المقاربة الإيرانيّة المختلفة بين الدولة والثّورة

بقلم خالد البواب

«اساس ميديا»

لكلّ زمن دولة ورجال. عندما يغيّبون تتغيّر الأدوار التي اضطلعوا بها. تلك قاعدة تنطبق في لبنان كما في كلّ العالم. اختبرها اللبنانيون من مختلف طوائفهم. الدروز عند اغتيال كمال جنبلاط. المسيحيون عند اغتيال بشير الجميّل. السُّنّة عند اغتيال رفيق الحريري. والشيعة اليوم بعد اغتيال حسن نصرالله.

 مع اغتيال كمال جنبلاط انتهى مشروع الحركة الوطنية والاتّساع “الدرزي” إلى الساحتين الوطنية والعربية. فتحت مرحلة جديدة هي مرحلة “كيسنجر- حافظ الأسد” التي رُسمت حدودها تماماً بعد اجتياح عام 1982 واغتيال بشير الجميّل. مع اغتيال رفيق الحريري انتهى مشروع الأرض مقابل السلام، ودور لبنان كساحة استقطاب وتجاذب للرساميل والمشاريع الاستثمارية، وكانت بداية دخول المنطقة في صراعات مذهبية استمرّت بالتفجّر. اليوم باغتيال نصرالله تدخل المنطقة منعطفاً جديداً معالمه غير واضحة حتى الآن.

اغتيال نصرالله والرؤية الأوسع

اغتيال نصرالله لا يمكن قراءته فقط وفق منظور لبناني. بل منظوره أوسع بكثير بوصفه أحد أبرز قادة محور الممانعة، ومقرّراً رئيسياً في غرفة العمليات العسكرية المشتركة ضمن إطار وحدة الساحات. لهذه الضربة تأثيرات وتحوّلات لا تنفصل عن مسار الاغتيالات الذي نفّذ بحقّ قادة آخرين من الحزب، وهم الجيل المؤسّس والقوّة العسكرية المركزية والأساسية. كما لا تنفصل عن تصفيات واغتيالات لقادة ومسؤولين عسكريين إيرانيين في مختلف دول المنطقة من لبنان، إلى العراق وسوريا، وهذا ما كان قد بدأ مع اغتيال قاسم سليماني.

في لحظة تنفيذ حركة حماس لعملية طوفان الأقصى كان نصرالله على قناعة بأنّ الحرب الإسرائيلية العنيفة المدعومة أميركياً وغربياً هي حرب ستطال المنطقة ككلّ، ولا يمكنها أن تقف عند حدود القطاع. كان مسؤولو الحزب يؤكّدون أنّه بعد غزة سيصل الدور إليهم وإلى لبنان. ذلك ما ترجم حرفيّاً في المسار التكتيكي الإسرائيلي، بتوسيع الاغتيالات على كلّ جغرافية المنطقة، فيما لم تلقَ تل أبيب الردّ المتوازي من قبل إيران وحلفائها، فمضت في سياستها وصولاً إلى اغتيال نصرالله الذي فجّر نقاشات كثيرة داخل المحور على قاعدة أنّ الانتقال إلى مواجهة الحزب حالياً سيعني لاحقاً الانتقال إلى مواجهة إيران بشكل مباشر. ولذلك تسرّبت أخبار عن قلق المرشد الإيراني علي خامنئي، وتسرّبت أجواء من داخل مجلس الأمن القومي الإيراني حول ضرورة الردّ بعنف على اغتيال نصرالله وعدم تمرير هذه الضربة.

الخلاف بين إيران الدولة والثّورة

ممّا لا شكّ فيه أنّ داخل إيران اختلافاً في المقاربات بين إيران الدولة وإيران الثورة. الدولة التي يمثّلها مسعود بزشكيان ووزير خارجيته عباس عراقجي ومستشاره محمد جواد ظريف، تنصح بعدم الردّ العنيف لعدم الدخول في مواجهة واسعة ضدّ أميركا وإسرائيل. لكنّ الحرس الثوري يردّ على ذلك بالقول إنّ عدم الردّ سيدفع الإسرائيليين والأميركيين إلى تنفيذ المزيد من العمليات. في العقلية الخلفية لدى إيران والحزب أنّ أميركا وإسرائيل تعملان على إعادة تكريس مشروع جديد يحاكي مشروع الشرق الأوسط الجديد، ولذلك لا بدّ من مواجهته. وهذا ما قاله نصرالله سابقاً من أنّ محور المقاومة سيمنع هزيمة حماس في غزة وتحقيق الأهداف الأميركية الإسرائيلية.

تولّى بنيامين نتنياهو بنفسه الردّ على نصرالله بالقول إنّ الصراع بين محورين، محور الشر ومحور السلام. رفع في الأمم المتحدة خريطة توضح حقيقة الصراع، ومضى في عملياته على طريق إضعاف خصومه أو سحقهم. في إيران استشعار جدّي أنّه بعد الحزب سينتقل التركيز على مواجهة طهران ومشروعها النووي، ونتنياهو لا يخفي ذلك، وقد تحدّث علانية من على منبر الأمم المتحدة.

بدأت الحرب في لبنان لتوّها، ويمكنها أن تكون طويلة جداً ومتفرّعة، وما يعزّز الدعم لنتنياهو ويوسّع مشروعه هو مقال صهر دونالد ترامب جاريد كوشنير حول الفرصة التاريخية لدعم إسرائيل في مواصلة عمليّتها العسكرية في المنطقة بعد اغتيال نصرالله واعتباره أنّ من الخطأ الضغط عليها لوقفها. هذه إحدى أبرز الإجابات على مراهنات البعض على وقف الحرب مع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، أو ارتباط فترة الحرب بالانتخابات الرئاسية الأميركية. تبدو الحرب أطول من ذلك بكثير، وأهدافها أبعد وأعمق، واغتيال نصرالله حلقة في سلسلة المشروع الذي يكشف عنه نتنياهو، ولا أحد قادر على تلمّس نتائجه ولا تصوّراته حتى الآن.

في غزة وعلى مدى سنة كاملة يُطرح السؤال حول اليوم التالي. هذا السؤال أصبح مطروحاً على كلّ ساحات المنطقة ودولها، إلا أنّ الوقائع تشير إلى المكوث حتى الآن في اليوم الأول، وهو أيام الحرب المتوالية، التي تريد لها إسرائيل والغرب أن تحدث تحوّلات استراتيجية في توازنات المنطقة. ذلك ما يضع إيران أمام خيار من اثنين: إمّا الاستمرار بالنهج القديم ومواصلة الحرب إلى أفق مفتوح، وإمّا الاقتناع بنظرية تغيير الرجال والأدوار. الفيديو الذي سجّله نتنياهو وخصّصه للإيرانيين يندرج في هذا السياق.

خالد البواب

 

التعليقات (0)
إضافة تعليق