بقلم محمد السماك
«أساس ميديا»
تقترب عقارب الساعة النووية من منتصف الليل. وإذا حلّ هذا الليل فلا نهار بعده.
ترتفع في الولايات المتحدة علامتا استفهام كبيرتان:
الأولى: ماذا إذا ضربت روسيا إحدى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بالقنبلة النووية على خلفية الحرب في أوكرانيا؟
الثانية: ماذا لو استغلّت الصين الفوضى المترتّبة على ذلك وضربت تايوان بالقنبلة النووية أو ضربت دولة حليفة للولايات المتحدة في الشرق الأقصى مثل اليابان أو الفلبين أو كوريا الجنوبية؟
ماذا لو بادرت كوريا الشمالية إلى الانتقال من الاستعراضات النووية إلى الممارسات الفعلية في ضوء المتغيّرات المتدهورة في الشرق الأقصى؟
حتى عام 1980 كان المخزون العالمي من القنابل النووية وصل إلى 70 ألف قنبلة. لكنّ حكماء العالم الذين تعلّموا الكثير من تجربتَيْ هيروشيما وناكازاكي في اليابان، تمكّنوا من خلال التفاهم الأميركي – السوفيتي من تخفيض هذا المخزون النووي إلى 12 ألف قنبلة فقط. هذا التفاهم سقط الآن، وحلّ محلّه تسابق جديد لا يقتصر على عدد القنابل النووية والهيدروجينية، لكنّه يتجاوز العدد إلى الفعّالية التدميرية. على أنّ أخشى ما يخشاه طرفا “المحرقة النووية” الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، هو توظيف القدرات الفضائية التي يتمتّع بها كلّ منهما لتحميل الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الكرة الأرضية مخزوناً نووياً يوجَّه إلكترونياً من الأرض (موسكو أو واشنطن) لتدمير إلغائي للآخر.
سقوط اتفاقية 1967
عمليّاً وواقعيّاً سقطت اتفاقية 1967 للحدّ من انتشار الأسلحة النووية. فالصين دخلت النادي النووي من الباب العريض. ففي التقديرات الأميركية أنّ ترسانة الصين النووية قد تصل في عام 2035 إلى 1,500 قنبلة هيدروجينية وذرّية. أمّا ترسانتها اليوم فلا تزيد عن بضع مئات من هذه القنابل فقط.
في شهر حزيران الماضي وقّعت الدول الثلاث: الاتحاد الروسي والصين وكوريا الشمالية على معاهدة ثلاثية مشتركة للتعاون النووي. لا يقتصر التعاون على تقديم الأسلحة والقنابل النووية، لكنّه يتجاوز ذلك إلى تقديم المعلومات التقنيّة والأجهزة المتطوّرة للصناعة النووية الإلكترونية المتقدّمة. وتحاول إيران الانضمام إلى هذا التفاهم الثلاثي دون جدوى حتى الآن.
تقول الأرقام المسرّبة (وهي أقلّ من الأرقام الحقيقية) إنّ الولايات المتحدة تملك الآن أكثر من خمسة آلاف رأس نووي جاهز للإطلاق فوراً، وإنّ فرنسا تملك حوالي 300 رأس. إضافة إلى ذلك تملك الولايات المتحدة 1,900 رأس نووي أخرى كمخزون احتياطي. يمكن تأهيل هذه الرؤوس للإطلاق خلال ساعات، إذا اقتضت الحاجة، أي أنّه إذا بقي ما يستحقّ التدمير بعد استعمال القنابل المجهّزة للإطلاق في أيّ لحظة.
إذا ما أُضيف عدد هذه الرؤوس النووية إلى المخزونين البريطاني والفرنسي، فإنّ كتلة دول حلف شمال الأطلسي وحدها تصبح قادرة على قتل كلّ إنسان على سطح الأرض أكثر من عشر مرّات. وهي القدرة التي تتمتّع بها أيضاً روسيا والصين.
يُضاف إلى ذلك القدرة النووية الهندية والباكستانية على ما بين الدولتين الجارتين التوأم من العداوة، وهو ما يضع العالم كلّه وليس الشرق الأقصى فقط على كفّ العفريت النووي. وإلى جانب بؤرة الصراع الهندي – الباكستاني، هناك بؤر صراع نووي عديدة أخرى منها بؤرة الصراع الروسي – الياباني والصيني – التايواني في الشرق الأقصى، والروسيّ – الأطلسي في أوروبا، والأميركي – الروسيّ في العالم.
إسرائيل تنفرد في الشرق الأوسط
أمّا في الشرق الأوسط فإسرائيل وحدها تملك سلاحاً نووياً حاولت استعماله في عام 1973 عندما تقدّمت القوات السورية في مرتفعات الجولان واجتاحت القوات المصرية قناة السويس ودمّرت خطّ بارليف. كانت غولدا مائير يومها رئيسةً للحكومة، وهي التي أصدرت الأمر بتجهيز القنبلة النووية تمهيداً لإطلاقها. ولكنّ الولايات المتحدة قرّرت تغيير مسار الحرب بوسائل أخرى. وتمّ ذلك فعلاً بتدخّل عسكري أميركي مباشر وغير مباشر. لكن حتى الآن لم تعلن إسرائيل، ولا الولايات المتحدة، موقع الهدف الذي كانت إسرائيل تنوي قصفه بقنبلتها النووية.
الآن تدخل إيران في سباق التسلّح النووي. وتعتبر إسرائيل الدخول الإيراني إلى نادي الدول النووية خطّاً أحمر. وقبل ايران قصفت إسرائيل مفاعل “تمّوز” النووي العراقي في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، واغتالت عدداً من العلماء النوويين العراقيين. وقصفت أيضاً مفاعلاً نووياً في شمال سوريا جرى تشغيله بمساعدة من كوريا الشمالية.
من هنا تبدو قارّة آسيا من اليابان في أقصى الشرق حتى إسرائيل في أقصى الغرب، مروراً بالهند وباكستان، أحد مسارح الحرب النووية التي ترعب العالم بتسارع خطاها نحو ساعة الصفر.. أمّا المسرح الثاني فهو أوروبا انطلاقاً من الحرب الأوكرانية.. وأمّا المسرح الأوّل فهو روسيا وأميركا.. مباشرة وعبر السماء والطارق!!
محمد السماك