بقلم ابراهيم ريحان
«أساس ميديا»
ماذا وراء اللقاء الأوّل بين إدارة دونالد ترامب ووزير الخارجيّة السّوري أسعد الشّيباني؟ هل بدأ التواصل الجدّيّ بين دمشق وواشنطن؟ وماذا في كواليس اللقاء الذي جمع الشّيباني بمسؤولةٍ أميركيّة في بروكسل؟
كُشِفَ قبل يومَيْن عن لقاءٍ هو الأوّل بين مسؤولين من إدارة الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب ومسؤولين من الإدارة السّوريّة الجديدة، في مُقدَّمهم وزير الخارجيّة أسعد الشّيباني. وأوضح مسؤولٌ في وزارة الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” أنّ الاجتماع عُقِدَ في العاصمة البلجيكيّة بروكسِل في 18 آذار الجاري بين نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد الشام ناتاشا فرانشيسكي والوزير الشّيباني والوفدِ المُرافق على هامش مؤتمر الدّول المانحة لسوريا.
حملَت المُوفدَة الأميركيّة لائحة مطالبَ من الإدارة الأميركيّة لدِمشق، في مقابل رفعٍ جزئيٍّ للعقوبات عن قطاعات حيويّة في سوريا، منها قطاعات النّفط والنّقل والاتّصالات والمصرف المركزيّ.
تتلخّص المطالب الأميركيّة بالآتي:
- أن تضمَن الإدارة الجديدة أن لا يكونَ لإيران أو ميليشياتها في المنطقة أيّ موطئ قدمٍ في سوريا، وخصوصاً في مناطق الجنوب والحدود مع لبنان والسّاحل السّوريّ.
- أن لا تكونَ سوريا مُنطلقاً ولا مأوىً لأيّ جماعة تُهدّد أمنَ إسرائيل. ولا ينحصرُ هذا المطلب بـ”الحزبِ”، بل يشملُ حركة “حماس” التي يتمتّع قياديّوها بخطوط تواصلٍ متينة مع الإدارة السّوريّة الجديدة.
- أن تضمنَ الإدارة الجديدة في سوريا أمنَ وحُرّية الأقلّيّات العرقيّة والدّينيّة في سوريا.
- أن لا يكونَ للجماعات الجهاديّة الأجنبيّة، وتحديداً المجموعات الأوزبكيّة والإيغور والأتراك والأردنيين والشّيشانيين، أيّ مناصبَ قياديّة في الجيش السّوريّ الجديد أو الأجهزة الأمنيّة، وإن تمّ ذلكَ بمنحِ بعض القياديين الجهاديين الجنسيّة السّوريّة.
بحسب المصدر، حدّدَت المسؤولة الأميركيّة بعض الأسماء مثل:
- قائد الحزبِ الإسلاميّ التّركستانيّ (الإيغور) عبدالعزيز داوود خودابردي، الذي عُيِّنَ برتبة عميدٍ في الجيش السّوريّ الجديد، ومولان طرسون عبدالصّمد وعبدالسّلام ياسين أحمَد من الحزبِ نفسه، اللذان عُيِّنا برتبة عقيدٍ. إذ إنّ الحزبَ الإسلاميّ التّركستاني مُصنّف لدى مجلس الأمن الدّوليّ مُنظّمةً إرهابيّة.
- عبد الجشاري المعروف بـ”أبي قتادة الألبانيّ”، وهو قائد “جماعة الألبان” التي تضمّ عدداً من مُقاتلي البلقان، ومُدرج على قوائم الإرهاب في وزارة الخزانة الأميركيّة.
- علاء محمّد عبدالباقي، المُلقّب بـ”أبي محمّد ضياء”، وهو مصريّ الجنسيّة، ومحكومٌ عليه بالسّجن المُؤبّد في مصر، وقياديّ في “هيئة تحرير الشّام”، وتولّى عدّة مناصب فيها منذ 2014.
- تفكيك ما بقي من ترسانة السّلاح الكيمياوي التي كانَت لدى نظام بشّار الأسد، واستعداد الولايات المُتحدة للتعاون مع دمشق لتدمير ما بقي من هذا المخزون.
- أن تُقدِّم دمشق المساعدة في البحثِ عن الصّحافيّ الأميركيّ المخطوف أوستن تايس، الذي اختطفه النّظام السّوريّ السّابق في عام 2012. وقد أكّدَت المسؤولة الأميركيّة أنّ الدّلائل والتّقارير التي كانت تصل إلى العاصمة الأميركيّة واشنطن قبل فرار بشّار الأسد، كانت تُؤكّد أنّ تايس لا يزال حيّاً.
- المُساعدة في مكافحة الإرهاب. وقد شكرَت فرانشيسكي الوفد السّوريّ على الإسهام في تقديم معلوماتٍ عبر قطر وتركيا، ساعدت في استهداف الولايات المُتّحدة بعضَ قياديّي داعش في الشّمال السّوريّ. وقد طلبَت المسؤولة الأميركيّة تعزيز هذا التّعاون “لما لذلكَ من مصلحة مُشتركة تؤدّي إلى استقرار سوريا وتعزيز الثّقة الأميركيّة بالإدارة السّوريّة الجديدة”.
عرَضَ الوفدُ الأميركيّ، في حال تنفيذ المطالب، أن تُصدِرَ الإدارة الأميركيّة إعفاءات من العقوبات عن القطاعات الحيويّة، وإصدار بيانٍ يُؤكّد دعم الولايات المُتحدة لوحدة الأراضي السّوريّة واستقرارها. إذ إنّ صدور بيان كهذا يُشكّلُ دعماً أساسيّاً لإدارة الشّرع، خصوصاً في وجهِ الأطماع الإسرائيليّة الرّامية إلى إنشاءِ دويلة درزيّة في الجنوبِ، وكرديّة في الشّمال الشّرقيّ، بالإضافة إلى أطماع إيران لاستعادة دورها عبر المناطق العلويّة في السّاحل السّوريّ.
سوريا: أوقفوا إسرائيل
في المُقابل طلبَ وزير الخارجيّة السّوريّ من الموفدة الأميركيّة أن تُساعِدَ بلادها في الضّغط على إسرائيل لوقف انتهاكها للسّيادة السّوريّة. وقال الشّيباني لفرانشيسكي إنّ سلوكَ إسرائيل في جنوب سوريا، واستهداف مواقع في سوريا، يُساهمُ في تقويض جهود الإدارة الجديدة لبسطِ السّيطرة على كامل الأراضي السّوريّة ومُكافحة الإرهاب. ومن شأن الانتهاكات الإسرائيليّة أن تُوجِدَ ذرائع لظهور مجموعات تحملُ شعارَ “مقاومة إسرائيل”، وهو ما يُسهّل إيجاد موطِئ قدمٍ لإيران في سوريا.
هذا وفنّدَ وزير الخارجيّة السوّريّ تأثير العقوبات الأميركيّة على الجهود التي تبذلها الإدارة الجديدة لمُكافحة تنظيم “داعش”. وفي الوقتِ عينه قال إنّ الاتّفاق بين أحمد الشّرع ومظلوم عبدي من شأنِه أن يُعزّزَ مكافحة التنظيم في شرق سوريا ومنطقة الحدود مع العِراق.
كانت الإدارة السّوريّة الجديدة قد استبقَت الاجتماع بتوقيع اتّفاق بين الرّئيس السّوريّ أحمد الشّرع وقائد “قوّات سوريا الدّيمقراطيّة” (المدعومة أميركيّاً) مظلوم عبدي في العاشر من الشّهر الجاري. إذ يُمكن قراءة هذا الاتّفاق كورقةِ “حسنِ نيّة” قدّمتها الإدارة السّوريّة الجديدة لواشنطن في ما يتّصل بضمان أمنِ الأقلّيّات العرقيّة والدّينيّة، وأنّ دمشق لا تسعى إلى تقويض مصالح واشنطن في المنطقة.
سياسة إدارة ترامب في سوريا: عدمُ اليقين
يطغى عدمُ اليقين على سياسة الإدارة الأميركيّة في سوريا. إذ إنّ التّصريحات الأميركيّة ركّزَت على مسائل دعم الأقلّيّات وإدانة التطرّف الإسلاميّ. وهذا يشيرُ إلى وجودِ وجهات نظرٍ مُختلفة في أروقة القرار في العاصمة الأميركيّة حولَ كيفيّة التعاطي مع الإدارة الجديدة في دمشق.
كانَ موقفُ وزير الخارجيّة ماركو روبيو مُتشدّداً في الإشارة إلى ما سمّاه “التطرّف الإسلاميّ” في سوريا. وهذا يتقاطع مع الموقف الإسرائيليّ الذي عبّر عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدّفاع يسرائيل كاتس، اللذان وصفا الحكمَ الجديد بأنّه “إسلاميّ مُتطرّف إرهابيّ”.
لكنّ موقفَ روبيو كانَ أقلّ حدّةً ممّا كانَ يُريده بعض المسؤولين في مجلس الأمن القوميّ، الذين ينظرون إلى الحكم الجديد في سوريا على أنّه امتدادٌ لتنظيم القاعدة. وتنظرُ أوساط وزارة الخارجيّة بشكلٍ مُختلفٍ عن البيت الأبيض المُتماهي مع الموقف الإسرائيليّ تجاه سوريا. لا يُخفي دبلوماسيّو الخارجيّة حرصهم على عدم التّماهي مع موقف إسرائيل، التي تضغطُ في واشنطن بهدف إضعاف الحُكم المركزيّ في دمشق.
هذا ما يُؤخّر اعتماد سياسةٍ واضحةٍ في الولايات المُتّحدة حيال الملفّ السّوريّ. لكنّ لقاء فرانشيسكي – الشّيباني يُشير إلى أنّ جناح الخارجيّة الذي يميلُ إلى اعتماد سياسةٍ مُتوازنة في سوريا أخذَ فرصتهُ في الوقتِ الحاليّ، فيما تأخّر الإدارة السّوريّة عن تطبيق المطالب الأميركيّة سيصبّ في مصلحة جناح الأمن القوميّ الذي يميلُ بوضوحٍ إلى تبنّي رؤية تل أبيب وتقويض الإدارة الجديدة في دِمشق.
هل تستجيبُ دمشق سريعاً وتسحبُ البساط من تحتِ تل أبيب؟ أم استثقال مطلب التّخلّي عن الأجانبِ سيُعزّز موقف إسرائيل؟
الجواب في ما سيُقرّره أحمد الشّرع.
ابراهيم ريحان