نايف سالم – الكويت
«أساس ميديا»
وضعت الكويت سريعاً موضع التنفيذ الوعود التي أطلقها الأمير الشيخ مشعل الأحمد في خطابه الشهير في 10 أيار الفائت ووليّ العهد الشيخ صباح الخالد بعد تعيينه في منصبه في كلمته أمام أبناء الأسرة الحاكمة في 10 حزيران الماضي بأنّ “القانون سيُطبّق على الجميع دون تمييز أو استثناء“.
تجلّى ذلك في الحكم التاريخي الذي أصدرته محكمة التمييز الكويتية، في أكبر قضيّة غسل أموال شهدتها الكويت، وعُرفت بقضية “الصندوق الماليزي”، من خلال تثبيت الأحكام الصادرة سابقاً بالسجن 10 سنوات لشيخ من الأسرة الحاكمة هو صباح جابر المبارك، ابن رئيس الوزراء الأسبق الشيخ جابر المبارك، وشريكيه الكويتي حمد الوزان، والسوري – الفرنسي بشار كيوان المقرّب من نظام بشار الأسد، إضافة إلى الماليزي لو تايك جو (الشهير بجو لو)، والسجن 7 سنوات لمحام، مع إلزامهم بردّ مليار دولار وتغريمهم نصف مليار دولار آخر.
تعود القضية، التي أُسدل الستار عليها بالحكم النهائي الصادر عن محكمة التمييز، إلى عام 2020، عندما كُشف عن واحدة من أكبر الفضائح الماليّة في العالم هي فضيحة الصندوق السيادي الماليزي، التي كانت الكويت إحدى أبرز محطّاتها، وقد أطاحت برئيس وزراء ماليزيا الأسبق نجيب عبد الرزاق، الذي ينفّذ حالياً حكماً بالسجن على خلفية اختلاس أموال من الصندوق السيادي تُقدّر بنحو 4.5 مليارات دولار.
يعكس الحكم القضائي عدم وجود أيّ محاباة أو معاملة تفضيلية، بالنظر إلى أنّ المتّهم الرئيسي ابن رئيس وزراء سابق وشيخ من الأسرة الحاكمة، وهو ما يدلّ بوضوح على تعامل حازم مع قضايا مكافحة الفساد، أيّاً كانت الأسماء المتورّطة، ومهما كان وزنها.
حتى والده جابر المبارك أُدين في قضية أخرى، تعرف باسم “صندوق الجيش”، مع عدم النطق بالعقوبة، وهو ما يعني أن “لا خيمة فوق رأس أحد”.
2020 – 2018
في أيار 2020، بدأت الصدمة مع انكشاف أنّ الكويت كانت إحدى المحطات الأساسية لغسل كميّات ضخمة من الأموال، وهو ما أبلغه مسؤولون أميركيون إلى وزير الدفاع الأسبق الراحل الشيخ ناصر صباح الأحمد (ابن الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد)، وقدّموا له أدلّة على تورّط عدد من المسؤولين السابقين من خلال تسهيل تمرير عمليات ماليّة مشبوهة لشركات صينية وماليزية، عن طريق سلسلة مشاريع وصفقات مرتبطة بكيانات وشركات وأشخاص وتطبيقات إلكترونية داخل الكويت وخارجها.
سبق أن أثار النائب السابق رياض العدساني القضية قبل الأميركيين، لكنّ معلوماته لم تؤخذ على محمل الجدّ، فيما أظهرت التحقيقات أنّ فصول القضية تعود إلى عام 2018، عندما رفع أحد البنوك الكويتية بلاغاً إلى وحدة التحرّيات المالية على خلفيّة تحويل مصرفي بقيمة 17 مليون دينار (نحو 55 مليون دولار) قام به الوزّان إلى حساب مرتبط بالقضية الأساسية.
كما قام أحد فروع البنوك الأجنبية العاملة في الكويت بتقديم 4 بلاغات في أعوام 2017 و2018 و2019 إلى وحدة التحرّيات المالية أيضاً تتعلّق بتضخّم حساب الشيخ صباح جابر المبارك المصرفيّ مع تجاوز قيمته عتبة مليار دولار.
وترتبط القضية التي تكشّفت فصولها في الكويت بالقضية الأمّ في ماليزيا، حيث أعلنت السلطات في 2018 اعتقال رئيس الوزراء الأسبق نجيب عبد الرزاق على خلفية تورّطه في سرقة أموال صندوق الثروة السيادي المعروف عالمياً باسم “1MBD”.
من بين أبرز شركاء عبد الرزاق، رجل الأعمال لو تايك جو (جو لو) الذي صدرت بحقّه مذكّرات توقيف في دول عدّة، بينها ماليزيا والولايات المتحدة.
وجرت التحقيقات في 8 دول على الأقلّ، هي ماليزيا والولايات المتحدة وسويسرا وهونغ كونغ وسنغافورة، و3 دول خليجية بينها الكويت.
جو لو “ماليزيّ وكويتيّ“
مع استمرار التحقيقات، تبيّن أنّ أحد المتّهمين الملقّب بـ”جو لو الكويت” كان صلة الوصل بين “جو لو” الماليزي الذي زار الكويت في 2016 و2019، وبين الشيخ صباح المبارك.
وكان نشاط “جو لو” الماليزي يستند إلى ركيزتين: الأولى تأسيس شركات وهمية في الخارج تعرف بمصطلح “أوفشور”، تؤسّس في دول تكون قوانينها المالية مرنة وأقلّ صرامة بحيث تسهّل على صاحب العمل تفادي الملاحقات القضائية. أمّا الركيزة الثانية فتكمن في إبرام اتفاقيات شراكة وهمية مع أطراف صاحبة نفوذ توحي بوجود شرعية سيادية داعمة للشراكة.
تولّى “جو لو الكويت” مفاوضات شراء بنك في جزر القمر يملكه المتّهم الرئيسي، قبل أن يتحوّل لاحقاً إلى لاعب محوري في كلّ ما يتعلّق بإدارة شركات وحسابات المبارك.
أظهرت التحقيقات أيضاً أنّ بعض العمليّات تخلّلتها محاولات وضع فواتير مشبوهة بهدف التغطية على الأعمال المُجرّمة ماليّاً، وتمّت بمختلف العملات، وبعضها تمّ داخل الكويت بالإيداع والسحب، والتحويل إلى الخارج بطرق مشبوهة.
تورّطت العديد من الشركات الكويتية في معاملات وعمليّات غسل الأموال التي كانت تتمّ عبر إدخالها إلى الحسابات المصرفية كمدفوعات مقابل عقود تجارية يتمّ إلغاؤها لاحقاً.
كما أنّ أحد المتّهمين كان يدير شركة إعلانية في الكويت تورّطت في معاملات غسل الأموال، قبل نقل المعاملات إلى شركات المتّهم الكويتي الرئيسي.
في المحصّلة، دخل مبلغ يُقدّر بأكثر من مليار دولار إلى النظام الماليّ الكويتي وخرج بعد يومين، وأدّت “تغطية” بعض المسؤولين إلى تحقيقات موسّعة وشاملة أفضت إلى استقالة أحد كبار المسؤولين في وحدة التحرّيات المالية احتجاجاً على “الواسطات” التي جرت.
الغسل بين الدول
تتضمّن القضية تفاصيل مثيرة كشف عنها في البداية موقع “ساراواك ريبورت” الإخباري الإلكتروني المتخصّص في الصحافة الاستقصائية، مع نشره وثائق تتعلّق بتحقيق أجرته سلطات غسل الأموال في الكويت (التحرّيات المالية) بشأن 10 مليارات دولار فُقدت من الصندوق الماليزي، ووصل قسم منها إلى الكويت.
تفيد الوثائق أنّ شركة تابعة لشركة إنشاءات الاتصالات (CCCC) المملوكة بغالبيّتها للصين التي منحها نجيب عبد الرزاق مشروع خطّ سكك حديد الساحل الشرقي الماليزي (ECRL)، دفعت للمتّهم الكويتي الرئيسي وشريكه الوزان أكثر من 1.02 مليار دولار باليوان الصيني خلال آب 2017.
على الفور أرسل 630 مليون دولار إلى وزارة المالية الماليزية لعملية شراء مزعومة لأرض في “إير إيتام” مملوكة للصندوق الماليزي. ويُرجّح أنّ الأموال سرقت أصلاً من ماليزيا عن طريق تضخيم العقود الصينية بهدف إنقاذ الصندوق الماليزي.
أظهر التحقيق أنّ مبلغاً ضخماً إضافياً بلغ 4.8 مليارات دولار دخل لاحقاً حساب شركة منفصلة يملكها المتّهم الكويتي الرئيسي في فرع البنك الأجنبي نفسه في الكويت.
كما كشفت الوثائق أنّ أحد المتّهمين الكويتيين هو أحد الملّاك المؤسّسين لشركة استثمارية تدير محافظ وصناديق استثمارية مقرّها نيويورك، وقد استطاعت الحصول على عشرات الملايين من الدولارات خلال الفترة ما بين حزيران 2016 وتشرين الثاني 2019، وهي الفترة نفسها التي رُصدت فيها شبهات غسل أموال الصندوق في الكويت.
نايف سالم – الكويت