إسرائيل تواجه خطراً وجودياً

بقلم: توماس فريدمان

“نيويورك تايمز”

إسرائيل التي عرفناها إلى زوال، عبارة كانت عنوان مقال كتبه الصحفي والمحلل السياسي الأميركي توماس فريدمان في الرابع من تشرين الثاني 2022 بُعَيْد فوز الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل الآن بالانتخابات التشريعية آنذاك.

وفي مقاله هذا الأسبوع بصحيفة نيويورك تايمز، قال فريدمان إنه كان يقصد بتلك العبارة أن تكون بمثابة تحذير للفت الانتباه إلى مدى تطرف هذا الائتلاف.

أن الكثيرين “لم يوافقوني الرأي، وأعتقد أن تطورات الأحداث أثبتت خطأهم بعد أن أصبح الوضع الآن أسوأ من ذي قبل، فإسرائيل التي عرفناها إلى زوال، وهي اليوم تواجه خطرا وجوديا”.

أن إسرائيل تواجه قوة إقليمية عظمى متمثلة في إيران التي تمكنت من وضع إسرائيل “في كماشة” باستخدام من وصفهم بوكلائها في المنطقة.

إسرائيل لا تملك ردا عسكريا أو دبلوماسيا، أنها تواجه احتمال نشوب حرب على 3 جبهات في قطاع غزة ولبنان والضفة الغربية، ولكن مع تطور جديد خطير وهو أن حزب الله في لبنان -على عكس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)- مزود بصواريخ دقيقة يمكن أن تدمر مساحات شاسعة من البنية التحتية لإسرائيل، من مطاراتها إلى موانئها البحرية إلى حرم جامعاتها إلى قواعدها العسكرية إلى محطات توليد الطاقة.

وإزاء هذه التطورات، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يجد مناصا من أن “يبيع ضميره” ليشكل حكومة مع متطرفين يمينيين يصرون على أن إسرائيل يجب أن تقاتل في غزة حتى “النصر التام” بقتل آخر عنصر من حماس، ويرفضون أي شراكة مع السلطة الفلسطينية “لأنهم يريدون سيطرة إسرائيلية على كل الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك غزة”.

نتنياهو فعل ذلك من أجل البقاء في السلطة لتجنب احتمال إيداعه السجن بتهم تتعلق بالفساد.

مع انهيار مجلس الحرب الإسرائيلي المصغر بسبب افتقاره إلى خطة لإنهاء الحرب والانسحاب الآمن من غزة، فإن المتطرفين بالائتلاف الحاكم يخطون خطواتهم التالية من أجل السيطرة على السلطة.

ضرر كبير

وعلى الرغم من أن هؤلاء المتطرفين تسببوا في كثير من الضرر فإن الرئيس الأميركي جو بايدن، واللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (أيباك) وأعضاء كثيرين في الكونغرس، لم يبذلوا جهدا لفهم كم هي متطرفة هذه الحكومة. ولم يكن موفقاً قرار رئيس مجلس النواب مايك جونسون وزملاءه في الحزب الجمهوري بدعوة نتنياهو لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة بالكونغرس يوم 24 تموز المقبل. ان الهدف غير المعلن من هذه الدعوة هو إحداث شرخ بين أنصار الحزب الديمقراطي من شأنه أن يُنَفِّر الناخبين والمانحين اليهود الأميركيين ويجعلهم يتحولون إلى التصويت لصالح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية.

إن نتنياهو يدرك أن هذا كله يتعلق بالسياسة الأميركية الداخلية، ولهذا السبب فإن قبوله دعوة التحدث أمام الكونغرس لا يعدو أن يكون تصرفا ينطوي على “الغدر” بالرئيس بايدن الذي كان قد هُرع إلى إسرائيل للإعراب عن وقوفه معها بعد هجوم حركة حماس عليها في السابع من تشرين الأول.

حكومة معتدلة

ان إسرائيل بحاجة إلى حكومة معتدلة واقعية يمكنها أن تخرجها من هذه الأزمة متعددة الأوجه، لافتا إلى أن ذلك لن يتحقق إلا بالإطاحة بنتنياهو من منصبه بانتخابات جديدة.

إن الحكومة الإسرائيلية الحالية -خلافا لأي حكومة سابقة- أدرجت فكرة ضم الضفة هدفا في اتفاق الائتلاف الحكومي، لذا فليس من المستغرب أن يستغرق عامها الأول في محاولة إجهاض صلاحية المحكمة العليا في وضع أي رقابة على سلطاتها.

مع كل كلمة كتبها رئيس الوزراء السابق إيهود باراك بصحيفة هآرتس الخميس الماضي، والتي جاء فيها أن إسرائيل تواجه “الأزمة الأكثر جدية وخطورة في تاريخها” والتي بدأت في 7تشرين الأول “بأسوأ فشل في تاريخ إسرائيل”.

ان باراك حذر في مقاله بأنه إذا سُمح للحكومة الحالية بالبقاء في السلطة، فإن إسرائيل لن تجد نفسها عالقة في غزة فحسب بل ستجد نفسها على الأرجح “في حرب شاملة مع حزب الله في الشمال، وانتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، وصراع مع الحوثيين في اليمن والمليشيات العراقية، وبالطبع صراع مع إيران نفسها”.

جر للحرب

ان على الولايات المتحدة أن تقلق من هذا التحذير، لأنه “وصفة” لجرها إلى حرب في الشرق الأوسط لمساعدة إسرائيل وهو ما سيكون بمثابة حلم روسي وصيني وإيراني يتحقق.

غير أن الأمر المفاجئ -في مقال نيويورك تايمز- أن فريدمان يؤيد فكرة السماح لرئيس حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، بإدارة القطاع بعد أن تضع الحرب أوزارها. ويبرر ذلك بأن الخيار المطروح في الوقت الحالي (أن تدير إسرائيل القطاع أو تصبح غزة صومالا آخر) هو بديل أسوأ بكثير.

اقتراح نتنياهو بأن يدير القطاع “فلسطينيون مثاليون” لا ينتمون إلى حماس أو السلطة الفلسطينية، نيابة عن إسرائيل، هو ضرب من الخيال.

توماس فريدمان

التعليقات (0)
إضافة تعليق