بقلم د. طالب سعد
باحث في الاقتصاد السياسي والاجتماعي
أستغرب هذا الصمت المجتمعي العضوي غير الطارىء على تفاصيل لا بد لها وأن تطرح علامات استفهام في عقول ما تبقى من مجتمع عاقل أو حتى مجنون، يعاني الانفصام الخطير على موجات ارتدادية عالية، ولكن دون أن يشعر بها وكأن الاستقرار سيد الموقف، والهدوء الراهن، يمكن اعتباره نسبياً مع وقف التنفيذ.
ومن دون أن أطيل أو أدخل بمقدمات لم يعد يرغب بها اللبناني «المستعجل» وراء إما تأمين قوته وقوت عياله، أو تعبئة فراغه بأرغيلة ينفخ عليها فينجلي هو، من كثرة الملوثات الفكرية والنفسية التي تحيط به وببيئته الحاضنة. فأبدأ سريعا بأسئلتي التي تبدو اقتصادية ولكن دون أن أجد لها إجابات في كتب الاقتصاد العلمية او حتى السياسية، على أمل أن لا تكون مدونة في محفوظات الاقتصاد المافياوي الذي بات مسيطرا على سائر العلوم والقواعد والمعايير:
كيف توفر هذا الكم من الدولار في السوق النقدي بكل فئاته الورقية بيسرة وسهولة لدرجة تجعلك تظن أن ثمة بنك مركزي محلي قادر على طباعة العملة الدولارية من فئة الدولار والخمسة والعشرة الى المائة، شرط أن لا تقبل الا ان تكون جديدة؟
هل هناك جهات خاصة قادرة على التحكم بالسوق النقدي كي تظهر أن المشكلة كانت فقط مع رياض سلامة أو أن مجلس نقدي خفي يدير السياسة النقدية؟
ماذا حصل لشركة كهرباء لبنان ذات العجز المالي المزمن والتي لها حساب خاص من خارج الموازنة «غير الموزونة» – والتي أشبعت انتقادات وتعليقات دون جدوى – حتى باتت تستطيع تأمين ساعات تغذية غريبة تصل الى حدود 12 ساعة يوميا في بعض المناطق اللبنانية التي تجعل من الأمر مستهجنا وخارج عادة اللبنانيين وتصورهم، وان كان التمييز بينهم وبين مناطقهم أمرا ثابتاً عادياً، والممول له يبقى المنتج والآدمي الذي يدفع علنا فاتورة السارق والمتخلف عن الدفع؟ ناهيك عن استقرار حالة أصحاب المولدات التي تتماهى وتنسق في العمل مع دوام شركة كهرباء لبنان!!
هل نجحت فكرة تخصيص الكهرباء في ظل صمت دعاة حماية أصول الدولة ومكانتها من خلال هيمنة مولدات الكهرباء (الحزبية الخاصة) المنتشرة بين الازقة والاحياء السكنية بشكل احتكاري، عشوائي وخطير؟
كيف استطاع أن يحقق ميزان المدفوعات اللبناني فائضا يصل لحدود 1.6 مليار دولار نهاية العام 2023 وذلك كأول مرة خلال العقدين الاخيرين باستثناء حركة الهندسات المالية المشبوهة عام 2016، بالرغم من تراجع حجم الاقتصاد والناتج المحلي الى أدنى من 20 مليار دولار بعد أن كان بحدود ال 55 مليار قبل العام 2019.
فهل للمصارف المعطلة عن العمل دور لهذه البحبوحة غير المقصودة؟
كيف توفر الدواء والغذاء والطحين والبنزين والمازوت والسلع الكمالية والاساسية، بالرغم من حجم الفقر الكبير والتفاوت الاجتماعي الواضح ونسب البطالة المتزايدة وغير المعلنة في ظل استمرار ارتفاع نسب التضخم التي لا زالت تأكل بصمت كل محاولات الانتاج الخجولة من اختراق هشاشة الاقتصاد وضعف الامكانات وسياسات التحفيز المطلوبة والموجودة فقط في قواميس آدم سميث وجون كينز وميلتون فريدمان؟
هل حصل تجار السوق السوداء على ضمانات احتكارية وعائدات مربحة ومكتسبات خاصة لهم؟
كيف استطاعت المالية العامة أن تؤمن مواردها وأن تضبط شهية «جماعة» القطاع العام في الكسب دون انتاجية أوعمل، فعادت مؤسسات الدولة لشبه انتظام ولو خارج عن القانون من خلال سلطة استنسابية خاصة بالدوائر والافراد، حيث باتت السلطة لمن يقبض والخدمة لمن يدفع أكثر، وأصبحت موارد الدولة تعتمد على ضرائب دولارية تأكل من صحن المنتج والمستثمر لحساب معرقل الانتاج والعمل؟
فهل تحولت المالية العامة للدولة «شريك مضارب» بالارباح دون دفع التكاليف من ضمان اجتماعي وصحي وتقاعدي، ومقرات عمل حزبية تحت اسم النظام؟
كيف يمكن لمجتمع أن يعود ويستنجد بنفس الخبراء الاقتصاديين والسياسيين الذين قالوا يوما ما للناس أجمعين، أي قبل وقوع الأزمة بأيام وأسابيع قليلة، أن الليرة بخير وأن الاقتصاد اللبناني مزدهر وأن النظام المصرفي اللبناني هو الأقوى في المنطقة.. أن يعود ليسأل هؤلاء نفسهم، ويستضيفهم عبر الشاشات المختلفة، كيف يكون الحل، وكيف تعود الودائع، وما هو دور الصناديق السيادية في إعادة الاموال، وكأننا نسينا دور الصناديق المختلفة في اعادة الاعمار وكلفتها التي لا تزال تلزم الاجيال المقبلة بالأعباء المالية الطائلة؟
فهل هؤلاء شركاء في صناعة الازمة وشركاء في عدم إيجاد الحل الحقيقي والفعلي؟
سأكتفي بنصف دزينة من الأسئلة الكثيرة التي لا تزال تخطر ببالي حول الأزمة اللبنانية الخطيرة والنموذجية في كشف أسرار الادارة المالية والسياسية والاقتصادية، والتي وللأسف نجحت في تطويع المجتمع لارادتها عبر ادارتها الخبيثة وتشكيلتها السياسية المتداخلة والخبيرة في صناعة الازمة وادارتها وإيجاد البدائل المناسبة لها.
سأترك الاجابات للقارىء اللبناني والعربي، ان كان طالبا أو أستاذا أو باحثاً او مواطناً يائسا يشرب فنجان قهوته ويقرأ صحيفته، ورقية كانت أم إلكترونية، دون أن يكون لديه الرغبة في نهاية الجلسة أن يطب فنجانه لإحدى العرافات أو العرافين، لينتظر معرفة قدره.
د. طالب سعد