الكذب ملح الرجال

كتب عوني الكعكي:

يقول المثل: «إنّ الكذب هو ملح الرجال». والسؤال هنا إذا لم يكن الكذاب رجلاً فماذا يكون؟ يكون من أشباه الرجال.

تذكرت هذا المثل عندما استمعت الى نشرة أخبار إحدى التلفزيونات، وهذا مفادها:

ماذا فعلتم بـ6 سنوات غير «ما خلونا»؟

تطبيق الدستور كاملاً، ووثيقة الوفاق الوطني من دون اجتزاء، حلمٌ لبناني أطاحت به سنوات خمس وثلاثون من الاستنسابية، والصيف والشتاء فوق سقف واحد.

والنتيجة، تأخيرُ الانسحاب السوري حتى عام 2005، وضرب التمثيل النيابي الصحيح حتى عام 2017، والإقصاء عن الحكومات المتعاقبة حتى عام 2016، وتفريغ الإدارات من مقتضيات الوفاق الوطني، باستهداف المناصفة في الفئة الأولى، وضرب الحضور المتوازن في سائر الفئات، وصولاً الى اليوم.

أما العودة الى الدستور والوثيقة، فينبغي أن تلامس المضمون قبل الشكل، لا أن تبيع الناس أوهاماً أو أن تخدعهم بسراب.

فصحيحٌ أن المادة 65 من الدستور تنص على انعقاد مجلس الوزراء في مقر خاص، وأنَّ التزامَها أمر إيجابي، لكنَّ الأصح أن أولوية اللبنانيين اليوم في مكان آخر:

فماذا ينفع الناس أن يعود مجلس الوزراء الى مقره الخاص، وهم لم يتمكنوا أمس من اجتياز مئات الأمتار بين مكان العمل والإقامة، بسبب هطول الأمطار لدقائق؟

وماذا ينفعهم أن يعود المقر الخاص، إذا كانت الموازنات ستقر على سيئاتها بمراسيم، تماماً كما حصل اليوم، من دون أن تنفع كل التبريرات؟

وماذا ينفعهم أن يعود مجلس الوزراء إلى مقره الخاص، فيما تركيبته في الأساس لا تنسجم مع نص الدستور واتفاق الطائف وروحهما، ذلك أن الجوهر هو انتقال السلطة التنفيذية الى مجلس الوزراء مجتمعاً، وهو ما يتطلب أن يكون أعضاؤه الوزراء من أصحاب الخلفيات السياسية كي يشاركوا في صنع القرار، ومرجعيتُه مجلس الوزراء، كما شدد رئيس الجمهورية اليوم.

والأهم من كل ذلك، ماذا ينفع اللبنانيين أن يعود مجلس الوزراء الى مقره الخاص، اذا كانت القدرة على إعادة صلاحية تفسير القوانين الى المجلس الدستوري كما نص الطائف معدومة للأسباب المعروفة؟

ماذا ينفعهم المقر الخاص اذا كان مجلس الشيوخ معلقاً، والتلاعب على الألفاظ محور البحث في تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، لا الطائفية السياسية، وفق حرفية الدستور والطائف؟

اللائحة تطول، ولا مجال لتعداد كل مخالفات الدستور ووثيقة الوفاق في مقدمة إخبارية، لأن ذلك يستلزم مجلدات وندوات. أما المقر الخاص، فقرار العودة اليه، المستعاد من عهد الرئيس إميل لحود، يكاد لا يقدم أو يؤخر إذا توقف عند هذا الحد، من دون جرأة في مقاربة جوهر حرق الدستور وتمزيق الميثاق.

النقطة الأولى: تقول النشرة إنه خلال 35 سنة لم تطبّق وثيقة الوفاق الوطني، أي الدستور، وهذا صحيح ولكن الأصح أن العم والصهر تسلموا الدولة منذ 31 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2016 حين انتخب ميشال عون رئيساً وحتى 31 تشرين الاول (أكتوبر) عام 2021، ما يعني انهم كانوا ضمن المسؤولين الكبار الذين تسلموا الحكم، فماذا فعلوا؟ هذا إضافة الى الحكومات التي تسلم فيها الصهر مقاليد وزارة الطاقة والخارجية وأهدر فيها ما أهدر. كما كان وزيراً للاتصالات في حكومة الرئيس سعد الحريري وفشل عام 2011.

النقطة الثانية: نعتبر أن قانون الانتخاب كان سيّئاً، لماذا؟ فقط لأنّ المدعو جبران باسيل سقط مرتين متتاليتين…

لذلك، كان لا بدّ من تغيير القانون، وهكذا تم تعديل القانون الانتخابي ليصبح أسوأ قانون في تاريخ الجمهورية وعلى قياس باسيل، وهذا ليس رأيي الشخصي بل رأي كبار القانونيين. وخير دليل على ذلك ما قرّره عهد الرئيس جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام من أنّ هناك تعديلات وتغييرات يجب أن تجرى على القانون الحالي.

النقطة الثالثة: العودة الى المقر الخاص: وهنا لا بدّ من قول كلمة حق وهي أن موقع المقر لا يقدّم ولا يؤخّر لأنّ مضمون أي اجتماع والنتائج الجيدة أهم من الموقع.. فالمهم هو نتائج الاجتماعات وليس موقعها.

النقطة الرابعة: إلغاء الطائفية السياسية وعنوانها يشمل الجميع. لكنهم يتحدثون عن كذبة كبيرة.. الجميع ينادون بإلغاء الطائفية السياسية… ولكنهم جميعهم لا يتجرأون على اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه.

بالعودة الى السنوات الست العجاف من حكم الرئيس السابق ميشال عون وصهره العزيز جبران باسيل، فإنه بالإمكان أن يُكتب الكثير الكثير عن الفشل والفساد والرشوة… وقد يحتاج ذلك الى مجلدات.

وهنا، لا بدّ من التذكير أيضاً بالوضع المالي… إذ يكفي ما فعله العهد والصهر بملف الكهرباء الذي كبّد الدولة 65 مليار دولار. والمصيبة الكبرى أن لا كهرباء في لبنان.

وبطولات جبران في الكهرباء عديدة من المليار والخمسماية مليون دولار الذي أخذه أيام حكومة نجيب ميقاتي الى موضوع السفن والبواخر، الموضوع الذي كان مرفوضاً بادئ ذي بدء، وفجأة صار مطلباً مُلحّاً… وبدل السفينة اثنتين.

وهنا أجزم، بأنه لولا موضوع الكهرباء، وخسائر لا أدري أي وصف أطلقه عليها… لما تبخرت الودائع التي استدانتها الدولة للكهرباء من المصرف المركزي، ولكانت ودائع الناس لا تزال في البنوك… ولما حصل ما لا يمكن حصوله في أي بلد من بلدان العالم.

aounikaaki@elshark.com