بقلم حسن فحص
«أساس ميديا»
على عكس التعامل مع الرسالة الأولى من الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المرشد الأعلى للنظام الإيراني السيّد علي خامنئي في أواسط حزيران 2019 التي حملها رئيس وزراء اليابان الأسبق شينزو آبي حينها ولم يجرؤ أيّ من المسؤولين تسلّمها بعد موقف المرشد الأعلى الرافض لذلك، يبدو أنّ تحوّلاً جوهرياً قد حصل في موقف القيادة الإيرانية من رسالة ترامب الثانية، التي تمّ التعامل معها بمستوى من الدبلوماسية التي تترك الباب مفتوحاً أمام إشارات إيجابية تهدف إلى عدم الدفع باتّجاه المزيد من التصعيد أو كسر كلّ الجسور التي قد توصل إلى تفاهمات وحلول.
لا شكّ أنّ الظروف الموضوعية التي أحاطت بكلتا الرسالتين وتوقيتهما تحمل الكثير من الأبعاد التي تفرض على الطرفين أخذها بالاعتبار والتعامل معها لأنّها تشكّل عاملاً حاسماً في رسم الموقف والتداعيات التي قد تنجم عن أيّ قرار قد يتّخذانه.
كان الرفض الإيراني لتسلّم الرسالة الأولى قائماً على ما يملكه النظام من أوراق قوّة في الإقليم، وحجم التضخّم الذي وصل إليه الدور الإيراني وما يتمتّع به من نفوذ إقليمي، والدور الذي تلعبه القوى التي تشكّل المحور الذي تقوده طهران في الإقليم، بالإضافة إلى رفع شعار واضح ومباشر يهدف إلى “تحرير” منطقة غرب آسيا من الوجود الأميركي، وهو ما شكّل محطّة رئيسة ومحورية في كلّ مواقف وخطابات المرشد الأعلى وقيادات الفصائل والميليشيات المتحالفة مع إيران في الإقليم.
شكّل وجود كبار قادة المحور مثل قائد “قوّة القدس” الجنرال قاسم سليماني والأمين العامّ لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله بشكل أساس، ومعهما القيادة العسكرية لحركة حماس في قطاع غزة ممثّلة برئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار وقائد كتائب القسام محمد ضيف، وما يتمتّعون به من قوّة ونفوذ وكاريزما في الإقليم وتأثيرهم على كلّ مفاصل المحور، عامل قوّة للنظام الإيراني سمح له برفع سقف المواجهة مع إدارة ترامب حينها ورفض التجاوب مع رغبته في التفاوض أو التعامل مع الرسالة التي وجّهها للمرشد بالحدّ الأدنى من الدبلوماسية.
وضع المحور تغيّر
بعد خمس سنوات وتسعة أشهر، في الثاني عشر من شهر آذار 2025، وصل المستشار الرئاسي الإماراتي أنور قرقاش إلى العاصمة الإيرانية طهران، حاملاً رسالة ترامب الثانية. وهي رسالة تأتي في مرحلة دقيقة وحرجة بالنسبة للقيادة الإيرانية التي تواجه سلسلة من التحدّيات نتيجة للتداعيات التي شهدتها منطقة غرب آسيا بعد سلسلة الضربات التي أصابت المشروع الإقليمي لإيران وما لحق به من خسائر، خصوصاً على الساحتين اللبنانية والسوريّة.
تختلف الرسالة الأميركية الجديدة في جوهرها عن الرسالة الأولى. فإذا ما قامت مبادرة ترامب عام 2019 لفتح باب التفاوض على أساس المساومة بين العقوبات الاقتصادية وبين قبول إيران بشروط واشنطن النووية والنفوذ الإقليمي، فإنّ الرسالة الجديدة تأتي في لحظة لم تعد تملك فيها طهران ما كان سابقاً، خصوصاً في ظلّ غياب أو تغييب القيادات المحورية والأساسية عن المشهد.
صدرت الرسالة الأميركية الجديدة عن الرئيس الذي أصدر الأوامر بتنفيذ اغتيال قائد قوّة القدس الجنرال قاسم سليماني ومعه قائد أركان الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس أو “سليماني العراق”. وهي أيضاً رسالة من إدارة أميركية اختلفت طبيعتها الحزبية لكنّها كانت شريكاً وغطاءً لقرار التخلّص من الأمين العامّ لـ”الحزب” في لبنان. علاوة على الغطاء الكبير والحاسم الذي لعبته في الضربة القاسية التي تعرّضت لها حركة حماس في قطاع غزة، وصولاً إلى الدور الذي لعبته في إنهاء النظام السوري، إلى جانب تحييدها للفصائل العراقية وإخراجها من المعادلة الإقليمية ووضعها أمام تحدّيات داخلية وصراع الاستمرار والبقاء أو الذوبان ومواجهة النهاية المرّة.
الوسيط العُماني
الشروط الأميركية – الترامبيّة المسرّبة من الرسالة، والتي كشف عنها أحد السياسيين الإيرانيين عبر التلفزيون الرسمي، تتحدّث عن التزام إيران بالتخلّي عن الدعم الذي تقدّمه للفصائل المتحالفة معها في الشرق الأوسط، وفي مقدَّمها الحلقة الباقية في اليمن وما بقي من دعم لـ”الحزب” في لبنان. إلى جانب تفكيك البرنامج النووي ووقف أنشطة تخصيب اليورانيوم. وهي شروط تعيد إلى الذاكرة الشروط الاثني عشر (12) التي أعلنها وزير خارجية ترامب في رئاسته الأولى مايك بومبيو في نيسان 2018 بعد أيام من إعلان ترامب الانسحاب من الاتّفاق النووي والعودة إلى سياسة العقوبات الاقتصادية المشدّدة والخانقة.
الحرب التي أعلنها ترامب على جماعة الحوثي في اليمن قد يكون الهدف منها توجيه رسالة جديدة للنظام في طهران، مفادها أنّ المبادرة إلى توجيه هذه الضربات قد تكون نتيجة الموقف الإيراني المتمسّك بالورقة اليمنية، وأنّ النجاح في هذه الحرب وتحييد الدور الحوثي سيعني أنّ طهران ستكون أمام واحد من خيارين: إمّا القبول بالتفاوض والقبول بكلّ الشروط الأميركية، وإمّا أن تواجه المصير اليمني، أو المصير السوري، الأمر الذي تلقّفته القيادة العسكرية لحرس الثورة عندما تحدّث قائدها حسين سلامي عن ردّ ساحق ومدمّر إذا ما تعرّضت إيران لأيّ اعتداء.
قد تساعد هذه التطوّرات على فهم الموقف الموارب الذي اعتمدته طهران في التعامل مع رسالة ترامب التي حملها المبعوث الإماراتي أو تلك التي حملتها الصواريخ على اليمن، وتصبّ مسارعة وزير الخارجية عباس عراقتشي لزيارة نظيره العُماني البدر بوالسعيدي في إطار مساعي الحفاظ على الباب مفتوحاً أمام حوار محتمل، مع محاولة تدوير الزوايا حتى لا تتحوّل هذه المفاوضات إلى هزيمة أو نكسة سياسية للنظام مفتوحة على جميع الاحتمالات والتداعيات السلبية داخلياً وإقليمياً.
حسن فحص