ملاك عقيل
اساس ميديا
تواريخ عدّة تُزاحم انطلاقة الحكومة، بعد نيل الثقة، من 18 شباط، التاريخ المفترض للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، و14 شباط ذكرى اغتيال رفيق الحريري والكلمة المنتظرة لرئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، ويوم تشييع الأمين العامّ لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله في 23 شباط، و”الكلمة” المنتظرة في “الشارع”، حيث يَتوقّع مُنظّمو “الحزب” حشدٌ مليونيّ، بين المدينة الرياضية ومقرّ دفن “السيّد”، لا سابق له في تاريخ تنظيم مسيرات المقاومة.
ليست هذه التواريخ وحدها ما يُقلِق أهل الحُكم، إن لجهة التداعيات السلبية جدّاً على الحكومة، في حال فَرض العدوّ الإسرائيلي قراره على واشنطن ولبنان بالبقاء في بعض النقاط الحدودية بعد تاريخ الانسحاب الممدّد أصلاً، أو اقتحام الحريري المشهد الحكومي بكلمة سياسية ستكون الأولى له أمام جمهوره بعد إعلان تعليق العمل السياسي لـ “تيار المستقبل”، في ظلّ نقمة سنّيّة كبيرة على استئثار “الديو” نوّاف سلام وفؤاد السنيورة بالحصّة السنّيّة في الحكومة، أو “الطوفان” الشيعي المُرتَقب حصوله بعد أيام، في ظلّ حصارٍ واضحٍ يتعرّض له “الحزب”، من الخيار الرئاسي إلى الحكومي، وصولاً إلى تركيبة الحكومة، والتضييق الواضح على “الحزب” من مطار بيروت إلى الحدود الشمالية والشرقية، والإجهاز الكامل على بنيته العسكرية جنوب الليطاني.
لا شكّ أنّ حكومة “الإنقاذ والإصلاح” مزنّرة بالألغام وبالاستحقاقات المفصليّة، لكنّ المهلة الفاصلة عن تحوّلها إلى حكومة تصريف أعمال في أيّار 2026 فور إجراء الانتخابات النيابية، تضعها أمام استحقاق مهمّ جدّاً هو القرار السياسي بتعديل قانون الانتخاب.
سلام وقانون الانتخاب
يقول مصدر سياسي رفيع لـ “أساس”: “إذا سِمَة العهد التغيير والمُساهمة في تغيير جلد الطبقة السياسية الحاكمة، فإنّ أولى الخطوات العميقة تبدأ بتعديل قانون الانتخاب. مع العلم أنّ معركة مصيرية تنتظر جميع الطوائف، شيعة وسنّة ومسيحيّين، في الانتخابات النيابية المقبلة، في ظلّ الانقلاب الكبير في المشهد السياسي الأقرب إلى التسونامي، لكن بالتأكيد المعركة الأمّ هي معركة الـ 27 نائباً شيعياً”.
في حديثه الإعلامي الأوّل على محطّة “تلفزيون لبنان” مساء الثلاثاء لم يَستفِض الرئيس سلام في الكلام عمّا سيفعله بقانون الانتخاب الحالي في ظلّ الدعوات الإصلاحية إلى تعديل بعض بنوده، خصوصاً لجهة الصوت التفضيلي والتقسيمات الانتخابية والميغاسنتر. تكلّم سلام عن رأيه الشخصي قائلاً: “كنت أمين سرّ لجنة قانون انتخاب برئاسة الوزير الأسبق فؤاد بطرس. وبرأيي الشخصي، القانون الحالي هو تشويه لكلّ ما قمنا به في اللجنة التي لم يتمّ الأخذ بتوصياتها”.
أمّا في خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس عون فبرزت إشارة إلى هذا الموضوع بقوله: “عهدي أن أدفع مع الحكومات المقبلة باتّجاه تطوير قوانين الانتخاب بما يعزّز فرص تداول السلطة والتمثيل الصحيح والشفافيّة والمحاسبة”.
“مليونيّة” السّيّد
بعد “مليونيّة” السيّد المُفترضة، والمماطلة إلى الحدّ الأقصى من قبل قيادة المقاومة في تقرير مصير سلاح “الحزب” جنوب الليطاني وشماله، وفي البقاع والضاحية، لم يعد سرّاً أنّ المعركة الكبرى والأهمّ بالنسبة للثنائي الشيعي، معاً، هي محاولة الاحتفاظ بالكوتا الشيعية كاملة لتكون ورقة تفاوض قويّة على السلاح نفسه، وعلى المُكتسبات السلطويّة، وعلى الحقائب والوزراء في حكومة ما بعد سلام، وأبعد من ذلك على “مصير” القرار الشيعي في تركيبة ما بعد غياب نصرالله، وسقوط المحور، وهروب بشار الأسد وسقوط نظامه، وبدء الحديث همساً عن “وريث” إمبراطورية نبيه بري في السياسة ومجلس النوّاب، وفي كلّ مفاصل الدولة.
حتّى الآن لا جواب رسمياً بعد من حكومة تستعدّ لنيل الثقة في مجلس النواب، في شأن احتمال إدخال تعديلات على قانون الانتخاب، خصوصاً لجهة اقتراع المغتربين أو الميغاسنتر، إذ تبدو الحاجة ملحّة أكثر في ظلّ استحالة إجراء الانتخابات البلدية والنيابية، على السواء، في قرى الحافة الحدودية في الجنوب، وصعوبتها في مراكز رسمية في الضاحية والبقاع.
27 على 27؟
لكن ماذا عن احتمال إجراء الانتخابات النيابية في ظلّ القانون الحالي؟ يقول الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ”أساس”: “صحيح أنّ القرار النهائي لصندوق الاقتراع، لكن وفق قانون الانتخاب الحالي وتقسيمات الدوائر، وعلى الرغم من التغييرات الهائلة التي حصلت إبّان الحرب، وبعدها، قد يحصد الثنائي الشيعي بكلّ سهولة الـ 27 نائباً، خصوصاً في ظلّ شدّ العصب الشيعي الذي يبلغ ذروته راهناً، وإذا استمرّت المواقف الإسرائيلية والأميركية التحريضية على ما هي عليه، ومثال على ذلك تصريحات الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، والتهويل الإسرائيلي بعدم الانسحاب من لبنان، وهي مواقف تلقى صداها السلبي جدّاً لدى الشيعة عموماً”.
يُرجّح شمس الدين أيضاً أن “تحصل الانتخابات المقبلة من دون اقتراع المغتربين، بحيث يقترع هؤلاء للنوّاب الستّة في الخارج وليس لـلـ 128 نائباً، إلّا إذا عُدّل القانون، مع العلم أنّ هناك إصراراً حتى الآن من قبل الرئيس بري و”الحزب” والتيار الوطني الحرّ على عدم تعديل القانون”.
“تشحيل” باسيليّ
في المقابل، تجزم أوساط مطّلعة أنّ “توازنات مجلس النواب لن تبقى على ما هي عليه”، وتفنّد الخريطة النيابية وفق الآتي:
– مسيحيّاً، قد تتعرّض كتلة النائب جبران باسيل لمزيد من “التشحيل” بحكم واقع الخروج من السلطة، وفقدان الحليف القويّ، سيّما مع رفع باسيل معادلة “ليس لدينا حلفاء ولا أخصام”، فيما تبدو العلاقة مع “الحزب” بأسوأ أيّامها. والدليل هي المداولات التي رافقت تأليف الحكومة، والتي لم تستدعِ أيّ موقف مُعارض من “الحزب” لاستبعاد “التيّار” عن الحكومة. في المقابل، يتنامى حجم “القوّات” سياسياً ونيابياً، معطوفاً على قرار خارجي باستبدال الصوت المسيحي داخل الحكومة بـ “صوت معراب”، والدفع باتّجاه إضعاف الحليف المسيحي السابق لـ”الحزب”.
– سنّيّاً، لن يكون بالإمكان التخفيف من وطأة دخول آل سلام مجدّداً، لكن عبر نوّاف سلام، تركيبة السلطة، وتداعيات ذلك على تأليف اللوائح الانتخابية، مع العلم أنّ قرار سلام التعاطي بحيادية تامّة مع الاستحقاق المقبل. لكنّ “فشخة” سلام الكبيرة استدعت مواقف سنّية ناقمة عليه، وحتّى داعية إلى حجب الثقة عن حكومته. في المقابل، سيرتبط المشهد الانتخابي المقبل بتأثيرات العودة المحتملة لسعد الحريري إلى الملعب السياسي أو عدمها، وبفشل الطاقم النيابي السنّي الحالي في فرض مرجعية أو مرجعيات ذات تأثير. ويكفي مثالاً على ذلك أسلوب تعاطي الرئيس المكلّف مع الكتل والنواب السنّة.
– شيعياً، ستكون اللعبة مفتوحة على احتمالات، ولو ضئيلة، للخرق، خصوصاً في الخاصرة الرخوة في جبيل، وحتّى في بعبدا، مع محاولات شيعية من جانب مستقلّين لإثبات الوجود بقاعاً وفي الجنوب. لكنّ المناخ الشيعي للثنائي يتعاطى مع الاستحقاق المقبل بوصفه “حياة أو موتاً” في السياسة، على قاعدة “لن نُخرَق، وإلّا فسَنغرَق”.