بقلم أمين قمورية
«أساس ميديا»
قبل التطوّرات الأخيرة في لبنان، وموجة الاغتيالات وبدء العدوان الإسرائيلي، قام الزميل أمين قمّورية بجولة في الأردن للوقوف على حجم التغييرات والتحدّيات التي يواجهها الأردن، والهجمة الإيرانية والإسرائيلية عليه، ولمحاولة فهم إلى أين يتّجه الأردن.
في الحلقة الأولى، أسئلة حول نغمة أنّ الأردن هو “الوطن البديل” للفلسطينيين. وهي نغمة تكرّرت وأُعيد تداولها على نطاق واسع بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فأثارت استياء النخب الأردنية على المستويَين الشعبي والرسمي من أسفل الهرم حتى أعلاه.
تعزّز مخاوفَ الأردنيين من عقدة جعل بلادهم “الوطن البديل” عن فلسطين التي يريدها اليمين الإسرائيلي كلّها، من البحر إلى النهر، نظريّاتٌ صهيونية قديمة كان قد أطلقها الإنكليز وروّجوا لها وغذّوها. وهي تقول إنّ فلسطين “أرض بلا شعب” ويجب أن تكون لـ”شعب بلا أرض” هو الشعب الإسرائيلي. ترافق هذه المقولة مقولة أشدّ خطورة بأنّ الأردن هو “أرض بدو من دون تاريخ ولا حضارة”. وهو ما يتيح لصاحب المقولتين العدوانيّتين القول إنّ هذه الأرض “ليست وطناً” وتصلح أن تكون منطقة سكن للمهجّرين واللاجئين بعد رسم الخرائط وتفتيت المجتمعات القائمة.
انطلاقاً من هذه المقولات اعتبر بعض المنظّرين والمخطّطين الإسرائيليين أنّ التقسيم الذي قام عليه الانتداب البريطاني في عشرينيات القرن الماضي هو السند، وكان جرى على أساس دولتين تقوم كلّ منهما على ضفّة من ضفّتي نهر الأردن. وتالياً فإنّ “الأردن هو فلسطين من لحظة إنشائه… و65 في المئة من سكّانه هم فلسطينيون. وفيه يمكن توطين اللاجئين في يهودا والسامرة (الضفّة الغربية) وغزّة وسوريا ولبنان، ويمكن لاستثمارات ضخمة أن تيسّر ذلك، وتوفّر حلّاً لمشكلتهم”، بحسب الرواية الإسرائيلية.
حضارة الأردن “ما قبل التّاريخ”
بالنسبة للأردنيين والفلسطينيين معاً، الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين. ولا يمكن أن يكون الأوّل بديلاً عن الثانية ولا يمكن للثانية أن تلغي الأوّل. ومثلما فلسطين للشعب الفلسطيني، الأردن هو لشعب أردني أصيل “أخرج الحضارة إلى العالم قبل مصر والعراق، وأنتج أوّل رغيف خبز وبنى أوّل سدّ في التاريخ. وكان أوّل من اكتشف البعد الثالث من خلال تماثيل عين غزال، وعليه لا يمكن تجهيل الشعب الأردني بتاريخه وحضارته العريقة”، على ما يقول المؤرّخ ونقيب الجيولوجيين الأردنيين الدكتور جورج حدادين. ويضيف أنّ “أرض الأردن مأهولة ومعمورة منذ أكثر من خمسمئة ألف سنة قبل الميلاد. وعليها بدأت أولى التجمّعات السكّانية وأنشئت أولى المجتمعات الزراعية ومورست أولى الطقوس الدينية في العالم بأكمله”.
يشدّد حدادين على أن “لا أحد يمكن أن يتجاهل المملكة الأردنية الغسّانية والمملكة النبطية الأردنية لقرون عدّة. إضافة إلى ممالك أخرى عدّة كالأدوميّة والعمونيّة والمؤابيّة. وعلى الرغم من أنّ هذه الممالك فقدت في مرحلة ما وجودها ككيان سياسي وسلطة إلا أنّ الوجود السكّاني لهذه الممالك لم يختفِ. فالأدوميون مثلاً لم يرتحلوا عن الأرض الأردنية على الرغم من تولّي الأردنيين الأنباط للسلطة السياسية. والأنباط أنفسهم لم يغادروا أرضهم على الرغم من السيطرة الرومانية على الطرق التجارية. كذلك القبائل الأردنية في البادية الشرقية، ومنها اليوم العشائر الأردنية الكبيرة”.
3 شرعيّات لوجود الأردن
على الرغم من النكبة في فلسطين وتهجير أعداد كبيرة من أبنائها إلى الضفّة الشرقية حيث باتوا يشكّلون نسبة عالية من السكان، لا سيما في المدن الكبرى مثل عمّان والزرقا، وعلى الرغم من التوتّرات بين المقيمين واللاجئين التي كانت ذروتها أحداث أيلول 1968، فإنّ الأردن تمكّن من تثبيت مثلّث التوازن داخل الدولة المتمثّل في العلاقة الأردنية الفلسطينية وعلاقة الشعب بنظام الحكم. ونجح في الحيلولة دون تفكيكها وإفقاد الجميع شرعية الوجود خارج معادلتها.
يقوم هذا التوازن على ثلاث شرعيّات:
- شرعية الشعب الأردني غير المشروطة باعتباره صاحب الأرض ومالك الوطن التاريخي قبل النكبة الفلسطينية. يتبع غداً
أمين قمورية