بقلم محمد السماك
«أساس ميديا»
في ذكرى عملية النورماندي التي وجّهت الضربة القاضية للنظام النازي الهتلريّ وحسمت نتائج الحرب العالمية الثانية بهزيمة ألمانيا النازية.. في هذه الذكرى غاب الاتحاد السوفيتي الشريك الأساس في الحرب إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وحضرت أوكرانيا التي كانت (خلال تلك الحرب) جزءاً من الاتحاد السوفيتي. وكان المنبر الذي أطلّت منه هو الحرب الانفصالية التي تخوضها بدعم من حلف شمال الأطلسي (أميركا وأوروبا) عن روسيا (وريثة الاتحاد السوفيتي السابق).
تعتبر دول الأطلسي أنّ نتائج الحرب على أو في أوكرانيا توجّه رسالة إلى الصين، بمعنى أنّ استرجاع روسيا لأوكرانيا ولو جزئياً. يوجّه رسالة تشجيعية إلى الصين التي تتطلّع لاسترجاع تايوان كلّياً إلى الوطن الأمّ.
غير أنّ تحالف دول حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الذي يرسم خريطة سياسية – عسكرية في مواجهة الكرملين. يختلف عن التحالف القائم في الشرق الأقصى بين الولايات المتحدة وحلفائها: اليابان، كوريا الجنوبية، الفلبين، وامتداداً في عمق المحيط الهادئ أستراليا.
في أوروبا هناك “حلف”، أي معاهدة سياسية – عسكرية تلتزم الدول الأعضاء ببنودها السياسية منها والعسكرية على حدّ سواء. أمّا في الشرق الأقصى فإنّ القاسم المشترك بين دولها هو الولايات المتحدة حصراً، وذلك من خلال نفوذها السياسي في هذه الدول.
غياب الودّ الياباني الكوري
لم تكن العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية علاقات ودّ وتعاون في أيّ مرحلة من تاريخ الدولتين. فاليابان احتلّت كوريا قبل الحرب العالمية الثانية ووسّعت احتلالها لها خلال تلك الحرب. وهي متّهمة بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية خلال فترة الاحتلال التي استمرّت لعقود طويلة. كان على الولايات المتحدة أن تعالج هذه الأزمة لحمل الدولتين على الالتزام باستراتيجية واحدة في مواجهة الصين. لعب الضغط السياسي الأميركي على كلّ من اليابان والصين من جهة، والقلق الياباني – الكوريّ من الخطر الذي تمثّله كوريا الشمالية (التي أصبحت دولة نووية تملك صواريخ عابرة للقارّات) من جهة أخرى، دوراً أساسياً في حمل طوكيو وسيول على تجاوز خلافاتهما وحزازاتهما التاريخية والانضواء تحت الاستراتيجية الأميركية سياسياً وعسكرياً لمواجهة العدوّ المشترك المتمثّل في كوريا الشمالية والصين.
لم تقف الولايات المتحدة عند هذا الحدّ. فقد تمكّنت بعد تبديل النظام السياسي في الفلبين من نقلها من التفاهم مع بكين إلى الانضمام إلى التحالف مع كوريا واليابان. تختلف الفلبين مع الصين حول موضوع السيادة على عدد من الجزر الصخرية المتناثرة في بحر الصين. ولكنّ هذه الجزر غير المأهولة غنيّة بالنفط. وهي غنيّة أيضاً بثروتها السمكيّة، وتتصارع الدولتان عليها. وتدّعي دول المنطقة (وليس الصين والفلبين فقط) السيادة عليها. ولذلك تشكّل هذه الجزر عود الثقاب الذي يمكن أن يجعل منها أوكرانيا الشرق الأقصى، إلى جانب القنبلة الموقوتة: تايوان.
يعزّز من خطورة القنبلة التايوانية الموقوتة وصول زعيم حركة “انفصالية” إلى الرئاسة. فالرئيس الجديد يطرح علناً مشروع الدولة المستقلّة لتايوان معتمداً على الدعم السياسي والعسكري الأميركي. ولذلك “هاجت وماجت” الصين وقامت بالمناورات بالذخيرة الحيّة حول الجزيرة، وفي فضائها وفي مياهها الإقليمية. كذلك أكّد الرئيس الصيني “تشي” التزامه الوطني بإعادة تايوان إلى بيت الطاعة: الوطن الصيني الواحد، وهو التعهّد الذي كان في الأساس مدخله الرئيس إلى القيادة الأولى.
من هنا العلاقة بين ما يحدث في أوكرانيا وما يحدث في تايوان. فالولايات المتحدة لا تريد أن تمكّن الرئيس بوتين من أن يوجّه رسالة من أوكرانيا. تشجّع الرئيس الصيني على المضيّ قدماً في سياسة استرجاع تايوان. وبدورها توجّه الولايات المتحدة في دعمها للرئيس زيلينسكي رسالة دعم معنوية للرئيس التايواني الجديد الذي يتطلّع إلى فكّ الارتباط كلّياً ونهائياً مع الصين.
أين الشرق الأوسط من التحولات؟
يتكامل ذلك مع محاولات تثبيت صيغة التعاون السياسي – العسكري بين دول حلف شمال الأطلسي من جهة. ومحاولة صناعة صيغة مماثلة أو قريبة منها في الشرق الأقصى تشمل الدول الأربع اليابان وكوريا والفلبين وأستراليا، من جهة أخرى. ولكنّ كلّ هذه التحوّلات الاستراتيجية المهمّة تنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرّر إجراؤها بعد أشهر قليلة (تشرين الأول).
إذا فاز دونالد ترامب (على الرغم من كلّ عمليات التشهير التي يتعرّض لها). فلا الحلف الأطلسي سيبقى حلفاً واحداً، ولا زيلينسكي سيبقى يتمتّع بالدعم المالي والعسكري الأميركي.. وكذلك الدول الصديقة للولايات المتحدة في المقلب الآخر من المحيط الهادئ سوف تجد نفسها مضطرّة إلى البحث عن صيغة جديدة لتنظيم علاقاتها البينيّة، وخاصة مع الصين.
السؤال الآن هو: أين يقف الشرق الأوسط من هذه التحوّلات الواقعية والمنتظرة؟
هناك مصالح عربية ذات بُعد استراتيجي مع كلّ من الكتلة الأميركية – الأوروبية ومع الكتلة الصينية – الروسية وامتداداتهما. فما هي الرؤى التي يجري إعدادها عربياً منذ الآن لمواجهة التحوّلات المنتظرة في علاقات دول الكتلتين؟
تقول القاعدة العامّة في العلاقات الدولية إنّه إذا لم تكن شريكاً في الجلوس إلى الطاولة، فأنت ضحيّة على الطاولة.
محمد السماك