بقلم محمد السماك
«أساس ميديا»
كانت الثقافة الدينية للمتطرّفين اليهود تقوم على أساس وجوب العمل على إقامة دولة يهودية. تطوّرت هذه الثقافة اليوم وأصبح الأساس هو وجوب العمل على منع إقامة دولة فلسطينية… فهل يقرّبهم هذا من خطر الحرب الأهلية في الداخل الإسرائيلي؟
يتجسّد مشروع المتطرّفين اليهود اليوم في تهويد كلّ أراضي الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات وربطها بإسرائيل أمنيّاً واقتصادياً.
في شهر حزيران الماضي منحت الحكومة الإسرائيلية التراخيص لبناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية تتّسع لخمسة آلاف وثلاثمئة منزل على مساحة 1,200 هكتار. وشرّعت مواقع أقامها المستوطنون بالقوّة العسكرية بما ينتهك اتفاق أوسلو (1993) بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
لم يعد الواجب الديني التوراتيّ للحركة الصهيونية إقامة دولة لليهود، لكن تطوّر الواجب باتجاه منع إقامة أيّ كيان فلسطيني فوق أيّ جزء من الأرض التي يسمّونها “الأرض التوراتيّة”، أي التي تشمل كلّ الضفة الغربية (يهودا والسامرة). هذا ما يفسّر عمليات توسيع المستوطنات اليهودية من جهة، وتصعيد العمليات العسكرية التي تستهدف هدم بيوت الفلسطينيين وإحراق مزارعهم من جهة ثانية.
الإيمان الديني – الصهيوني في تعابيره الجديدة انتقل من البحث عن وطن يهودي، إلى تصفية أيّ شكل من أشكال الوطن الفلسطيني. الأرض المقدّسة، كما تقول الحركة الصهيونية الاستيطانية الجديدة، لا تتّسع لشعبين. إنّها هبة الله لليهود، وما أعطاه الله لا يصادره أحد. ولا يشارك فيه أحد.
المستوطنون يصرخون: لقد عدنا
يشكّل “سكّان” المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية حاليّاً خُمس سكّان إسرائيل. هم يعتبرون أنّ أسوأ ما تعرّضوا له هو تصفية المستوطنات في غزة في عام 2005 وإجلاء سكّانها الثمانية آلاف إلى العمق الإسرائيلي. ويرفع هؤلاء اليوم من خلال غزو قطاع غزة شعار “لقد عدنا.. واسترجعنا.. ولن ننسحب مرّة ثانية”.
من هنا ينظر المستوطنون إلى الحرب على غزة على أنّها حرب العودة واستعادة المستوطنات، وهو ما يعزّز من الموقف السياسي لرئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو. رفع جنود إسرائيليون أثناء عمليات اقتحام غزة شعارات: لقد عدنا.. ولن ننسحب مرّة ثانية.
لكن سبق للإسرائيليين قبل ذلك أن انسحبوا من صحراء سيناء في مطلع الثمانينيات وفكّكوا المستوطنات التي أقاموها هناك إثر ونتيجة اتفاق كامب ديفيد مع مصر. فأيّ تسوية تنتظر وقف الحرب في غزة؟
يستوطن الآن في الضفة الغربية وحدها أكثر من نصف مليون يهودي تجمّعوا من مناطق مختلفة من العالم، وخاصة من الولايات المتحدة. يُضاف إلى ذلك استيطان 200 ألف يهودي آخرين في شرقي القدس التي احتلّتها إسرائيل في عام 1967 وضمّتها إليها. وتحاول من خلال هذا الاستيطان أن تفرض أمراً واقعاً ليس على الفلسطينيين وحدهم، إنّما على المجتمع الدولي أيضاً. القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة تؤكّد عدم شرعية الضمّ، ولا شرعية المستوطنات. إلا أنّ إسرائيل تعتمد على شرعية القوّة العسكرية التي تتبنّاها المرجعية السياسية وتخضع لابتزازها الدول الكبرى.. والدول الأخرى؟!
هكذا حدث لمرتفعات الجولان السورية المحتلّة في عام 1967. وهكذا حدث أيضاً وقبل ذلك للقرى اللبنانية السبع التي ضمّتها إسرائيل إليها في عام 1949 بالقوّة المسلّحة. اليوم وفي ضوء الحرب الإسرائيلية على غزة، ترتفع موجة التطرّف الصهيوني أكثر من أيّ وقت مضى. والترجمة العملية لهذه الموجة هي الاستيطان، وتحديداً في الضفة الغربية.
الحرب في غزّة والعين على الضّفّة
صحيح أنّ رحى الحرب الإسرائيلية تدور في غزة، لكنّ الهدف من وراء الحرب هو في الضفة الغربية، حيث تتسارع وتيرة الاستيطان اليهودي من جهة، ووتيرة التدمير التهجيري للفلسطينيين من جهة ثانية. وذلك تمهيداً لضمّ يهودا والسامرة (الاسم اليهودي للضفة الغربية). وهو الضمّ الذي من دونه لا تكتمل النواة الدينية للدولة اليهودية.
يتطلّع اليهود المتشدّدون إلى استبدال التشريع الديني اليهودي “هالاشا” بالقوانين المعتمدة حالياً. وهو الأمر الذي لا بدّ منه حتى تكون إسرائيل دولة يهودية تلتزم بالشريعة اليهودية (؟) وليس بقوانين وضعية، وحتى تكون كذلك يفترض أن تكون دولة لليهود حصراً وبالمطلق.
من هنا يلعب نتنياهو ورقته السياسية. فهو يوظّف موقف اليهود المتشدّدين برفض منظومة القوانين الحالية واستبدال بها الهالاشا للطعن بالمحكمة العليا التي يهرب من مواجهتها بتهم الفساد والرشوة. ذلك أنّ إسقاط القوانين التي تحكم بها المحكمة العليا، يُسقط شرعيّتها وينقذ رأس نتنياهو من الإدانة.. ولكنّ ذلك يضع “الدولة العبرية” أمام خطر الحرب الأهلية التي حذّر منها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت.
محمد السماك