بقلم موفق حرب
«أساس ميديا»
لطالما وُصفت العلاقة السياسية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّها “شهر عسل” تقوم على الرمزيّة والإعجاب المتبادل وتطابق المصالح، لا سيما تجاه إيران. ومع ذلك، التطوّرات الأخيرة، وعلى رأسها استعداد ترامب للتفاوض مع إيران في شأن برنامجها النووي، وفرض رسوم جمركية أميركية جديدة على السلع الإسرائيلية، وزيارته المرتقبة لدول الخليج، تشير إلى نقاط توتّر محتملة في هذا التحالف القويّ.
يشير استعداد ترامب لإعادة فتح باب التفاوض مع إيران، من دون شروط مسبقة، إلى تحوّل دراماتيكي عن سياسة “الضغط الأقصى” التي تبنّاها في ولايته الأولى. وقد يكون هذا التحوّل جزءاً من أجندته الأوسع في السياسة الخارجية، وهي كسب صفقة جديدة وتفادي صراع عسكري وتحقيق نصر دبلوماسي، لكنّ هذا التحوّل يمثّل مصدر قلق كبير لإسرائيل.
لطالما اعتبر نتنياهو أنّ إيران تمثّل تهديداً وجوديّاً لإسرائيل، وأنّ أيّ تقارب أميركي – إيراني، خاصة إذا ترافق مع رفع العقوبات أو السماح لإيران بالحفاظ على البرنامج النوويّ، ولو بصيغة مطمئنة لواشنطن، سيُنظر إليه في تل أبيب على أنّه تخطٍّ للخطوط الحمر.
إذا مضى ترامب قُدُماً في هذا المسار، فقد يجد نتنياهو نفسه مضطرّاً إلى معارضته علناً، كما فعل في عهد باراك أوباما، وهو ما قد يُنهي فعليّاً مرحلة التنسيق الهادئ. لكنّ نتنياهو يدرك جيّداً أنّ معارضة ترامب ستكون لها تبعات سياسية عليه، خصوصاً أنّ حلفاء إسرائيل من الجمهوريّين في مجلسَي النواب والشيوخ الذين تلجأ إليهم عادة تل أبيب لعرقلة سياسات البيت الأبيض التي تراها غير مناسبة لها، لا يجرؤون على معارضة ترامب، الذي يمسك بمفاصل الحزب الجمهوري صاحب الأغلبية في مجلسَي النوّاب والشيوخ.
الرّسوم الجمركيّة تزيد التّوتّر
إلى ذلك أدّت الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة بنسبة 17% على المنتجات الإسرائيلية إلى إضافة بُعد اقتصادي للتوتّر. وقد جاءت هذه الخطوة في إطار سياسة “أميركا أوّلاً” التي ينتهجها ترامب، لكنّها أثارت القلق في تل أبيب.
من منظور نتنياهو، لا تمثّل هذه الرسوم عبئاً اقتصاديّاً وحسب، بل هي مؤشّر رمزيّ إلى أنّ إسرائيل لم تعد تتمتّع بالمعاملة الخاصّة التي اعتادتها في واشنطن. يواجه نتنياهو ضغوطاً داخلية لحماية العلاقات التجارية مع تأثر الصادرات الإسرائيلية. وإذا فشل في تخفيف هذه الرسوم، فقد تتفاقم التوتّرات بين تل أبيب والبيت الأبيض، خاصة إذا أبرمت واشنطن صفقات تجارية مع دول الخليج تستثني إسرائيل.
تشير زيارة ترامب المرتقبة للسعوديّة والإمارات، وربّما قطر، مدفوعاً بمصالح الطاقة والاستثمار والأمن، إلى تركيز متجدّد على العلاقات الخليجية. وعلى الرغم من أنّ اتّفاقات أبراهام التي رعتها إدارة ترامب كانت إنجازاً دبلوماسيّاً كبيراً لإسرائيل، فإنّ تقارب ترامب المحتمل مع إيران قد يؤدّي إلى تراجع في أهميّة هذا التحالف الإقليمي.
هل تُهمَّش إسرائيل
إذا حاول ترامب إعادة بناء محور أميركي – خليجي مع تخفيف العداء لإيران، فقد تجد إسرائيل نفسها مهمّشة في الحسابات الإقليمية. وإذا فضّلت واشنطن مصالحها الاقتصادية مع الدول العربية على حساب الشراكة الاستراتيجية مع تل أبيب، فسيُنظر إلى ذلك على أنّه تهميش لإسرائيل.
في ولايته الأولى، أيّد ترامب بشكل واضح سياسات إسرائيل: اعترف بالقدس عاصمة لها، وقطع المساعدات عن الفلسطينيين، وأوقف مفاوضات السلام. ومع ذلك، قد تعود القضيّة الفلسطينية إلى الواجهة تحت ضغط دولي وإقليمي.
لقد أدّت الأحداث الأخيرة في غزّة، وتصاعد الاستيطان، والضغوط من بعض دول الخليج (مثل السعودية التي تربط التطبيع بالدولة الفلسطينية)، إلى تزايد الاحتمالات بأن يعيد ترامب طرح مبادرة سلام حتّى لو كانت شكليّة.
حلّ الدّولتين… يزيد الشّرخ
ترفض حكومة نتنياهو الحاليّة، المتشدّدة، أيّ تنازل في قضايا مثل تجميد الاستيطان، والقدس، وقيام دولة فلسطينية. وإذا قدّم ترامب إشارات، ولو خفيفة، إلى حلّ الدولتين لإرضاء شركاء عرب أو أوروبيين، فقد يؤدّي ذلك إلى شرخ واضح في العلاقة بينه وبين نتنياهو.
في قلب التوتّر يكمن التناقض بين عقيدة ترامب “أميركا أوّلاً” وافتراض نتنياهو أنّ واشنطن ستظلّ دائماً في صفّ إسرائيل. ترامب ينظر إلى الشرق الأوسط من زاوية مصلحيّة: الطاقة، مكافحة الإرهاب والعوائد الاقتصادية، وإنّ من شأن تزايد مصالح أميركا في المنطقة تجاريّاً وحتّى عسكرياً أن يشكّل قلقاً لإسرائيل.
مع إعادة تموضع ترامب في المنطقة، سواء تجاه إيران أو الخليج أو التجارة، قد تجد إسرائيل نفسها مطالَبة بكسب الاهتمام الأميركي بدلاً من اعتباره مضموناً. نتنياهو في زيارته المقبلة لواشنطن غداً سيحاول أن يستشرف هدف ترامب النهائي من التفاوض مع إيران، وعليه تقديم شيء غير الإطراء والمديح للرئيس الأميركي للاحتفاظ بتأييده.
على الرغم من أنّ القطيعة ليست وشيكة، فقد تتحوّل العلاقة من تحالف حميم إلى علاقة مشروطة تقوم على تبادل المصالح. وإذا شعر نتنياهو أنّ ترامب يضحّي بمصالح إسرائيل الجوهرية من أجل مكاسب دبلوماسية أو اقتصادية، فقد يصبح الصدام العلنيّ مسألة وقت.
موفق حرب