بقلم د. ابراهيم العرب
في واحدة من أكبر الهجمات الأوكرانية على روسيا في الحرب المستمرة منذ عامين، اخترق حوالي ألف جندي أوكراني الحدود الروسية في الساعات الأولى من صباح السادس من آب بالدبابات والمركبات المدرعة وأسراب من الطائرات المسيرة والمدفعية. حيث قال القائم بأعمال نائب حاكم منطقة كورسك إن القوات الروسية تقاتل بضراوة في بلدة سودجا بالمنطقة وتتصدى للجنود الأوكرانيين هناك.
وواصلت القوات الروسية معاركها ضد القوات الأوكرانية لليوم الرابع على التوالي في أعقاب توغلها في الحدود الروسية بمنطقة كورسك، في هجوم جريء على أكبر قوة نووية في العالم أجبر موسكو على استدعاء جنود احتياط؛ وذلك بعدما توغلت القوات الأوكرانية في الحقول والغابات الحدودية باتجاه الشمال من بلدة سودجا، وهي آخر نقطة شحن تعمل حاليًا لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا.
ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهجوم بأنه «استفزاز كبير»، فيمَا زعم البيت الأبيض أن الولايات المتحدة، لم تكن على علم مسبق بالهجوم وتسعى للحصول على مزيد من التفاصيل من كييف؛ فيمَا قال الرئيس الروسي السابق، واليد اليمنى لبوتين، دميتري ميدفيديف إن الهجوم الأوكراني هو محاولة من كييف لإجبار روسيا على نقل قواتها من خطوط المواجهة الرئيسية ولأن تظهر للغرب أنها لا تزال قادرة على القتال. كما أنه نتيجة لهذا الهجوم، يتعين على روسيا توسيع أهداف حربها لتشمل أوكرانيا بالكامل. كما أضاف أنه من هذه اللحظة، يجب أن تتوسع العملية العسكرية الخاصة لتتجاوز الحدود الإقليمية لأوكرانيا؛ وأنه يتعين على القوات الروسية الذَّهاب إلى أوديسا وخاركيف ودنيبرو وميكولايف وكييف وأبعد من ذلك بكثير.
كما ذكرت وزارة الدفاع الروسية، في يوم الجمعة، أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية المناوبة، دمرت 75 طائرة مسيرة أوكرانية، بالإضافة إلى 7 زوارق مسيرة في البحر الأسود كانت متجهة نحو شبه جزيرة القرم.
من جهة أخرى، فإن مقاطعة بيلغورود تعرّضت كذلك لهجوم واسع النطاق نهار الجمعة من قبل القوات الأوكرانية، باستخدام الطائرات المسيرة، حيث أعلن حاكم المقاطعة، فياتشيسلاف غلادكوف، أن قوات الدفاع الجوي الروسية تمكنت من إسقاط 29 مسيرة أوكرانية.
يأتي هذا،فيمَاا تعرضت منطقة ليبيتسك الروسيّة هي الأخرى في ذات الوقت، لهجوم أوكراني «ضخم» بطائرات مسيرة، ما ألحق أضرارا بمحطّة كهربائيّة، وبالبنية التحتيّة للطاقة، ما أدّى إلى انقطاعات في التيّار الكهربائي، حسبما أعلن حاكم المنطقة الذي سارع لإعلان حالة الطوارئ في بلديّة ليبيتسك وأمر بإخلاء 4 قرى محيطة لضمان سلامة المواطنين الروس هناك.
كذلك، فقد اشتعلت النيران في قاعدة جوية عسكرية في منطقة ليبيتسك الروسية، تبعد حوالى 300 كيلومتر من الحدود مع أوكرانيا؛ كما نقلت الوزارة الإقليمية لحالات الطوارئ أن حريقًا اندلع في مطار عسكري في منطقة ليبيتسك، من دون أي توضيح أو ذكر للتفاصيل.
كما كان لافتًا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، لم يكن ليتجرأ على مثل هكذا خطوات لولا الدعم الأميركي والأوروبي المطلق له، لاسيما أنها جرت بعد استلام أوكرانيا لعدد من طائرات «إف 16»، التي أضيفت لسرب طائراتها ال ميغ 25 والسوخوي سو-27، الأمر الذي أعطى زيلنسكي دفعة رمزية وقوية للمغامرة أكثر في الحرب المشتعلة بينه وبين روسيا منذ شباط 2022؛ ولكن حتى الآن لم تصله إلا 10 مقاتلات إف 16 من أصل ال 79 طائرة أميركية الموعود بها، وذلك في اليوم الأخير من شهر تموز، وبحلول نهاية عام 2024 ستصله 10 أخرى، أما العدد الباقي فسيكتمل خلال عام 2025.
كما أشار «معهد دراسة الحرب (ISW)» إلى أن مصدر روسي أفاد بأن القوات الأوكرانية استولت على 45 كيلومترًا مربعًا من الأراضي الروسية، فيمَا أفادت مصادر روسية أخرى، بأن القوات الأوكرانية استولت على 11 موقعًا روسيًا إجماليًا؛ أما زيلينكسي فقد تجرأ على القول بأن روسيا «جلبت الحرب إلى بلادها، وأن عليها أن تشعر بتداعيات ما قامت به في أوكرانيا».
ولكننا نرى بأنه من غير المرجح أن تتمكّن أوكرانيا من الاستيلاء على المقاطعات الروسية لمدة طويلة، أو أن تتمكن من بسط سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي الروسية، لعدّة أسباب، أولها امتلاك روسيا لسرب كبير من طائرات السوخوي سو-57 التي تعادل بقوتها تقريبًا قوة طائرات ال f-35 وال «f_22 رابتور»، التي يمتلكها الأميركيون، ولامتلاكها أيضًا أنظمة دفاع جوي «إس 500 برومتي» و«إس 400 تريومف» الأكثر تطورًا من أنظمة الدفاع الجوية الأميركية ال THAAD وال «باتريوت باك-3»، فيمَا لا يمتلك الأوكرانيون كثيرًا من الإمكانيات العسكرية، وسيكون الحفاظ على قوة أوكرانية متوسّطة أو قليلة الحجم في روسيا أمرًا صعبًا بالنسبة إلى الأوكرانيين.
وعلى ما يبدو، فإن الأميركيين الذين كانوا وراء هذا الاجتياح للأراضي الروسية، أرادوا توجيه ضربة معنوية إلى هيبة روسيا التي كانت بالأمس تهدّد الأوروبيين وتستعرض تفوّق منظومتها النووية. كما أرادت إرسال إشارة إلى الأوروبيين بأن أوكرانيا لا تزال مستمرة في قتال الروس ويمكن مدّها بأحدث أنواع الأسلحة والطائرات والدبابات والمسيّرات لإضعاف الاتحاد الروسي واستنزافه ميدانيًا، ريثما تنكسر شوكته ويرضخ لضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات. كذلك، فقد سعى الأميركيون لدفع القوات الأوكرانية لأسر المزيد من الجنود الروس تمهيدًا لعقد صفقات تبادل أسرى معهم في المستقبل؛ إلى جانب، تهديد الخطوط الخلفية للقوات الروسية لدفعها للانسحاب من المناطق الأوكرانية المحتلّة، والسعي لإنشاء «منطقة عازلة» حول خاركيف.
ولو كانت أميركا تكترث فعلًا بأوكرانيا، لمَدّتها كربيبتها إسرائيل، بأكثر من 2200 دبابة، و530 مدفعًا، و339 طائرة هجوم برية مقاتلة تتوزع بين «إف 16» (F16) و»إف 15″(F15) و»إف 35″(F35) ومروحيات هجومية من طراز أباتشي، و5 غواصات، و49 سفينة قتال للدوريات البحرية؛ ولكانت منحت أوكرانيا أنظمة دفاع متطورة، أقلها نظام القبة الحديدية المخصّص لاعتراض وتدمير الصواريخ قصيرة المدى، ونظام الباتريوت باك- 3؛ ولكانت أرسلت لها الأسلحة النووية، وصواريخ باليستية وطائرات قادرة على حمل رؤوس نووية.
ختامًا، إن أميركا تستغل أوكرانيا وتحارب بشعبها في مواجهة الدولة الأقوى التي تنافسها عسكريًا على الصعيد العالمي، وتحاول إنهاكها وتفتيتها كما حصل في السابق مع الاتحاد السوفياتي، ولكنها لا تريد حربًا مباشرةً معها، لأنها تخشى على نفسها من قنابلها الهيدروجينية، وبالأخص قنبلة إيفان الكبير كما أسماها الروس، والمعروفة بقنبلة القيصر النووية في الغرب، والتي هي أقوى قنبلة نووية تم صنعها وتفجيرها على الإطلاق في تاريخ البشرية.
في النهاية، من المعروف بأن إدارة الرئيس جو بايدن الديمقراطية، منحت منذ بضعة أشهر أوكرانيا الإذن بضرب الداخل الروسي بالأسلحة الأميركية، وهذا ما يُثبت أن الولايات المتحدة الأميركية هي من تتحمل المسؤولية عن المغامرة الأوكرانية، وعن كل عواقبها التي قد تؤدي لاسمح الله لاندلاع حرب نووية لا تحمد عقباها، وما هذه بسياسة دولية سليمة تنتهجها أميركا، راعية الكيان الغاصب إسرائيل، وإباداته الجماعية في غزة، وما هكذا أيها الرئيس بايدن تستطيع الدول العظمى أن تحافظ على تفوّقها وتقدّمها واستمراريتها، وإن اللبيب من الإشارة يفهم.
د. ابراهيم العرب