الرّئاسة عالقة في المتاهة… وترشيح جعجع يعقّدها

كلير شكر
اساس ميديا

على مسافة أقلّ من أسبوع على موعد الجلسة الـ13 الانتخابية، تجمع القوى السياسية اللبنانية على استنتاج واحد: إنّها الفوضى الكاملة!
كثير من المداولات والمشاورات وعجقة ترشيحات تكاد تُنبىء، أو تخدع متلقّيها، بأنّ اللعبة الانتخابية باتت لبنانية بعدما نزعت عنها البصمة الخارجية. تصوّرات متعدّدة مطروحة على الطاولة فرضها إصرار رئيس مجلس النواب نبيه بري على إخراج الدخان الأبيض من البرلمان يوم التاسع من كانون الثاني الجاري، وهو ما شرّع باب تخيّل سيناريوهات “من خارج الصندوق”، في وقت تمرّ المنطقة ولبنان بواحد من أدقّ المفاصل والتحوّلات السياسية، الأمر الذي يجعل من احتمال التذاكي اللبناني، لكسر المألوف، صفراً أو مستحيلاً.
لكنّ هذا التضارب في التكهّنات، مقروناً بالضبابية في المعطيات، يقود إلى خلاصة سلبية: لا رئيس في التاسع من كانون الثاني، أقلّه حتى هذه اللحظة.
تجزم مصادر رسمية أنّ أيّاً من الكتل النيابية الأساسية لا ينام على حرير. لا يزال الاستحقاق في دائرة التجاذبات وتحسين الشروط، ما دامت الدول المعنيّة، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، لم تقُل كلاماً واضحاً، ولم تحدّد مسار الانتخابات. لهذا لا يزال النقاش “أهليّة بمحليّة”، وقد لا يُقدّر له أن يتجاوز عتبة البرلمان في الجلسة المرتقبة.
وحدها زيارة الوفد السعودي لبيروت، التي تسرّب من مصادر غير رسمية أنّها ستكون برئاسة مسؤول الملفّ اللبناني في الخارجية، مساعد الوزير، الأمير يزيد بن فرحان، قد ترسم بعض المعالم إذا ما تأكّد أنّ الرياض ستفتح باب الاستحقاق. هذا ما يقوله بعض من تواصلوا مع مسؤولين سعوديين خلال الأيّام القليلة الماضية، مؤكّدين أنّ بعض أركان الإدارة السعودية الجديدة للملفّ اللبناني أجروا اتّصالات ببعض المسؤولين اللبنانيين ليشيروا أمامهم إلى أنّ البحث في التفاصيل متروك للّقاءات التي ستُعقد في بيروت.
الكلمة الفصل للسّعوديّين
فهم هؤلاء اللبنانيون وكأنّ الولايات المتحدة عادت خطوة إلى الوراء في تعاطيها مع الملفّ اللبناني، وتحديداً في الشقّ الرئاسي (ترفض الدخول في متاهة الأسماء)، لتكون الكلمة للسعودية، التي يفترض أن تُظهر زيارة وفدها لبيروت مدى انخراط المملكة السعودية في الملفّ الرئاسي اللبناني، لا سيما بعد التطوّرات السورية وسقوط نظام بشار الأسد.
بالانتظار، يُظهر رصد حراك القوى اللبنانية المعطيات الآتية:
– يثير تمسّك الرئيس بري بقاعدة الدورات المفتوحة لانتخاب رئيس في القريب العاجل، سلسلة تساؤلات حول حقيقة موقفه: هل هو يضغط فعلاً في اتّجاه إنتاج رئيس، تصفه المعارضة بـ”التهريبة”، بمعنى عدم وجود غطاء دوليّ لعهده، مع العلم أنّ رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل هو الطرف المسيحي الوحيد المؤيّد لترشيح المدير العامّ للأمن العامّ اللواء الياس البيسري، أم يسعى للإثبات أنّه يقوم بدوره على أكمل وجه لكي لا يُحمّل مسؤولية التعطيل بعدما تعهّد أمام الأميركيين بإنجاز الاستحقاق فور انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان؟
أم أنّ الضغط الذي يمارسه، يهدف فقط إلى تحييد ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون لإخراجه من السباق بحجّة عجزه عن تأمين 86 صوتاً مؤيداً له؟ فيبدأ البحث في خيارات بديلة… أم أنّ الرئيس بري يعوّل على زيارة الموفد الأميركي آموس هوكستين علّه ينجح في إقناعه في لعب دور مع الإدارة الأميركية الجديدة لإنجاز الاستحقاق.
الأكيد أنّ رئيس المجلس لا يزال عند رفضه لقائد الجيش، وهناك من يقول إنّ المحيطين برئيس المجلس، وتحديداً النائب علي حسن خليل، هو أكثر رفضاً لخيار قائد الجيش. ومن جهته، لم يتراجع “الحزب” عن رفضه، ولو أنّ البعض يرى أنّ الليونة في موقفه محتملة.
تمويل قطريّ للإعمار مقابل البيسري
يقدّم الرئيس برّي ترشيح اللواء الياس البيسري، بصفته اسماً غير استفزازي يتمتّع بالقابلية من الدول الخارجية، ويمكن له أن يكون الرئيس المقبل، خصوصاً أنّ المطّلعين يؤكّدون أنّ قطر وعدت “الثنائي الشيعي” بالمساهمة في ورشة إعادة الإعمار، وهو ما يرفع من أسهم البيسري بالنسبة للثنائي. لكنّ السؤال: هل يكتفي برّي و”الحزب”، في هذه اللحظات الحرجة، بالمظلّة القطرية من دون السعودية؟
– فعلت التطوّرات الإقليمية والمحلّية فعلها في مقاربة رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع الرئاسية لدرجة وضعت ترشيحه للرئاسة على القائمة الأساسية، أقلّه من وجهة نظره. لكن من وجهة نظر خارجية، وفق ما يقول مطّلعون على موقف سفراء الخماسية، ليس ترشيحه موضع ترحيب من هؤلاء خشية من أن تعمّق هذه الخطوة الشرخ اللبناني وتزيد تعقيدات المشهد الرئاسي.
في السياق عينه، يُقال إنّ الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط تحدّث بصراحة أمام بعض ضيوفه عن أنّه اندفع باتّجاه ترشيح قائد الجيش، بهدف تعطيل ترشيح جعجع. أكثر من ذلك، يرى جنبلاط أنّ العماد عون هو الوحيد القادر على تطويق تمدّد “القوات” جماهيرياً.
جوزف عون متقدّم.. ولكن
– على الرغم من عجقة الترشيحات المعلنة والمكتومة، التي طفت خلال الأيّام الأخيرة على وجه الماء، بعد خروج رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية من السباق، حتى لو لم يعلن ذلك صراحة، وإخفاق المعارضة في التفاهم على مرشّح واحد… لا يزال ترشيح قائد الجيش في خانة مختلفة تجعله متقدّماً على بقيّة الترشيحات، أقلّه نظريّاً.
لكن عمليّاً، لم تبادر أيّ من الدول الداعمة له، وتحديداً الولايات المتحدة، إلى خوض معركته، حتى إنّ لقاءه مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لم يتناول الشقّ الرئاسي، كما يقول العماد عون أمام ضيوفه. هذا مع العلم أنّ المعطيات بيّنت أنّ جنبلاط، خلال وجوده في العاصمة الفرنسية، تمكّن من لقاء مسؤولين في الإدارة الأميركية الجديدة، وهو ما دفع البعض إلى الاعتقاد أنّ ترشيحه قائد الجيش جاء نتيجة ما سمعه من هؤلاء، وليس فقط من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ختاماً، لا بدّ من انتظار ما ستؤول إليه لقاءات الوفد السعودي في بيروت، مع العلم أنّ المواعيد لم تُحسم بعد، وثمّة كلام عن الاستعاضة عن الجولة بسلسلة اتّصالات مع المسؤولين اللبنانيين. لكن ما يبدو أكيداً هو الانخراط السعودي في الملفّ اللبناني بكثير من جوانبه، بالتنسيق مع الفرنسيين والأميركيين.

التعليقات (0)
إضافة تعليق