة»، أصبحت المقاومة، أي حزب الله جزءاً أساسياً من الحكم. وللأسف، ازدادت سطوته أيام الرئيس السابق إميل لحود، كما ازداد تدخله في شؤون لبنان، إذ دخل مجلس الوزراء وأخذ يطالب بحصة ثانية… كما دخل المجلس النيابي وتقاسم النواب مع حركة «أمل»… وليته اكتفى بذلك، فقد أصبح «الحزب» هو المقرر في عملية اختيار رئيس للجمهورية بالرغم من أن هذا المنصب مخصّص للطائفة المارونية الكريمة.
وهذا ما حصل بعد نهاية عهد إميل لحود… إذ ظلّت البلاد من دون رئيس لمدّة سنة وأكثر، حتى رضخت الدولة وجاءت بالرئيس ميشال سليمان بعد «اتفاق الدوحة» الذي هو الى حد ما، ابتعد عن «اتفاق الطائف» وذلك نكاية بالمملكة العربية السعودية.
وليت الأمور ظلّت على حالها من الاستقرار، إذ بدأ عهد الصعوبات والاغتيالات، ويكفي أنه في عهد إميل لحود اغتيل شهيد لبنان وشهيد العروبة الرئيس رفيق الحريري… والمصيبة أن اليد التي اغتالت الرئيس الشهيد معروفة، واستطاعت اللجنة التي شكّلت من الأمم المتحدة، والتي باشرت تحقيقها في عملية الاغتيال استطاعت في وضع يدها على كل تفاصيل عملية الاغتيال، إذ تبين ان كل الذين شاركوا بعملية الاغتيال كانوا معروفي الهوية والانتماء. العجيب أن بعضهم قتل في ما بعد في سوريا… وعلى سبيل المثال عماد مغنية الذي قتل في منطقة كلها مواقع مخابرات سورية في كفرسوسة عام 2008. والثاني هو مصطفى بدر الدين الذي قتل في مقرّه قرب مطار دمشق.
على كل حال، لم ينته عهد ميشال سليمان إلاّ بعد طرح من الرئيس ميشال سليمان بشأن المعاهدة الدفاعية الذي قال عنها رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد «انقعوها في المياه واشربوا مياهها»… على كل حال، بقيَت البلاد عامين ونصف العام من دون رئيس، لأنّ سماحة السيّد كان يقول: «إمّا أن تنتخبوا ميشال عون أو لا رئيس». وبالفعل، فرض على اللبنانيين أن ينتخبوا أسوأ رئيس مع أسوأ عهد في تاريخ لبنان، «عهد جهنم»، عهد الدمار، عهد ميشال عون وصهره. ويكفي الانهيار المالي الذي تسبّب به الصهر، إذ بلغت ديون مؤسّسة الكهرباء 65 مليار دولار. كما زادت اليوم، من التخلّف عن سداد العجز في الموازنات، حتى وصلت ديون الدولة الى مئة مليار دولار.. ولم يكتف الرئيس عون بذلك، بل أجبر حاكم مصرف لبنان على عدم دفع سندات اليوروبوند التي كانت مستحقة، وهي فقط مليار وخمسماية مليون يورو.. وكان في خزينة البنك المركزي 30 ملياراً، ولو دُفعت السندات لكانت الأمور قد تعدّلت، وكان بإمكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن ينقذ البلد من السقوط.. ولكن المصيبة الأكبر أنّ الأوامر جاءت كي يدفع أموالاً لاستيراد البنزين والفيول، حيث حقق شركاء صهر الرئيس المليارات، واشتروا شركة نفط مهمة بالأموال التي جمعوها من دعم البنزين والفيول.
هذه المعلومات ذهبت للتاريخ.. ويوماً ما سوف تظهر، إذ لا يمكن إلاّ أن تُعْرف الحقيقة ولو بعد حين.
وبقي لبنان منذ التحرير تحت سيطرة «الحزب» في كل مفاصل الدولة… في كل قرارات الحكومات، وهذا غير مقبول وغير صحّي، حتى وصل الأمر الى اتخاذ قرار بمساندة أبطال «طوفان الأقصى» وفتح جبهة المساندة من لبنان مع غزة.
بالتأكيد إن عاطفة الكثيرين من اللبنانيين مع هذا القرار، ولكن جزءاً منهم كانوا ضد هذا القرار وموقفهم جاء نتيجة خوفهم على لبنان.
وبالرغم من مطالبة «الحزب» إنهاء موضوع المساندة، لأنه يعرّض أمن اللبنانيين للخطر، ويعرّض كل لبنان للتهديد الإسرائيلي.
وبالرغم من كل هذا وذاك، بقي «الحزب» مصرّاً على موقفه، الى أن حصلت عملية «البيجر» وكلفت «الحزب» 1500 مصاب… هذه العملية قضت على قسم كبير من كوادر «الحزب»…
أما العملية الثانية فكانت في 27 أيلول وهي الأكبر والأعنف، إذ قضت هجمات إسرائيل على معظم قياديي «الحزب» وعلى رأسهم السيّد حسن نصرالله ومعه معظم القياديين، وقبلها قتل فؤاد شكر ومعه عدداً من كوادر «حماس»… وقُتل في طهران إسماعيل هنية. ومع كل هذه الاغتيالات تبيّـن أن هناك تقدماً كبيراً وتفوّقاً على صعيد الأمن والاستخبارات، وأصبح «الحزب» اليوم مطارداً من بيت الى بيت، ومن قرية الى قرية… ويكفي ما فعله العدو الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت، فإذا بقيت الأمور كما هي عليه لمدّة أيام ستصبح الضاحية شبيهة بغزة.
لذلك، إكراماً للعباد وخوفاً على حياة اللبنانيين، يجب أن تترك الأمور للرئيس برّي ليَجد الحلّ الذي ينقذ اللبنانيين.