بقلم وليد شقير «اساس ميديا»
يحتاج مشروع الاتفاق على وقف الحرب في غزة إلى المزيد من التمحيص والتفاوض بين إسرائيل و”حماس” عبر الوسطاء. لم يخفِ الرئيس جو بايدن أنّ ما أعلنه الجمعة الماضي “سيكون حوله بعض الاختلافات في التفاصيل التي ينبغي العمل عليها”، فالتوصّل إلى ما أعلنه تطلّب تفاوضاً متعدّد الأطراف إسرائيلياً وفلسطينياً وعربياً، بعد فشل الاتفاق مطلع أيار الماضي. يسعى بايدن إلى انتزاع ملفّ الحرب من بنيامين نتنياهو لتغيير صورته أمام الشباب الأميركي في حزبه، كداعم للمجازر ضدّ الفلسطينيين.
مع شبه إجماع المراقبين على اعتبار اندفاع الرئيس الأميركي نحو وقف الحرب في غزة، لأسباب انتخابية، فإنّ لمشروع الاتفاق وظائف عدّة. التدقيق في التعابير التي استخدمها بايدن لدفع معارضي الاتفاق في إسرائيل و”حماس” إلى القبول به يقود إلى استنتاجات لافتة وأسئلة.
تفاوض وضغوط سبقت الإعلان
تقصّد بايدن أن ينسبه لإسرائيل بعدما ضمن موافقتها، فيما علّق مكتب نتنياهو بأنّ الحرب لن تنتهي قبل القضاء على “حماس”. فإلى الإجازة الأميركية لجيش إسرائيل أن يدخل إلى “محيط” مدينة رفح في 7 أيار الماضي جرت ضغوط ومفاوضات من جهة مصر وقطر على “حماس”، ومن جهة أميركا على نتنياهو. هذا على الرغم من أنّ الأخير حصل على تعويض من الحزب الجمهوري بدعوته إلى إلقاء كلمة في الكونغرس خلافاً لإرادة بايدن. فخصوم بايدن يعملون على استمالة أصوات اليهود الذين تصبّ معظم أصواتهم تقليدياً للديمقراطيين، أي لمصلحة دونالد ترامب. وبايدن يعمل على تثبيت تأييدهم له، ويطمح إلى ترميم ما فقده وسط ليبراليّي حزبه، من رافضي الدعم المطلق لإسرائيل. لذلك استعاد، في إعلانه الاتفاق، السردية الإسرائيلية لهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، متجاوزاً التكذيبات الأميركية الإعلامية لروايات الاغتصاب وذبح الأطفال. وشدّد على دعمه الدولة العبرية “لمدى الحياة”. وتحدّث في المقابل عن “الجحيم” الذي عاشه الشعب الفلسطيني.
في انتظار الموافقة النهائية الإسرائيلية والحمساويّة على الاتفاق، يمكن تصنيف أبعاده كالآتي:
بايدن يستعطف الأميركيّين انتخابيّاً
1- طرح انتخابي لبايدن: خوضه الانتخابات يتطلّب عدم حصول مفاجآت دراماتيكية مع استمرار الحرب بالتسبّب بابتعاد ناخبيه عنه، وهو ما يستفيد منه دونالد ترامب، المتقدّم بالاستطلاعات. كان لافتاً استعطاف بايدن “المواطنين الأميركيين”، إذ قال: “أتحدّث إليكم بشأن المرحلة التي نحن فيها وما يمكن أن يتحقّق، لكنّني بحاجة إلى المساعدة منكم”. ولذلك تحدّث عن أهمّية عودة الرهائن، وخصوصاً الأميركيين منهم.
خفض الضغوط على نتنياهو وإنقاذ “حماس”؟
2- وسيلة لخفض الضغوط الدولية والداخلية عن نتنياهو وإسرائيل: لم تشكّل مجزرة قصف إسرائيل مخيّم النازحين في رفح إحراجاً لواشنطن وحدها بعد سقوط ما يناهز 100 قتيل. بل زادت عزلة إسرائيل والمطالبة الغربية بوقف الحرب، بعد قرار محكمة العدل الدولية دعوتها إلى وقف اجتياحها المدينة. فقد توتّرت العلاقة مع مصر بحدود خطيرة. يضاف إلى المشهد اعتراف إسبانيا وإيرلندا والنروج وسلوفينيا بالدولة الفلسطينية، والحبل على الجرّار. بايدن في دعوته الإسرائيليين إلى تأييد موافقة الحكومة على الاتفاق انتقد “بعض الأطراف” فيها، مشجّعاً نتنياهو بوجه بن غفير وسموتريتش. إلا أنّ العبارات المستخدمة في نصّ الاتفاق تحتمل التأويل. فبايدن أشار إلى الانسحاب الإسرائيلي من “المناطق المأهولة”، بما يترك مجالاً لأن تبقى في أخرى… وهذا مثل عن الحاجة إلى تفاوض حول ما يكتنفه الغموض.
3- البعد “الإنقاذي” لـ”حماس”: فعلى الرغم من تسبّب مقاتليها و”الجهاد الإسلامي” بخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي، في رفح، بات الوضع المأساوي للغزّيين عبئاً ثقيلاً. إذ تمّت تسوية مخيّم جباليا بالأرض. وهو ما يتطلّب التقاط الأنفاس عبر وقف الحرب. فالحركة تتطلّع إلى تفاهم معها على إدارة القطاع بعد الحرب، ولو لم تكن في الواجهة. لكنّ هذا يتطلّب ترتيبات فلسطينية داخلية ما زالت قيد الصياغة العربية.
الحاجة اللّبنانية لتهدئة الجبهة
4- الاتفاق حاجة لبنانية داخلية: الرئيس الأميركي اعتبر أنّ وقف حرب غزة “يفتح الباب أمام احتمال إحراز المزيد من التقدّم، بما في ذلك تحقيق الهدوء على طول حدود إسرائيل الشمالية مع لبنان”. وفي الأسبوعين الماضيين، وتحديداً في الأيام الماضية، بلغت المخاوف من انفلات الأمور على جبهة جنوب لبنان ذروة جديدة. القصف المتبادل والخسائر على الجانبين تضاعفت. ولا يكاد الحزب يفخر بإنجاز عسكري لافت، حتى تعمّق إسرائيل استهدافاتها. والعكس صحيح. عزّزت المخاوف تقارير عن أنّ المستوى العسكري الإسرائيلي يدفع نحو ردّ واسع على ضربات الحزب في شمال إسرائيل، بأيّ ثمن. وأقرّت تلك التقارير بأنّ الحزب قد يردّ باستهداف مواقع استراتيجية في العمق. لكن على الرغم من اعتداد الحزب بالقدرة على إنزال الخسائر بإسرائيل، فإنّه يتطلّع إلى وقف حرب غزة لتفادي ارتفاع الدمار والقتل في لبنان.
زيارة باقري كني للتهدئة جنوباً؟
في ظلّ هذا التشابك والتداخل بين جهود سائر الدول في الإقليم وعلى الصعيد الدولي، ما هو دور طهران، فهي الحليف الأساسي لـ”حماس” وللحزب وكلّ قوى الممانعة المنخرطة في الحرب من اليمن إلى العراق ولبنان؟
لا يستبعد مطّلعون أن تكون زيارة وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني لبيروت أمس، في سياق صيانة جهود وقف الحرب.
وعلى الرغم من تكهّن أوساط في بيروت بأنّ زيارته تأتي في سياق التصعيد، تشير مصادر متعدّدة لـ”أساس” إلى العكس. فالاتصالات الحثيثة التي سبقت إعلان بايدن عن اتفاق وقف الحرب، مع مصر وقطر، والجهود التي بذلتاها مع “حماس”، شملت إيران. تذكّر هذه المصادر بجملة وقائع منها:
– باقري كني كان شارك في المباحثات الأميركية الإيرانية التي توصف عادة بـ”غير المباشرة” في سلطنة عُمان. في 11 أيار الماضي، حضر كني ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك إلى مسقط. كذلك القائم بأعمال المبعوث الأميركي إلى إيران أبراهام بالي. البحث تناول حسب موقع “أكسيوس” الإخباري الأميركي عواقب تصعيد أذرع طهران في المنطقة، وموضوع الملفّ النووي. وتمّ تبادل الرسائل عبر الوسيط العُماني.
باقري في السعودية؟
– أكّدت المصادر المتعدّدة لـ”أساس” ما تسرّب عن حضور باقري كني إلى السعودية أثناء زيارة مسؤول الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان. مباحثات سوليفان الذي التقى وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الظهران في حينها أحدثت تقدّماً كما هو معروف في إنجاز مسوّدة الاتفاق الاستراتيجي بين واشنطن والرياض. ومن المعروف أنّ سوليفان انتقل بعدها من المملكة إلى إسرائيل، خصوصاً أنّ البحث شمل موضوع وقف الحرب على غزة.
– تردّد في حينها أنّ الجانب السعودي أبدى حرصاً على ألّا يتسبّب الاتفاق الاستراتيجي بموقف إيراني سلبي. ولمّحت الرياض العارفة بلقاءات الحوار الأميركية الإيرانية، إلى أهميّة بذل جهد مع طهران لضمان عدم حصول ردّة فعل إيرانية سلبية.
– الجانب الأميركي تواصل مع باقري كني الذي حضر إلى السعودية. وفي هذا الشأن تتعدّد الروايات. واحدة تقول إنّه التقى الجانب الأميركي بشكل مباشر، وأخرى تقول إنّه شارك في اجتماع مع الجانبين الأميركي والسعودي وإنّ البحث تناول أيضاً وقف حرب غزة. وهو اضطرّ إلى العودة سريعاً إلى طهران، فزيارته حصلت في اليوم نفسه لسقوط طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في 19 أيار.
– باقري كني كان مع عبد اللهيان من الداعين إلى الانفتاح في العلاقات مع الجوار والغرب، وبالتالي لتهدئة الصراعات الإقليمية. فهل دوره في بيروت التناغم مع ما يمكن إنجازه على صعيد اتفاق وقف الحرب ضد غزة الذي تريده طهران منذ بدء الردّ الإسرائيلي على “طوفان الأقصى؟
وليد شقير