أوّل حكومة لبنانية لبنانية منذ 50 عاماً

كتب عوني الكعكي:

نعم، وأقولها بالفم الملآن: إنها أول حكومة لا يتدخل فيها أحد أو أن يسمّي بها أحد وزيراً، أي يمكن القول إنها أول حكومة يكون ولاء الوزراء فيها للبنان أولاً وأخيراً… وهنا لا أنكر وجود وزراء مرّوا على لبنان منذ عام 1975، وكانوا لبنانيين مائتين في المئة… ولكن للأسف كان ولاء البعض للذين عيّنهم أو اختارهم.

وقبل الدخول في عملية التقييم لا بدّ من العودة الى ظروف الحرب التي مرّ بها لبنان…

نبدأ ببداية الحرب الأهلية وذلك بعد «اتفاقية القاهرة» حيث انقسم اللبنانيون بين مؤيّد للعمل الفدائي الفلسطيني وبين رافضين لهذا العمل.

الرافضون ذهبوا الى التسلّح بسبب أنهم لم يعودوا يثقون بالدولة. هذا الانقسام أدّى الى بداية حرب أهلية استمرت من عام 1975 الى عام 1989. أي الى «اتفاق الطائف».

في الحقيقة، كان تشكيل الحكومات اللبنانية يتم في سوريا، لأنّ الرئيس حافظ الأسد عندما دخل لبنان من أجل إيقاف الحرب الأهلية، استطاع أن يسيطر على لبنان، وأصبحت الحكومات اللبنانية تشكل في دمشق ووفق إرادتها.

استمرت هذه الحالة الى عام 2000، يوم توفي الرئيس حافظ الأسد في 10 حزيران 2000.

الرئيس الهارب بشّار الذي تسلم سوريا بعد وفاة والده، لم يستطع أن يسيطر على لبنان إلاّ نظرياً… وَلْنقل الحقيقة كما هي، صار بشار ألعوبة بيد قاسم سليماني والشهيد السيّد حسن نصرالله.

ومن منا لا يتذكر الصورة التي جمعت الرئيس بشار الأسد مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ومعهم الشهيد حسن نصرالله. هذه الصورة تؤكد أن إيران كانت هي صاحبة الكلمة العليا في لبنان وسوريا والعراق وغزة واليمن.. وهذا ما أكده الملك عبدالله بن الحسين ملك الأردن حين حذّر من «الهلال الشيعي».

ومنذ عام 2000 أصبحت الحكومات في لبنان تشكّل في طهران، والأخطر الأحداث التي حصلت في لبنان وما تركته من آثار سلبية.

أولاً: لو كان الرئيس حافظ الأسد موجوداً لبقي الحريري على قيد الحياة.. إذ أصبح معروفاً وواضحاً أن القرار الإيراني بتصفية رفيق الحريري قد نُفذ، لأنه كان يشكل عائقاً أمام تخريب لبنان كما تريد دولة ولاية الفقيه.

ثانياً: عام 2000 عندما انسحبت إسرائيل وللمرة الأولى من أرض عربية، احتلتها عام 1982، من دون قيد او شرط، كان هذا الانسحاب من لبنان. وعندما حاول الرئيس الشهيد رفيق الحريري أن يرسل الجيش اللبناني الى الجنوب، كما جاء في اتفاق الهدنة مع إسرائيل، «قامت الدنيا ولم تقعد»، واعتُبر الرئيس الشهيد رفيق الحريري عقبة أمام احتلال ولاية الفقيه للبنان.. لذلك لا بدّ من التخلص منه، وهكذا تمّ الاتفاق بين ولاية الفقيه والرئيس بشار الأسد على التخلص من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فكلّفت جماعة ولاية الفقيه في لبنان مع المخابرات السورية بتنفيذ العملية.

وكما ذكرنا، فإننا عشنا منذ عام 2000 تحت رحمة ولاية الفقيه، وهذا ما كان يحصل:

1- لا يتم انتخاب رئيس بسبب ذرائع كاذبة، إلاّ بعد مرور سنتين على انتهاء العهد، وهذا ضمن مخطط لتدمير لبنان…

2- لا تشكل حكومة إلاّ بعد سنة كاملة على الأقل، حيث يقوم «الحزب العظيم» بفرض كامل شروطه على أسماء الوزراء وأسماء الوزارات تحت شعار: المقاومة والجيش والشعب.. وكأنّ المقاومة أصبحت العنصر أو العمود الأساسي للدولة اللبنانية… وبقيت هذه الحالة الى أن دخل «الحزب» في معركة إسناد غزة التي كانت نتائجها مدمّرة وكارثية على لبنان وعلى الشعب اللبناني.. والأهم على المقاومة نفسها التي وقعت فريسة الطائرات الإسرائيلية التي قضت على الأخضر واليابس، ومن سلبياتها:

أولاً: القضاء على سيّد المقاومة الشهيد حسن نصرالله، والشهيد ابن خالته هاشم صفي الدين وفؤاد شكر وغيرهم من كامل الصف الأول في القيادة العليا للحزب.

ثانياً: عملية «البيجر» قضت على 4000 مقاوم وألف فقدوا أبصارهم وألف فقدوا أرجلهم وأيديهم… وباتوا مع آخرين معاقين جسدياً.

ثالثاً: اتفاق وقف النار الذي توسّل «الحزب» للحصول عليه، أثبت أن كل كلام عن المقاومة صار من التاريخ، وأنّ ما يسمى بجنوب الليطاني أو شماله تحوّل الى منطقة تشبه الى حد كبير مدينة غزة المنكوبة.

لا شك أن انتخاب الرئيس جوزاف عون، بعد رفض انتخابه من فريق الممانعة لمدة سنتين، والطريقة التي تم انتخابه بها، بـ99 صوتاً، أثبتت أن عهداً جديداً يعيشه لبنان في هذه الأيام.

كذلك الاستشارات التي أجريت وتم اختيار الرئيس نواف سلام بـ84 صوتاً، لم تكن لتحصل لولا المتغيّرات التي حصلت على الأرض.

أخيراً، هذه الحكومة التي تمّ تشكيلها من مجموعة خبراء واختصاصيين، غير مرتبطة بما يسمّى الممانعة والمقاومة… وطريقة اختيار الوزراء تؤكد أن عهداً جديداً بدأ في لبنان، حيث أصبحت الحكومات اللبنانية تشكل في لبنان وصناعة لبنانية، ومن دون الثلث المعطل وشعارات المقاومة والجيش والشعب…

اليوم دخلنا عصراً جديداً، أي عدنا الى الجذور، أي تشكيل الحكومة أو انتخاب رئيس للجمهورية بقرار لبناني مئة بالمئة ومن دون أي تدخل.

aounikaaki@elshark.com