بقلم إيمان شمص
«أساس ميديا»
لا يشارك الخبير في السياسة الخارجية الأميركية ديفيد وورمسر الذي كان المساعد الخاص مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق جون بولتون خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب “التفاؤل السائد في الولايات المتحدة، وحتى في إسرائيل، بأن لبنان بعد انتخاب جوزيف عون رئيساً له، سيستغل أخيراً انتصار إسرائيل المدمر على حزب الله لتأكيد سيادة لبنان من خلال الالتزام بالقرارين الأمميين 1701 و1955. وفي رأيه “أنّ لبنان ما زال بعيداً عن الخروج من الأزمات، وبعيداً عن تنفيذ التزاماته بموجب خطة وقف إطلاق النار على النحو اللائق، وبالتأكيد بعيداً عن الظهور كدولة هادئة تعيش في سلام مع إسرائيل”.
فالمشكلة تكمن، بالنسبة لوورمسر الباحث في مركز سياسة الأمن في واشنطن وفي معهد مسغاف للاستراتيجية الصهيونية وفي مركز القدس للشؤون الخارجية والأمنية في إسرائيل والذي عمل مستشاراً لشؤون الشرق الأوسط لنائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، “في أنّ عدم استقرار لبنان لا ينشأ عن مجموعة من القوى الخارجية، بل عن أسس الدولة اللبنانية، التي تستغلها القوى الخارجية بعد ذلك”. ويعتبر “أنّ لبنان أكثر تماسكاً وسلاماً يستوجب رفض الميثاق الوطني والعودة إلى سبب الوجود الأصلي والوحيد للبنان كأمة مسيحية إقليمية تجمع مختلف الطوائف المسيحية المجاورة في وطن يضمن الأمل في البقاء الإقليمي”.
بنية لا يمكن إصلاحها
في رأي وورمستر “أن الدولة اللبنانية ــ “الميثاق الوطني” لا يمكن أن تتطور إلى ما يأمله المتفائلون، لأنّ بنية هذه الدولة لا تتوافق مع الشكل الوحيد للبنان الذي يحتمل أن يبرر وجوده كدولة مستقلة، ناهيك عن دولة تعيش في سلام مع إسرائيل”. ويعتبر انّ هناك “تصور خاطئ شائع مفاده أنّ لبنان لم يوجد إلا نتيجة لهدية استعمارية قدّمها الفرنسيون لمجتمع مسيحي في نهاية الحرب العالمية الأولى. بينما الواقع أنّ لبنان لديه سبب أقدم وأكثر تحديداً لوجوده من أي دولة أخرى تقريباً في المنطقة باستثناء إسرائيل وإيران وتركيا ومصر. غير أنّ التعريف الاستعماري للبنان الذي تأسّس في نهاية الحرب العالمية الأولى عن غير قصد ومن باب حسن النوايا تجاه المسيحيين اللبنانيين قوّض هذا الجوهر”؟
يدّعي وومستر في مقال له في موقع مركز السياسة اليهودية، ومقره العاصمة الاميركية والذي “يقدم تحليلات للسياسات الخارجية والداخلية الأميركية ويدعم التعاون الأمني الاميركي الإسرائيلي ويدعم إسرائيل في سعيها لتحقيق الشرعية والأمن: “أن لبنان يجسد ثمرة حدث كبير: معركة عين دارة في عام 1711، حيث تحوّلت عشيرة شهاب القوية من الإسلام السنّي إلى المسيحية، وتحالفت مع عشيرة الخازن المارونية القوية، ووحدت المسيحيين غير الأرثوذكس المتبقين في قوة قوية، تحالفت جميعها مع نصف الدروز تحت عشائر جنبلاط وتلحوق وعماد وعبد الملك. انتصر هذا التحالف الماروني الدرزي على عدوهم الرئيسي – الإمبراطورية العثمانية وحكامها في صيدا ودمشق – وطرد وكلاء العثمانيين، عشائر أرسلان وعلم الدين والصواف الدرزية من جبل لبنان إلى الشرق فيما يُعرف اليوم بمنطقة جبل الدروز / السويداء في سوريا. كان العدو الرئيسي الذي تشكلت حوله الدولة اللبنانية في عام 1711 هو التهديد العثماني من دمشق ومنطقة صيدا. كان طرد الأتراك مشروعاً مسيحياً ودرزياً. ولم يكن الشيعة حتى عاملاً مؤثراً، على الرغم من أنهم أيضاً كانوا يعتبرون الإمبراطورية العثمانية عدواً لهم كان العرب السنة مجرد أداة في يدها.
وفقاً لوورمستر ” فإن الجيش والحكومة في لبنان يرتكزان على الميثاق الوطني الذي يتبنى مفهوم التوازن الطائفي بين أربع طوائف، وليس فكرة لبنان كما تأسس نتيجة لمعركة عين دارة في عام 1711 حول نواة مارونية درزية. وقد أدى هذا المفهوم المتعدد الطوائف إلى تحويل لبنان عن السبب الوحيد لوجوده: أن يكون موطناً لدولة مسيحية متحالفة مع الحليف الدرزي”.
العودة إلى الأمة المسيحية..
ويضيف:” يجسد لبنان كما تم بناؤه التعددية الطائفية، وليس التحالف الذي نشأ عن معركة عين دارة عام 1711 ونتائجها. في البداية، كانت هذه نقطة خلافية: كان الموارنة والدروز يشكلون أغلبية قوية، وبالتالي سيطروا على الدولة. ولكن الأرثوذكس لم يتقبلوا الفكرة بشكل كامل، وعلى مدار القرن العشرين، زادت أعداد السكان السنة، إلى حد كبير من خلال الهجرة، كما زاد عدد الشيعة، إلى درجة لم يعد المسيحيون يشكلون فيه الأغلبية. فتحول التوازن المتعدد الطوائف من كونه غطاءً للهيمنة المارونية إلى تحالف متهالك ومصطنع من القوى التي لم تتمكن من التغلب على بعضها البعض. وكانت أي محاولة من جانب أي فصيل للتغلب على الآخر تؤدي إلى انهيار التوازن، وانهيار النظام المدني، وتفجر الصراع العنيف. والواقع، في رأي وورمستر” أن البنية الحالية للحكومة اللبنانية ومظهرها الرئيسي، القوات المسلحة، هي مظاهر لهذا التوازن بين القوى. ومن المؤكد أن لبنان أكثر تماسكاً وسلاماً ونجاحاً يستوجب رفض الميثاق الوطني والعودة إلى سبب وجوده الأصلي والوحيد كأمة مسيحية إقليمية تجمع مختلف الطوائف المسيحية المجاورة في وطن يضمن الأمل في البقاء الإقليمي.
القوى الاستراتيجية تتدخل
يعتبر وورمستر “أنّ التهديدات الخارجية المتزايدة التي تلوح في الأفق تدفع المؤسسة المصطنعة الهشة المتمثلة في الدولة اللبنانية والجيش إلى حماية نفسها بشكل أكبر بدلاً من التصرف بحزم لاستئصال فلول حزب الله. ويرى أن عدم الاستقرار المتجذر وعدم التوافق مع نهج 1711 هما ما يجذبان هذه التدخلات الخارجية. فسوريا لم تعترف ابداً بوجود لبنان كدولة شرعية. وهي تأسست كدولة عربية متعددة الأعراق والطوائف، غير أن المزيج مختلف عن لبنان؛ فسوريا تضم مجتمعاً عربياً سنياً أكبر بكثير، مع أقليات علوية كبيرة. وكان المسيحيون في سوريا في الغالب من الروم الأرثوذكس الذين تصالحوا مع القومية العربية لأنها سمحت لهم بتحويل العدو التركي القاتل المحتمل إلى عدو عربي قابل للهضم. وإذا ظل لبنان دولة متعددة الطوائف بدلاً من دولة مارونية ضيقة مع كيان درزي، فمن الممكن تصور استيعابه من قبل سوريا.
ويكتب:” أنّ ما يثير قلق لبنان أكثر من أي شيء آخر هو أن ما ينشأ في سوريا هو دولة عربية سنية خاضعة للنفوذ التركي وربما السيادة التركية. يتدفق الأتراك على سوريا الجديدة. والآن، يستعد العدو العثماني الذي هُزم في عين دارة عام 1711 لعكس هذا الحكم ــ هذه المرة بدون حلفائه الدروز ولكن بالاعتماد على التقارب الطبيعي للسكان العرب السنة في شمال لبنان. واليوم تشعر الحكومة اللبنانية بقلق أكبر إزاء ما قد يهددها من دمشق. فالتحالف السني اللبناني مع كيان هيئة تحرير الشام الناشئ في دمشق بقيادة أحمد الشرع من شأنه أن يقوض استقلال لبنان ويخضعه للمشروع العثماني الجديد بقيادة طيب أردوغان في تركيا.
مقارنةً بهذا الخطر، يبدو حزب الله ـ في رأي وورمستر ـ بمثابة مصدر قلق بعيد وليس مشكلة حادة تتطلب اهتماماً فورياً وعاجلاً من جانب الحكومة اللبنانية المركزية وجيشها المتعدد الطوائف. بل إن الحكومة اللبنانية قد تفكر حتى في استخدام القوات المتبقية من حزب الله كأداة للتعبئة ضد التهديد السُنّي الناشئ من أنقرة ودمشق. وهذا أشبه بدعوة متعمدة إلى نهاية العالم.
يستبعد وورمستر أن تخاطر الحكومة اللبنانية – وهي مؤسسة مصطنعة ترتكز على توازن زائف – بوجودها من خلال محاولة إعادة تنظيم هياكل السلطة. فهي أكثر قلقاً بشأن الحفاظ على الاستقرار الكافي لمنع سوريا من التدخل والدخول، مما يؤدي فعلياً إلى إنهاء لبنان كدولة. ويؤكد “أنّ طريق لبنان نحو البقاء على المدى الطويل لا يكمن في هذا التوازن، بل من خلال العودة إلى جوهر ما كان من المفترض أن يكون عليه لبنان، روح عين دارة و1711. يمكن أن ينشئ لبنان مظلة استراتيجية وقائية مع قوى إقليمية أخرى، مثل إسرائيل والغرب. بالنسبة لإسرائيل، التحالف مع لبنان هو الطريقة الأكثر فعالية لتأمين حدودها الشمالية. وبالنسبة للغرب، يوفر لبنان الفرصة للحفاظ على أقدم كنائس مهد المسيحية.
ولكن، وفقاً لوورمستر” هذا يعني ضمناً حدوث اضطرابات الشعب اللبناني غير مستعد الآن لتحملها. فبعد عقود من الحرب الأهلية، قد يبدو حتى التوازن السيئ أفضل من الصراع بين الطوائف. في هذا السياق المتجنب للصراع، يجب فهم دعوة عون إلى دمج كل الميليشيات ــ والتي تمثل إعادة تجسيد للميثاق الوطني ودمج حزب الله فيه، على أنها أكثر من مجرد دعوة لنزع سلاح الحزب وازالته كما تطالب به كل من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإسرائيل.
وبالتالي، سيتعين على السلام مع إسرائيل وإعادة التنظيم الاستراتيجي لبلاد الشام الساحلية الانتظار حتى يعود المرجل السوري مرة أخرى، ويتحالف أهل السنة في لبنان معه، وتعود معه الإمبراطورية العثمانية الجديدة. ومن المرجح، في رأي وورمستر، أن يحدث هذا، وبطريقة مضطربة بما يكفي لإرغام قيادة لبنان على اللجوء، من أجل البقاء، إلى إعادة استنهاض نهج 1711. وفي هذا الإطار فقط سيكون هناك إعادة ترتيب للبنان وربما تعاون استراتيجي وحتى سلام مع إسرائيل. ويخلص الى القول: إن عصراً جديداً قادم إلى لبنان في نهاية المطاف، ولكن الأمور قد تزداد سوءاً قبل أن تتحسن.
إيمان شمص