أهي الحرب الميدانية الشاملة أم الحرب النفسية الكاملة..؟

بقلم د. باسم عساف

ضمن أهداف تسوية أحداث المنطقة العربية الوسطى، وتوزيع مغانمها على كل المشاركين في تطبيق خارطة الطريق لإقامة شرق أوسط جديد يقوم على تكريس كيانات وكانتونات الجماعات والطوائف والمذاهب بتسويةٍ شاملةٍ كإتفاقيةٍ دوليةٍ، بدل التي تكرَّست مع (إتفاقية يالطا)، عقب الحرب العالمية الثانية وتوزيع المنطقة على أشكال الدُّول والأوطان، المرسومة الحدود والأنظمة والقوانين وإنتقاء الاعلام المفبركة لكل دولة، من قبل الإنكليز والفرنسيين، الذين إحتلّوها بعد الحرب الأولى وطبَّعوها بطباعهم، وكرَّسوا فيها مناهجهم وطرق معيشتهم وأفكارهم، حتى إذا ماإنسحبوا منها، لتؤول إلى خلفائهم ومخلفاتهم، لأجل أن يتأكدوا من مواصلة مسيرتهم، بما زرعوه في هذه الأرض الخصبة.

بالفعل، فقد وجدوا أن الأرض خصبة للزراعة، من بعد الفراغ الكبير بالمنطقة العربية، بعدما إنحسرت عنها السلطنة العثمانية والدولة التركية، إثر خسارتها في الحرب الكونية الأولى، فما كان من بريطانيا إلا زرع الكيان اليهودي في فلسطين، والإقرار بدولة لهم في الأمم المتحدة، تحت إسم( دولة إسرائيل)، وما كان من فرنسا إلا وأقامت الكيان اللبناني تحت إسم دولة لبنان الكبير سنة/ ١٩٢٠، والذي تحول إلى الجمهورية اللبنانية سنة /١٩٤٣، وأيضاً الكيان السوري الذي تحول إلى الجمهورية العربية السورية فيما بعد كما لبنان، وهكذا تكرَّست إتفاقية يالطا في المنطقة التي توزَّعت إلى كيانات على حجم الأتباع والأنصار، من العائلات أو العشائر والقبائل، أو بعض الأحزاب المركبة على قياس الموالين، من الذين صدَّروهم وصنعوا منهم زعماء، ليكونوا قادة هذه الدول بأساليب شيطانية مبهرجة إنطلَت على الشعوب المقهورة.

الإعتداءآت والغارات وحتى الأحداث والحروب التي أدَّت إلى إجتياحات وإحتلال وتوسع، حتى بلغت العاصمة بيروت وأكثر من نصف لبنان، والأهم هو بوجود من ساندهم ووقف معهم في أكثر من موقع، وفي أكثر من موقف، جعل من هذا العدو يستصغر ألمقاومة ويستكبر في شروطه، وقد يتناسى ما جعلت منه عملية طوفان الأقصى، ليكون جيشه هو الجيش الذليل، الذي يُقهر بأبسط الوسائل وأقلّ العدَّة والعدد، بعيداً عن جامعات ومعاهد وكليات البحث العلمي والإستراتيجي والعسكري التخصصي ، وقد إنتصرت الإرادة على الصاروخ، والعزيمة على الغارات، وبات الإلتحام المباشر هو معيار المواجهة والحرب على الأرض، وهي غيرها تماماً بما تستخدمه منظومة الإحتلال من الجو بعمليات القصف العشوائي، من طائرات ومسيرات القتل والإجرام والتدمير والإبادة، ومعها يظل يُجرجِر قتلاه وجرحاه ومعطوبيه، على أكثر من جبهة يَدَّعي تحريرها والسيطرة عليها، وهي التي لا تزال تطلق الصواريخ على غلاف غزة، وتكثر فيها الكمائن التي تمعِن بجيش الكيان، مزيداً من الهزائم المعنوية قبل البشرية، وهو المؤشِّر على نجاح المقاومة الباسلة، وإنتصارها بالحرب النفسية قبل العسكرية لهذا العدو الغاشم.

إن المتغيرات الميدانية في حرب قطاع غزة، وفي جنوب لبنان الموازي للشمال من الكيان الصهيوني، خاصةً وأن قواعد اللعبة أو الإشتباك، قد إختُرِقَت كثيراً وتجاوزتها العديد من العمليات، التي تظهر التوسع بهذه الحرب، وشمول أماكن أخرى أبعد من نطاق حرب الإستنزاف، وقاعدة العين بالعين.. مع تأكيد الموفدين والمسؤولين في الغرب والشرق على عدم توسُُعها، والدخول بمتاهات أخرى قد لا تحمد عقباها، ولا أحد في المنطقة يتمنى لها أن تكون، بعدما شهد العالم ما حلَّ بقطاع غزَّة، وما شهده الجنوب اللبناني من دمارٍ وخرابٍ وحرقٍ للأراضي الزراعية وقتل للمدنيين وإبادة لهم، لتجسِّد ذلك مجدداً في الجبهة الشمالية، وتوسُّعها لتشمل لبنان كله، وربما تتوسع لتشمل المنطقة العربية كلها، كما يتردد ذلك على ألسنة قادة جيش العدو، بتهويلاتٍ وتحدِّياتٍ وتصاريح مدويةٍ، على أن الحرب ستبدأ غداً وأن لبنان سيعود إلى العصر الحجري.

يقول المثل الشعبي: (لو بدَّها تشتي، لكانت غيَّمت)، فالكيان الغاصب لم يخرج حتى الآن، وبعد تسعة أشهر من القتال المرير، بالرمال المتحركة التي عَلَق بها، وهو يُخلي قتلاه وجرحاه يومياً، في حالاتٍ لم يشهَدها ويلمِسها بتاريخه الملطخ بدماء غيره، واليوم هو مضرَّج بدماء جنوده.

الكيان الغاصب على هذه الحال، وأكثر تعقيداً من الناحية النفسية لهم، لتأتي تهويلاته بإجتياح لبنان وتدميره، أو بإطلاق الشائعات من هنا وهناك، ضمن حربهم النفسية، حتى كانت آخرها، إشاعة خبر وجود مستودعات الصواريخ والمعدَّات العسكرية في مطار بيروت، وهي صادرة عن إحدى كُبرَيات الصُحف الإنكليزية (ديلي تلغراف)، ليضربوا أكثر من طير بحجر واحد، وهذا يدلُّ على الإفلاس الكامل عند الكيان وأعوانه، في ظلِّ الثبات وتعاظم ردَّات المقاومة وضربها لتجمعاته ومستوطناته، التي هرب منها سكانها، وباتوا عبئاً على قادتهم وحكومتهم، لإيجاد الحَلّ أمام تشريدهم ونزوحهم ووقف أعمالهم.

فيما الأضرار متعاظمة لدى الكيان على كل الصعد، وفي ظلِّ عدم تنفيذ أيِّ شرطٍ، من شروط إعلان الحرب على غزة، وحماس بالذات، إلا الهزيمة والضياع والتخَبُّط برعونة المجرم (نتن ياهو)، فأنَّى لهم التهديدات والتوعد بحربٍ ميدانيَّةٍ شاملةٍ، وهم غارقون بحربٍ نفسيَّةٍ كاملةٍ.

د. باسم عساف

 

التعليقات (0)
إضافة تعليق