الشرع رئيساً: الشرعية الثورية؟

بقلم د. فادي الأحمر

«اساس ميديا»

أحمد الشرع رئيس سوريا. هذا كان متوقّعاً لحظة دخوله دمشق وإلقائه خطاباً أمام أنصاره في المسجد الأمويّ. وتأكّدت هذه “المبايعة” بعدما أقام الرجل في قصر الرئاسة وجلس على الكرسيّ الذي جلس عليه الأسد الأب مدّة ثلاثة عقود، والأسد الابن طوال 24 عاماً. وراح يستقبل وفود الدول الغربيّة والعربيّة. وقام ببعض الإطلالات الإعلاميّة التي أظهرته بشكل واضح رجل المرحلة المقبلة في سوريا.

“نعلن تولية السيّد القائد أحمد الشرع رئاسة البلاد في المرحلة الانتقاليّة، ويقوم بمهامّ رئاسة الجمهوريّة العربيّة السوريّة، ويمثّلها في المحافل الدوليّة”. بهذه الكلمات أعلن الناطق باسم الإدارة العسكريّة في دمشق العقيد حسن عبدالغنيّ الشرع رئيساً للبلاد إثر “مؤتمر إعلان انتصار الثورة السوريّة”. وأضاف البيان أنّ الإدارة السوريّة الجديدة قد فوّضت الشرع “تشكيل مجلس تشريعيّ مؤقّت للمرحلة الانتقاليّة، يتولّى مهامّه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيّز التنفيذ”.

إذاً أحمد الشرع أصبح رئيساً لسوريا بصلاحيّات استثنائيّة. أبرزها تشكيل “المجلس التشريعيّ” الذي سيقوم بسنّ القوانين في المرحلة الانتقاليّة والإشراف على تطبيقها بعدما تمّ تعليق العمل بالدستور والقوانين القديمة.

مبايعة عسكريّة!

اللافت في “مبايعة” الشرع رئيساً هو صدورها عن “الإدارة العسكريّة” التي نفّذت المرحلة الأخيرة من الثورة ضدّ نظام الأسد. فالحاضرون في مؤتمر الـ”مبايعة” كانوا كلّهم عسكريّين. إنّهم قادة في جبهة تحرير الشام وفي ميليشيات أخرى انضوت تحت لواء الإدارة الجديدة. ولكنّ لهؤلاء شركاء، فزعزعة نظام الأسد لم تبدأ حين تحرّكت الفصائل من إدلب نهاية تشرين الثاني 2023 في عمليّة “ردع العدوان”. إنّما بدأت في شباط 2011 حين كتب بعض الشبّان على جدار مدرستهم في درعا “الشعب يريد إسقاط النظام” و”إجاك الدور يا دكتور” (في إشارة إلى بشّار). واستكملت بالتظاهرات السلميّة التي بدأت عفويّة في 15 آذار، ثمّ نظّمتها التنسيقيّات. وفيما بعد تشكّلت تنظيمات سياسيّة في الخارج مثّلت الثورة في المحافل الإقليميّة والدوليّة وساهمت في إظهار أحقّيّتها، وحصلت على دعم لها على الرغم من أخطائها والخلافات التي نشبت فيما بين أعضائها وأضعفتها. ويمكن القول إنّ زعزعة نظام الأسد بدأت منذ وصول بشار الأسد إلى السلطة في 2000 مع ربيع دمشق في 2001 وإعلان دمشق في 2005-2007.

أسئلة مشروعة

بعد هروب الأسد وتفكّك مؤسّسات الدولة السوريّة، وفي مقدّمها الجيش والقوى الأمنيّة، كان لا بدّ من تشكيل سلطة بشكل سريع تملأ الفراغ تحاشياً لانتشار الفوضى التي وقع فيها العراق بعد سقوط نظام صدّام حسين ولم يخرج منها كلّياً حتى الساعة. وهذا ما فعله أحمد الشرع من خلال تشكيل حكومة انتقاليّة برئاسة محمد البشير. ولكنّ هذا لا يمنع من طرح بعض الأسئلة:

  • منذ سقوط نظام الأسد يجري الكلام عن مرحلة انتقاليّة. وأعلن البيان “تولية السيّد القائد أحمد الشرع رئاسة البلاد في المرحلة الانتقاليّة”. وذكر أنّ المجلس التشريعيّ هو “مؤقّت للمرحلة الانتقاليّة”. ولكن ما مدّة هذه المرحلة؟ هل هي حتى بداية آذار المقبل، وهي المدّة التي حُدّدت للحكومة الانتقاليّة التي يرأسها محمد البشير؟ أم تتخطّى شهر آذار؟ وإلى متى؟ وما هي أجندة هذه المرحلة والخطوات التي ستقوم بها للوصول إلى دستور جديد للبلاد يُحدّد شكل النظام الجديد، وتنتج عنه سلطة جديدة منتخبة تكتسب شرعيّتها من الدستور والشعب؟ عدم تحديد كلّ هذه المسائل بعد مرور شهرين تقريباً على سقوط الأسد يزيد الخشية من أن يكون “المؤقّت” دائماً، كما كانت الحال في بلداننا العربيّة.
  • السؤال الثاني ما هي أسس تشكيل المجلس التشريعيّ “المؤقّت” وصلاحيّاته؟ ما هي معاييره السياسيّة أوّلاً؟ هل يقتصر على ممثّلين عن فصائل المعارضة المسلّحة؟ أم يضمّ شخصيّات من التشكيلات السياسيّة للمعارضة السوريّة السابقة؟ وما هي معاييره على مستوى تمثيل مكوّنات المجتمع السوريّ؟ هل يضمّ مسلمين ومسيحيين ودروزاً؟ هل يتمثّل فيه السنّة والعلويون والإسماعيليون والشيعة والأرثوذكس والكاثوليك…؟ وماذا عن التمثيل القوميّ بين عرب وكرد، خاصّة في ظلّ عدم انضمام “قسد” إلى الإدارة العسكريّة؟ وماذا عن التمثيل المناطقيّ للشمال والجنوب والشرق والساحل؟ وما هي صلاحيّات هذا المجلس، خاصّة دوره في وضع دستور البلاد الجديد؟
  • وهنا يطرح السؤال الثالث: ماذا عن “مؤتمر الحوار الوطنيّ” الذي يجري الحديث عنه ولم يُذكر في بيان تولية الشرع؟ هل ينعقد؟ ومن يضمّ؟ هل يكون نسخة عن الإدارة الجديدة التي لا تضمّ سوى فصائل عسكريّة؟ أم تتمّ دعوة شخصيّات سوريّة مدنيّة وعسكريّة (ممّن انشقّوا عن نظام الأسد منذ بداية الثورة)، خاصّة أنّ بعضها كان معارضاً لنظام الأسد الأب والابن منذ ما قبل اندلاع الثورة السوريّة في 2011؟ حتّى الساعة لم تتلقَّ أيّ من هذه الشخصيّات دعوة إلى المشاركة في مؤتمر الحوار الوطنيّ بحسب ما أكّد لنا العديد منها.
  • ماذا عن المسألة الكرديّة؟ كيف سيتمّ حلّها؟ وماذا عن خروج القوات الأجنبيّة (الأميركيّة والتركيّة) من الأراضي السوريّة؟ وماذا عن الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي السورية، خاصّة الأراضي الجديدة، إضافة إلى الجولان؟

القائد البراغماتيّ

منذ بدء الهجوم لإسقاط نظام الأسد صدر عن أحمد الشرع الكثير من الكلام المطمئن الذي يدلّ على انفتاح الرجل الدينيّ والسياسيّ تجاه الداخل ومع الخارج. وأكّد أداؤه حتّى الساعة أنّه قائد براغماتيّ، وأنّه تعلّم من تجارب الآخرين، خاصّة من أقرانه الإسلاميين. فهو حصل على دعم الأتراك دون أن يكون تابعاً لهم. وحافظ على تنظيمه على الرغم من تصنيفه إرهابياً. فلم يستفزّ العالم لتشكيل تحالف دوليّ ضدّه. ولم يتوانَ عن إعلان انفصاله عن تنظيم القاعدة حين زادت عليه الضغوط، وبدّل اسم تنظيمه من “جبهة النصرة” إلى “جبهة تحرير الشام”.

منذ وصوله إلى الشام يُكمل الرجل بالبراغماتيّة نفسها. يستقبل وفود الدول الغربيّة والعربيّة. يطمئنهم إلى دور سوريا الإقليميّ والدوليّ. ويطمئن مكوّنات سوريا المتعدّدة إلى مستقبل سوريا وإلى مستقبلها في سوريا. على الرغم من كلّ هذا، ينتظر الكلّ أن تقترن الأقوال بالأفعال. وبداية الأفعال رئاسته “الرسميّة” لسوريا، وتشكيل “مجلس تشريعيّ” والدعوة إلى مؤتمر الحوار الوطنيّ. من هنا السؤال: الشرع رئيساً اليوم، لكن ماذا عن سوريا غداً؟

د. فادي الأحمر