بقلم د. باسم عساف
تمرُّ الأيام، بل السُنون على إفراغ رئآسة الجمهورية من مضمونها، وما تمثل من موقع الثقل والتوازن بين السلطات، وموقع التمثيل الشامل لكل اللبنانيين، والصورة التي يتصَدَّر بها لبنان أمام العالم، بما يمثِّله من وحدةٍ للوطن والمواطنين، وما يعكِسُه للتضامن والعيش المشترك، الذي تتآخى فيه جميع الطوائف والمذاهب والفئآت اللبنانية، ليكون التمثيل في هذا المنصب للجميع، وليس لفئة دون الباقين، وعليه يستوجب أمر الإنتخاب، أن يأتي بصيغة التوافق والحوار والتفاهم، فيكون الرئيس العتيد على مستوى المركز والوطن وكافة فئآت الشعب.
قد ينبري البعض ليقول : وماذا يعني الإنتخاب؟؟؟ وإختيار من يحصل على الأغلبية، في بلدٍ مبنيٍّ على مبدأ الديموقراطية، وتحقيق رضا الأغلبية العددية في مجلس النواب، وهم بدورهم يمثِّلون الشعب على كافة الأراضي اللبنانية ؟؟؟ وقد تطول عملية التساؤل لتطال الفئآت التي ترشح الشخصيات لهذا المنصب، أو الأشخاص الذين يتقدمون بالترشيح وطرح رؤياهم للبنان الجديد، الذي يرسمون خارطته، على أساس غير طائفي، يمهِّد لدولةٍ مدنيةٍ بعيدةٍ عن التأثير الطائفي، حيث تتمركز فيه العقدة الكبرى، بكيفِيَّة عدم التوزيع العادل للمناصب والمكاسب، والتوظيف الذي لا يخلو من الإجحاف بفئآت لحساب التمايز. عن فئآتٍ محظيَّةٍ أخرى، قد درجت عليه المنظومة السياسية في تعاطيها مع كل الأمور والشؤون التي تهم الشعب وحاجاته، ليتعاملون بها على أساس الغنائم والمكاسب، وليس الخدمات والمسؤوليات في الإنماء المتوازن، والعدالة الإجتماعية، والرؤيا المستقبلية، لوطن الوحدة والعيش المشترك.
هذه العلّة التي تكمن في نفوسِ البعض، والأنانية التي تغمرُ عقول من يحمل في صدره الحقد والبغضاء الحزبيّ أو الطائفيّ أو المذهبي، تجده حجر عثرةٍ في تقرير المصير، وفي التقارُب بالأفكار والتجانس في الطروحات، التي تضع، القطار على السِّكَّة الصحيحة في تدبير الأمور، وفي إيجاد المخارج لحلِّ هذه المعضلة، المتعشِّشة في عقولهم وأفكارهم، التي تجنح نحو الشخصانية حيناً، والعصبيَّة أحياناً، لترى نفسها فقط دون الآخرين، وهم لا يستحِقُّون أن يتَبَوأوا المسؤوليات، التي تحمِل هَمَّ الوطن والمواطنين.
هؤلاء الذين يفكِّرون على مدى أنوفهم، ولا يتطلَّعون إلى أكثر من مصالحم، في ظل ما يدورُ حولهم وحول الوطن، من حروبٍ ومآسي وتغييرٍ في البُنية الأساسيَّة للأوطان والبلاد المحيطة، وفق خارطة الطريق لشرق أوسط جديد، بينما هُم غارقون في تحديد جنس الملائكة، والتفتيش عن مركزّ هنا، ومَنصبٍ هناك، لتمتدَّ أياديهم العابثة، فتطال منها المكاسب والمغانم الجديدة، التي تدعم مراكز القوة لديهم، لمصارعة الآخرين على زاروب أو شارع جديد، يضاف إلى حساباتهم الإنتخابية، أو سطوتهم الحزبية، ليفرحوا بعدها بما جَنَت أياديهم، وبالاً على البلد وشعبه، والمزيد من المآسي التي تطال الجميع.
هذه الصفات، وهذه الترَّهات التي يمارسونها، أكان قصداً وعمداً لأنها مطلوبة منهم، أو كانت أصلاً عندهم ومتأصلة في تعاطيهم السياسي، على هذا المستوى غير المسؤول، أو هذا النمط، الذي يضعهم في قمقُم الحقد الطائفي والمذهبي والحزبي، ويريدون لبنان على قياسهم الصغير، وحجمهم القزم، وتفكيرهم الأنفي، الذي لا يستوعب إلا الأنا أو لا أحد.
هذه الفلسفات هي التي جعلت الأبواب مفتوحة لكل المجالات، ولكل الدول الأخرى المعنية بتسوية المنطقة، والتي تنشط على إتمام المرحلة الأخيرة من خارطة الطريق، لتتدخل في الشؤون اللبنانية، التي باتت تشَكِّل عائقاً لهذه التسوية، وتشكِّل ضرراً في المسيرة، التي تنحو بها هذه الدول، وخاصَّةً التي أُطلِق عليها تسمية اللجنة الخماسية، وهي تتشكل من : أميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، وقد غاصت معهم في مناقشاتٍ عقيمةٍ ومباحثاتٍ مستدامةٍ، لتجد هذا المستوى الهابط من التعاطي المسؤول، لذا إمتلكت زمام الأمور، وباتت هي المفتاح الحقيقي والأكبر لبوابة الحلِّ، والإتيان بالترياق والخلاص من الخارج، ومعها تكون المساعي والمشاورات والمقررات، بما يتماشى مع مصالحها بالمنطقة، وما يتماشى مع خارطة الطريق، التي يعملون لها جاهدين بإنهاء التسوية، عبر توزيع المغانم والمكاسب لهم، ومن ضمنها لبنان، الذي يضاف إلى التسوية، بما فيها المنظومة السياسية، التي فرزت الشعب اللبناني على قياسهم، ليكون لقمةً سائغةً في وليمة الطبق الشهي للتقسيم في خارطة الشرق الأوسط الجديد.
اللجنة الخماسية من الدول المعنية بتسوية المنطقة، هي نفسها التي تتابع تسوية الوضع في فلسطين عامةً، وغزَّة خاصة، حيث توصَّلت أخيراً لمخرجٍ تمَّ بالرضا والقبول، من جميع الأطراف وعلى مستوى عالمي وعربي ومحلِّي، وذلك لإنهاء حربٍ ضروسٍ جاءت بنتائج كارثيَّةٍ بالقتل والتدمير والتخريب، قد أوصلت إلى الإبادة الجماعيَّة، والأرض المحروقة والمسحوقة لقطاع غزة، كما جاءت عبثيَّةٍ للكيان الغاصب والمحتل، داخلياً : فيما بينهم وبين حكومتهم وأركان جيشهم، وخارجياً : بإنقلاب الصورة عليهم وعلى السامِيَّة، التي باتت لعنتهم، بعد أن كانت لعبتهم، إضافةً إلى أحكام المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، والأهم من ذلك إثارة شعوب وطلاب العالم، الذي كشف ألعابهم وحقيقة إفتراءآتهم، فجاءت التسوية أخيراً لوضع حدٍّ لفضائحهم، ولعبت اللجنة الخماسية دورها في التفاوض وإيجاد الحل، تمهيداً لتمرير الفصل الأخير من التسوية في المنطقة ككل.
إن لبنان ، وما يدور في جنوبه، من مشاهد الحرب المعكوسة على غزَّة، وطوفانها الذي أقصى البحث بالإستحقاق الرئآسي اللبناني، تحت تأثير وحدة الساحات، والإنشغال بما يدور على الساحةالجنوبية، من حرب إستنزافٍ تطال مناطق أخرى بالقصف والإغتيالات، فتجعل من اللجنة الخماسية معنيَّةٌ بها، وبترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، وإيقاف هذا النزف، ليدخل في تسويةِ المنطقة، التي ستأتي بنظامٍ جديدٍ يقوم على التوزيع الطائفي والمذهبي والعنصري، كما رسمته خارطة الطريق، وعليه يكون البحث في الإستحقاق الرئآسي، وعلى أيِّ شكلٍ، وأيِّ لونٍ، وأيِّ طعمٍ تكون وليمته، وبعد أن ينتهي الطباخون من إتمام وإستواء طبختهم للمنطقة ومنها لبنان حيث تدخل فيه معطيات جديدة حسب الواقع الجنوبي بالتسوية مع الحزب كما تمت التسوية في غزة مع حماس.
لذا فإن إيران ستدخل على خط التسوية، حيث قرار الحزب عندها، بموجب إعتماد قاعدة ولاية الفقيه، ولتصبح المشاورات والمفاوضات، ضمن اللجنة السداسِيَّة، التي تشمل حينها إيران، حيث يكون المَخرجُ والحلُّ بلبنان، من خلال البحث بسلةٍ واحدةٍ لتسوية الوضع اللبناني، بدءاً من ترسيم الحدود البرِّية الجنوبيَّة إستكمالاً للبحريَّة، إلى إستحقاق إنتخاب رئيسٍ للجمهوريَّة، إلى صيغة النظام اللبناني الجديد، إلى توزيع المغانم والمكاسب الشعبويَّة والرسميَّة والفئويَّة، على كامل الأرض اللبنانيَّة، التي تدخل ضمن خارطة الطريق، وتسوية المنطقة ككل في صفقة القرن، والتي تسعى إلى تنفيذها الصهيونية العالمية، وتشرف عليها تسويتها أميركا وأعوانها ، ويكون لبنان قد نال قسطه للعلا من هذه التسوية، بعد إدخال إيران على خط التسوية، للمساهمة بإيجاد الحلِّ وإرضاء شريحةٍ كبيرةٍ من اللبنانيين فيه، خاصةً وأنها تتحكَّم حالياً بمفاصِل عديدةٍ من مقوِّمات الدولة ومؤسَّساتها وأجهزتها المؤثِّرَة بمراكز القرار، فتكون اللّجنة السُداسيَّة، هي العامِلُ الأسَاسِيّ لإنقاذ تعثُّر اللّجنة الخُماسِيَّة.
د. باسم عساف