المحامي د. أسامة العرب
تسعى صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس لتحقيق وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وبدء مفاوضات السلام. كما أن هذه الصفقة المعقدة تمتد على ثلاثة مراحل لمدة 132 يومًا، وتفتح آفاقًا جديدة نحو نهاية الحرب في نهاية المطاف وإحلال السلام في المنطقة.
تشمل المرحلة الأولى التي مدتها 42 يومًا، الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين من النساء والجنود والجرحى والأطفال والمسنين؛ وذلك مقابل إطلاق سراح 600 أسير فلسطيني تختارهم حماس، مع خلاف حالي حول حق إسرائيل في النقض. أما الإجراءات المتبعة، فهي تتمثل بانسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق المأهولة في غزة، مما يسمح بعودة النازحين إلى منازلهم. إلى جانب ذلك، سوف يتم إطلاق المختطفين الإسرائيليين تدريجيًا كمجموعات صغيرة، مما يمنح حماس وسيلة للضغط على إسرائيل.
أما المرحلة الثانية التي مدتها 42 يومًا أيضًا، فتتمثل بإطلاق الأسرى الإسرائيليين من الرجال، من الجنود والشبان المختطفين، في مقابل إطلاق سراح عدد غير محدد حاليًا من المعتقلين الفلسطينيين وفقًا لمعايير ما يزال هنالك خلاف عليها. كذلك، فستستمر المفاوضات في هذه المرحلة بشأن الوقف الدائم لإطلاق النار.
أما المرحلة الثالثة، فسيصار فيها إلى إعادة جثامين القتلى، وليس لها مدى زمني محدد بدقة، حيث سيتم حينها إعادة جثامين القتلى الإسرائيليين مقابل عدد غير معروف من المعتقلين الفلسطينيين وربما جثامين فلسطينية.
وفي نهاية هذه المرحلة، يُتوقع الاتفاق على وقف إطلاق نار دائم ونهاية الحرب مع حصول حماس على ضمانات دولية بعدم شن إسرائيل عمليات عسكرية مستقبلية.
وقد أبدت حركة حماس مرونة وإيجابية، في محاولة منها لتسهيل التوصل لاتفاق بشأن صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في المراحل اللاحقة للمرحلة الأولى؛ ففي بيان لها، أكدت حماس أنها تقدم التنازلات اللازمة لتسهيل العملية، رغم تصاعد العدوان الإسرائيلي وجرائم التهجير القسري. كما دعت حماس الشعب الفلسطيني إلى الحذر من مكائد جيش العدو وعدم الوقوع فريسة للحرب النفسية التي يشنها نتنياهو وجيشه.
أما زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، فللمساعدة في تحرير الأسرى الإسرائيليين، وعد بتوفير شبكة الأمان لحكومة نتنياهو، ففي مؤتمر صحفي، أعلن لابيد عن تعهده دعمه لنتنياهو في حال أبرم صفقة تبادل الأسرى مع حماس، حتى لو استقال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش؛ حيث قال لابيد: «توجد صفقة لإعادة المختطفين على الطاولة، وليس صحيحًا أن على نتنياهو أن يختار بين صفقة مختطفين أو استمرار ولايته كرئيس للحكومة.»
ولا تزال الضغوط الدولية، لاسيما الأميركية منها، تمارس على نتنياهو لكي لا يضيّع جهود الوساطة وتحرير الأسرى، وحقيقةً تلعب الضغوط الدولية والوساطة دورًا كبيرًا في إخضاع نتنياهو، المعروف في الأوساط الإسرائيلية بأنه شخص يخشى الإقدام على أية خطوة غير مدعومة أميركيًا، كي لا يتحمل تبعاتها. وعلى هذا، فمن المقرر أن تثمر المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس بوساطة مصر وقطر وأميركا للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى وهدنة ومن ثم مباحثات لوقف إطلاق نار دائم في المرحلتين الثانية أو الثالثة؛ لاسيما بعدما أجرى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، اتصالات عاجلة مع الوسطاء محذرًا من التداعيات الكارثية للأوضاع في غزة ورفح. وصحيح أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد أدلى بتصريحات وضع فيها شروط تعجيزية لأي اتفاق محتمل، مما يعكس تعنتًا إسرائيليًا يعيق التقدم في المفاوضات، لاسيما أن الشروط الإسرائيلية تتضمن استمرار القتال حتى تحقيق الأهداف، ومنع تهريب الأسلحة، وعدم السماح بعودة المسلحين إلى شمال غزة، وإعادة أكبر عدد ممكن من الأسرى الأحياء؛ ولكن الجميع يعلم بأن هذه هي طبيعة الصهاينة في المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية منذ عام ١٩٤٨ حتى الآن، يعرضون عليك تسويات ثم يتراجعون عنها لاحقًا، للاستحصال على أكبر قدر من التنازلات.
لذلك يرى البعض بأن المفاوضات الحالية تواجه العديد من التحديات، أبرزها: أولًا سياسة المراوغة الإسرائيلية، لأن الوفد الإسرائيلي المفاوض يبدو بأنه معبأً بتوجيهات من نتنياهو بعدم تقديم أي تنازلات؛ وثانيًا قدرة إسرائيل من التملص من ضغوط إدارة الرئيس جو بايدن، نتيجة اتجاه الاهتمام الأميركي الأكبر على الداخل وعلى الانتخابات الرئاسية هناك. علاوةً على ذلك، فإن الوضع الإنساني الكارثي في غزة يشكل تحديًا إضافيًا نتيجة استشهاد وإصابة أكثر من 126 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى فقدان أكثر من 10 آلاف شخص وَسَط دمار هائل ومجاعة مخيفة قد تودي مستقبلًا بحياة مئات آلاف الغزاويين، بسبب إقفال المعابر وعدم القدرة على إيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين.
وعليه، فإن السيناريو المرجح حاليًا، يتمثل بالتوصل إلى اتفاق يشمل هدنة لبضعة أشهر وتبادل الأسرى وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. ولكن من المتوقع كذلك، أن يستمر الصراع بعد انتهاء الهدنة والتبادل، مع تكثيف العمليات العسكرية على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، مع خَشْيَة عما سيؤول إليه الوضع الإنساني حينها في غزة، لاسيما في ظل وجود مساعي إسرائيلية للاستمرار باحتلال قطاع غزة، وبقاء قطع الجيش الإسرائيلي متمركزة في معبر رفح ومحور فيلادلفيا وفي وَسَط القطاع، لفصل الشمال عن الجَنُوب.
ختامًا، إن المفاوضات الجارية تمثّل فرصة حاسمة لإنهاء الأزمة المستمرة في غزة، لاسيما في ظل الوضع الكارثي الإنساني للغزاويين. ولكن الخَشْيَة أن بين الأطراف المتصارعة قد لا يؤدي مستقبلًا لوقف دائم لإطلاق النار، وتحقيق الانتصار السريع المنشود للفلسطينيين. ولكن بكافة الأحوال، فإن إبرام الصفقة في هذه الأحوال، يمثل نقطة تحوّل إيجابية نحو إنهاء الصراع بشكل دائم، ونحو إعادة تقوية فصائل المقاومة من جديد لاستكمال دورها الجهادي بتحرير أرضها وأسراها ومقدساتها، وإنه لجهاد نصرٌ أو استشهاد، وربما هكذا تخرس الأصوات التي تحاول إثارة الفتنة بين الغزاويين، من خلال الإيحاء بأن المقاومين لا يقدمون أنفسهم وأهاليهم وممتلكاتهم في سبيل قضيتهم الإنسانية، ويسعون لتكريس بقائهم في السلطة بقطاع حماس.
د. أسامة العرب