بقلم سامي كليب
«اساس ميديا»
الاستقبال الاستثنائي الذي أُحيط به الرئيس جوزف عون في السعودية، والذي سيحاط به في فرنسا قريباً، ولاحقاً في العواصم الأخرى المؤثّرة على لُبنان، ليس أمراً عابراً. فالرياض وشركاؤها في الملفّ اللُبناني يرَون في شخص الرئيس كثيراً من “الترفّع، واحترام الذات، والكاريزما، والموقف الصلب، وعدم الخضوع للقوى التقليديّة، والرغبة الحثيثة في الإصلاح”. لكن ماذا بعد؟
القرار العربيّ الدولي بدعم عون للرئاسة، ثمّ بدعم حكومة الرئيس نوّاف سلام (الذي للمناسبة لم يأتِ بقرارٍ سعوديّ خلافاً لما قيل بل بتركيبة داخليّة ودعمٍ فرنسيّ)، وهو منطلقُ ورشةٍ كبيرةٍ من الإصلاح في لُبنان تقتضي أوّلاً بناء دولة المؤسّسات، وإبعاد شخوص وأسلوب العمل التقليدي الذين ساهموا في تدمير بنى الدولة وأفقروا الشعب، وثانياً إقناع “الحزب” (بالضغط أو الإغراءات) بضرورة التحوّل إلى حزب سياسي وتسليم سلاحه إلى الدولة اللُبنانية، فهذا أمرٌ لا تراجع عنه.
من يسمع عدداً من دبلوماسيّي دول اللجنة الخُماسيّة، يفهم أنّ ثمّة إعجاباً حقيقيّاً بعزم الرئيس عون و”إقدام” الرئيس سلام لتنفيذ خريطة الإصلاحات وحصر السلاح بيد الشرعيّة، ولا يتردّد البعض منهم في القول عن سلام: “إنّه يقدّم نموذجاً جديداً، أخذ من تاريخه اليساري شيئاً من التمرّد وأسلوباً خاصّاً يقرّبانه من الناس، ومن تجربته القانونية أشياء لبناء دولة القانون، ومن فهمه للوضع الجيوسياسي الكثير للاقتناع بضرورة طيّ صفحة الماضي المتعلّقة بالتقليد السياسيّ من جهة، والسلاح من جهة ثانية”.
يمكن القول إنّ هذه القناعة يُفترض أن تكون أيضاً بمنزلة الإنذار الأخير لمعيقي الإصلاح أو لرافضي تسليم السلاح. فالسعودية التي أسهمت في اللحظات الأخيرة بإنقاذ الرئاسة اللُبنانية ونجحت عبر مبعوثها الأمير يزيد بن فرحان (وُصِف بكيسنجر الملفّ اللُبناني) في إقناع كلّ الأطراف بانتخاب عون، ستمضي مثلاً في تعزيز الاقتصاد اللُبنانيّ لكن ليس على الطريقة القديمة من المنح الماليّة الكبيرة التي جاءت بعكس أهدافها، بل من خلال خطط تُساهم في إنعاش الاقتصاد وترافق الإصلاح. فمثلاً سيُصار قريباً إلى إعادة فتح طريق السياحة السعودية إلى لُبنان، وهو ما سيفتح الأبواب واسعة للسياحة الخليجية والدولية بما يُقدّر بـ 45 مليار دولار سنويّاً. وسيتمّ أيضاً تعزيز دعم الجيش والقوى الأمنيّة، واستكمال ضبط الحدود نهائيّاً وعلى نحو مُحكم تماماً، تحت شعار منع تصدير المخدّرات أو تهريب السلاح والإرهاب. أمّا مسألة المصارف فهي على ما يبدو مُناطة بالولايات المتحدة الأميركيّة.
في الفكرة العربيّة الدوليّة، لا استبعاد لأيّ طائفة (وغالباً ما يسمع السائل كلاماً إيجابيّاً عن دور الرئيس نبيه بري في المرحلة الحالية حتّى لو أنَّ الرغبات تصبّ في مصلحة تغيير كلّ الطبقة السياسية التقليدية، ولا يتردَّد بعض المسؤولين السعوديّين في القول إنّ برّي صديق لنا)، وثمّة قناعة بأنّ تعزيز الاقتصاد اللُبناني المرافق للإصلاحات الحقيقيّة سيجعل الشباب اللُبنانيّ، ومن بينهم الشباب في البيئة الشيعيّة، يذهب صوب أولويّات أخرى. وحين يقال إنَّ هذا المشروع طرحه سابقاً الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نسمع: “هذا صحيح، لكن آنذاك كان وضع سوريا مختلفاً، وكان الإطار الإقليمي مختلفاً، ووضع إيران و”الحزب” مختلفاً أيضاً، ولم يكن لبنان قد وصل الى مرحلة الجوع”.
تسود قناعة عند الدول الراعية للملفّ اللُبنانيّ بأنَّ الهامش الإيراني يضيق جدّاً في المنطقة، وأنّ “إيران تتحسَّس رأسَها مع إدارة ترامب”، ولذا هي ذاهبةٌ نحو تعزيز التفاوض مع تنازلات حتميّة. هذا كان واضحاً من موقفها بعد ضرب الولايات المتحدة الأميركية للحوثيّين، وهذا ما سيكون عليه شأنُها حيال ضرورة انكفاء “الحزب” عسكريّاً حتّى لو كان ورقة ضرورية لمشروعها الاستراتيجي.
هذا لا ينفي مُطلقاً أنَّ احتمال تجدّد حرب إسرائيل على “الحزب” واردٌ في أيّ لحظة، إذا ما شعرت إسرائيل بأنَّ “الحزب” يُعيد بناءَ قدراته حتّى لو أنَّ تمرير السلاح والمال إليه سوف يضيق جدّاً في المرحة المُقبلة، وفق العارفين من أهل اللجنة الخُماسيّة.
لكن ماذا عن سورية وخطر التّوتّرات الأمنيّة على لُبنان؟
ما يزال الجواب يثير القلق حتّى داخل دول اللجنة الخُماسيّة، لكنّ السعي السعودي الحثيث لمواكبة التطوّرات السوريّة والرغبات الدولية بنقل سورية إلى مرحلة من الاستقرار الأمنيّ والحلّ السياسيّ الشامل، أمورٌ تعكس رغبة فعليّة بوقف أيّ خطر على لُبنان، وأيّ خطر لتقسيم سورية، ومن غير المستبعد أن تلعبَ مثلاً الرياض دوراً في تنظيم العلاقة اللُبنانية السورية.
ما هي مصلحة السّعوديّة في لُبنان؟
من منظور استراتيجيّ واسع، قد تكون سورية أكثر أهمّية للرياض بعشرات المرّات من لُبنان. لكنّ الذي يزور الرياض، سيسمع كلاماً عاطفيّاً حيال بلاد الأرز أكثر منه كلاماً استراتيجيّاً. وسيلمس الكثير من الذكريات للتاريخ السعودي اللُبنانيّ حتّى لو أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تعكس آراء أخرى تسأل: “لماذا تتورّط السعوديّة في لُبنان ذي المشاكل الكثيرة والذي تعرّضت منه للكثير من الشتائم ووصلتها منه المخدّرات ووجع الرأس”.
ربّما رأت السعودية، كما الدول الشريكة لها في اللجنة الخماسية المولجة متابعة وضع لبنان، أنّ بعد حرب إسرائيل على “الحزب” وتطوّرات سورية وانكفاء الدور الإيراني فرصةً جيّدة لإقناع كلّ الأطراف اللُبنانية بأهميّة ووجوب الإصلاح (ربّما وجوب هي الكلمة الأنسب)، وبطيّ صفحة الحروب والانهيارات الاقتصادية والفساد المستشري. وهذا للمناسبة رأيٌ تتّفق عليه كلّ الدول خلافاً لما يقال عن رأيين مختلفين مثلاً بين الرياض والدوحة. ولذلك تقف الدول المنضوية تحت لواء اللجنة الخماسيّة أمام معادلة واحدة: “إمّا الإصلاح الحقيقي والعميق وحصر السلاح بيد الدولة اللُبنانية، أو على لُبنان السلام”.
وماذا عن إسرائيل؟
سيسمع السائل جواباً مشتركاً وموحَّداً من 3 دول على الأقلّ بين أعضاء اللجنة الخماسيّة: “حين تنسحب إسرائيل من النقاط الخمس، وهي ستنسحب، لن يبقى مبرّر لوجود السلاح، ولن يُسمح لإسرائيل بالاعتداء على لُبنان”.
هل التفاؤل في محلّه؟ لا شكّ في أنّ قسماً كبيراً من هذا الأمر سيرتبط بنتائج المفاوضات أو الاشتباك بين إيران وإدارة ترامب. فلبنان ما زال في نقطة اشتباكٍ إقليمية دوليّة مشتعلة.
سامي كليب