أردوغان 2025: “ستتأقلمون مع تركيا الجديدة” برئاستي

بقلم د.سمير صالحة

«اساس ميديا»

عندما تصل درجة البرودة إلى 6 درجات تحت الصفر ويكون 60 ألف مناصر بانتظارك على أبواب مدخل قاعة المؤتمر العامّ للحزب، ثمّ يتكرّر المشهد نفسه منذ عام 2002، فأنت حتماً أكثر من محظوظ.

المقارنة والتشبيه كانا في يوم واحد تقريباً على خطّ أنقرة – برلين: ألمانيا ذهبت إلى انتخابات محلّية مبكرة لصناعة تحالف حزبي سياسي جديد سيقوده اليمين هذه المرّة، وسط فرحة الناخبين وتظاهراتهم على الرغم من موجة البرد والصقيع. وتركيا ذهبت إلى مؤتمر حزبي جديد للعدالة والتنمية وسط أجواء ثلجية مشابهة، لاختيار الفريق الذي سيقوده رجب طيب إردوغان نحو الانتخابات المقبلة، إمّا في موعدها بعد 3 سنوات، أو قبل ذلك بكثير، إذا ما استطاع “تحالف الجمهور” صناعة السيناريو الذي يريده.

الفارق بين الحدثين أوجزه إردوغان وهو يغمز من قناة نتائج انتخابات ألمانيا بقوله إنّ “تركيا هي وحدها القادرة على إنقاذ أوروبا من مأزقها السياسي والاقتصادي والعسكري الذي تعيشه اليوم. العضوية الكاملة لتركيا في الاتّحاد الأوروبي قد تكون البداية”.

حقيقة قد تعجب البعض وقد تغضب آخرين. قد يكون هناك الكثير من المآخذ التي توقّفنا عندها في السنوات الأخيرة وتتعلّق بأسلوب إردوغان وقراراته في الداخل والخارج. وقد يكون يواجه معضلة إقناع البعض بشأن طروحاته عن التغيير والتجديد وأشكال رحيل ومغادرة العشرات من رفاقه في الحزب منذ التأسيس حتّى اليوم. لكنّه في النهاية الواقع الواجب قبوله: رجب طيب إردوغان هو دينامو “حزب العدالة والتنمية ” منذ عام 2001 حتّى اليوم، وهو من يعدّ لمسار وشكل الحقبة المقبلة في صفوف حزبه بعد إجماع 1,547 مندوباً حضروا المؤتمر الثامن للحزب على إعادة انتخابه. وبعد نجاحه في استقطاب 8 نوّاب جدد من مقاعد المعارضة، وتمكّنه من إبقاء “تكتّل الجمهور” موحّداً خلفه، يرفده عند اللزوم داخل البرلمان وخارجه.

استيعاب الهزيمة

يتعلّم إردوغان من أخطائه دون أن يتحدّث عن ذلك. يترك مسألة “هضم” الخسارة لعاملَي الوقت والفرص. اختلف مع أقرب مساعديه ومحازبيه في قضايا داخلية وخارجية كلّفت الكثير، لكنّه نجح دائماً في “استيعاب” الهزيمة والتغلّب على الوجع وارتداداته المكلفة. “أزاح” الأصوات المعارضة في الحزب وسط انتقادات حادّة، كما حدث مع أحمد داوود أوغلو قبل عقد، لكنّه أثبت أنّه المحقّ، كما قالت النائبة الأكاديمية سراب يازجي وهي تتحدّث عن أسباب انشقاقها عن “حزب المستقبل” الذي يقوده داوود أوغلو، وقرار انضمامها إلى حزب العدالة: “الجماهير ما تزال خلف إردوغان، وهو من يستطيع إقناع الكثيرين”.

دُعي إردوغان إلى التغيير الجذري في الكوادر والتوجّهات بعد هزيمة الانتخابات البرلمانية والمحلّية الأخيرة في العام المنصرم، فذكّر الجميع أنّه الفائز بفارق كبير على منافسه في المعركة الرئاسية، وأنّ عليهم التريّث والصبر، والتعامل برويّة وتأنٍّ مع خطط التغيير، بدلاً من التحرّك السريع الذي قد تكون ارتداداته موجعة.

يتمسّك الرئيس إردوغان برفع شعار “تركيا الجديدة” الذي لا يفارقه في مواقف وحالات حزبية سياسية كبيرة. لكنّه أضاف إليه عبارة متمّمة تختصر ربّما شعار الحقبة الجديدة لحزبه وتحمل رسالة للداخل والخارج معاً: “ستتأقلمون مع تركيا الجديدة”. ربّما لا يتحدّث عن “النموذج التركي” الإقليمي، ولا يريد “استفزاز” أو إقلاق البعض من جديد، لكنّه يتمسّك بالتجديد المستمرّ في السياسات والمواقف والتحالفات، وبالصعود التركي الإقليمي، وضرورة قبول ذلك والتسليم به والتعامل معه على هذا الأساس.

يقول نائب رئيس الحزب وأحد أبرز المغادرين لمناصبهم أركان قان دمير إنّ “ما نعنيه بالتغيير ليس تغيير الأسماء، بل بناء لغة ومنهج سياسيَّين جديدَين يتوافقان مع تقاليد حزب العدالة والتنمية.. هذه التغييرات لا يريدها الحزب أن تكون من خلال التبديل في الواجهة، بل من منظور أوسع وبعناصر جديدة، ورحيل من يشعر بالتعب”.

قلق المعارضة

بينما تذهب الإعلامية بتول صويصال بوزدوغان إلى ما هو أبعد من ذلك: “يُعتبر إردوغان القيادي الوحيد الذي بقي في الحكم لمدّة 23 عاماً بشكل متواصل. هذه القصّة لن تتوقّف عند هذه الفترة، بل قد تصل إلى 30 عاماً في حال حدوث انتخابات مبكرة في السنوات المقبلة”.

يقول إردوغان إنّ مهمّة التجديد والتغيير في حزب العدالة قد اُستُكملت بنجاح، وإنّ الحزب جاهز لمعركة الانتخابات المقبلة بعد 3 سنوات. يعرف إردوغان أنّ التحدّي الأوّل الذي يواجه حزبه اليوم هو معالجة المشكلات الاقتصادية التي أثّرت على نتائج الانتخابات الأخيرة. لكنّ المعارضة التركية تعرف أيضاً أنّ التحدّي الذي يواجهها لا يقلّ أهمّية عن ذلك.

ما يقلق المعارضة الآن هو احتمال جذب الحزب الحاكم للمزيد من الدعم تحت سقف البرلمان، فيحصل على ما يريد من الأصوات التي تمكّنه من الذهاب إلى الانتخابات المبكرة التي تفتح الطريق أمام حقبة جديدة لإردوغان في موقع الرئاسة، وتعيد لحزب العدالة تفرّده في الحصول على الأكثرية البرلمانية. الأعين مشدودة باتّجاه “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب”، الذي ينتظر ما سيقوله عبدالله أوجلان لأكراد تركيا والمنطقة.

 رقام تمكنه من الذهاب إلى الإنتخابات المبكرة مع الإنتخابات الرئاسية والبرلماني اال

صحيح أنّ حزب العدالة فقد الكثير من الشخصيّات والأسماء البارزة التي شاركت على مدى عقدين في التأسيس والتطوير والتغيير، وأنّه يستند على دعم حزب “دولت بهشلي” له تحت سقف البرلمان، وأنّه يعتمد على عامل إردوغان، شئنا أم أبينا، فشعبية الأخير تتقدّم دائماً شعبية الحزب في كلّ الانتخابات التي يخوضانها، إلّا أنّ الصحيح أيضاً هو أنّ حزب العدالة، بعد 23 عاماً من الحكم، ما يزال الحزب الأوّل والأقوى تحت سقف البرلمان، وأنّ المواطن التركي لم يتخلَّ عنه، وأنّه كلّما تعرّف الناخب على وضع أحزاب المعارضة المأساوي، عاد للاقتراب أكثر فأكثر من الحزب الحاكم.

د.سمير صالحة