بقلم نبيل عمرو
«أساس ميديا»
أحسن صديقنا زياد عيتاني في وصفه لتفجيرات البيجر بالإعصار، فما حدث كان جديداً في كلّ الحروب التي خاضتها إسرائيل على كلّ الجبهات وسيظلّ العالم منشغلاً في تحليله والكشف عن أسراره. وبما أنّ هوليوود أنتجت عشرات الأفلام حول ما كان أقلّ من هذا بكثير، فلا بدّ من أن يكون إعصار البيجر على رأس مشاريع الإنتاج السينمائية.
الفصل الراهن من الحرب التي انتقل زخمها إلى الجبهة الشمالية، هو الأكثر شراسة وتدميراً وإراقة دماء، منذ بدء حرب الإسناد التي أعلنتها ساحات الممانعة دعماً لغزة، وكان الحزب هو الأكثر إسهاماً وفاعلية فيها.
إنجاز يثير القلق الإسرائيليّ
الزهو الإسرائيلي بإنجاز إعصار البيجر، الذي استغرق أياماً قليلة، حلّ محلّه قلق شامل عبّر عنه كتّاب الأعمدة في الصحف الإسرائيلية اليومية، والمتحدّثون الرسميون وغير الرسميين على المنابر والشاشات. لقد خلت جميع المعالجات ممّا حفلت به في اليوم الأول من الزهو، وتبلور ما هو قريب من الإجماع على أنّ ما حدث لا يمكن اعتباره نصراً حاسماً أو حتى مقدّمة لهذا النصر، مع العودة إلى تذكير صنّاع القرار في إسرائيل بأنّ إعادة المهجّرين تتطلّب حلّاً سياسياً وليس عسكرياً، وعاد إلى المعالجة ربطُ الحرب على الجبهة الشمالية بالحرب على غزة، إذ كتب عوفر شيلح أنّ “الانتصار على الحزب يكون من خلال وقف الحرب على غزة”.
في الحربين على الجبهتين الجنوبية والشمالية، تواصل إسرائيل نهجها التقليدي في كلّ حروبها، وهو الإفراط في استخدام القوّة والتفوّق العسكري والتسليحيّ والتحالفيّ، دون تحقيق النتائج السياسية المتناسبة مع هذا الإفراط. فبعد كلّ ما فعلت في غزة والضفة، ما تزال بعيدة جداً عن جباية الثمن الذي وضعته كخلاصة لحربها، والذي سمّاه نتنياهو النصر المطلق.
إذا كانت لهذا النصر مواصفات حقيقية، فهي إنهاء كلّ مظاهر وفعّاليات المقاومة في الضفة وغزة، وهذا ما لم يحدث على مدى سبع وخمسين سنة بدأت في الخامس من حزيران 1967، وإذا كان من نتائج سياسية ملموسة فهي تجذّر الصمود الشعبي على جميع الأراضي التي احتلّت في عام 1967، بما في ذلك القدس، وتنامي الاعتماد الدولي لحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة.
لا شكّ في أنّ الثمن الذي دفعه الفلسطينيون من أبنائهم ونموّهم وحياتهم كان فادحاً، وبالمقابل كان فشل إسرائيل في تحقيق أجندتها الأساسية تجاه القضية الفلسطينية فادحاً أيضاً.
المشترك بين لبنان وفلسطين
أشياء كثيرةٌ مختلفة ومشتركة بين الحالتين التوأم الفلسطينية واللبنانية، إلا أنّ المشترك هو الأهمّ. لقد تجاوزت الحالة الفلسطينية بإجمالها حماس وفتح وكلّ الفصائل بأجنداتها المتباينة والمتصارعة، واستقرّت في العالم كحالةٍ لا بدّ من حسمها بحلٍّ جذري يرضى عنه الفلسطينيون، كما أنّ الحالة اللبنانية في جوهرها تتجاوز الحزب واجتهاداته وارتباطاته وحروبه وتقصيراته.
المشترك بين الحالتين هو الشعور الشعبي العميق والشامل بالخطر على الحاضر والمصير، وحين يصل المشترك إلى هذا الحدّ فلا مخرج للحالتين ممّا هما فيه إلّا بالتخلّي عن وهم أنّ حزباً أو فصيلاً أو حتى مجموعة أحزاب وفصائل يمكن أن تحسم الأمر مع إسرائيل ومع من وراءها، فالذي يحسم الأمر بأفضل الاتّجاهات وأقلّها ضرراً في لبنان… هو تعزيز شرعية الدولة القائمة بكلّ مؤسّساتها، وفي فلسطين تعزيز دور الإطار السياسي الشرعي في الدولة التي لم تقُم بعد، وهو منظمة التحرير.
إنّ النظام السياسي المجمع عليه في لبنان يصلح ملاذاً للمقاتلين والمفاوضين، ولحسن الحظّ أنّ مؤسّساته ما تزال قائمة، وبالنسبة للفلسطينيين لا مناصّ من مغادرة منطقة اللاجدوى من معادلة المفاوض يخسر من فعل المقاتل والمقاتل يخسر من فعل المفاوض. إن لم يُفعل ذلك في لبنان وفلسطين، فسيظلّ التوأم محشوراً داخل دوّامة لا مخرج منها ولا نتيجة لها سوى الخسارة، وفتح الأبواب أمام الخصم ليواصل بحثه عن نصره المطلق، الذي أفدح ما فيه أنّ السعي إليه هو الكارثة التي بلغ عمرها قرناً من الزمان دون ظهور نهاية لها.
نبيل عمرو