بقلم موفق حرب
«أساس ميديا»
لا تزال الضحايا السياسية تتهاوى من واشنطن بعد عام على طوفان الأقصى من طهران وصولاً إلى دمشق ومعهم آلاف الضحايا من اللبنانيين والفلسطينيين.
عام انقضى ولا يزال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يجري اتصالات مع نظرائه في المنطقة سعياً للتوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد مشاورات تفصيلية مع الأطراف سرعان ما يتبيّن أنّها كانت مضيعة للوقت مع أوّل اغتيال وغارة إسرائيلية.
ترميم الدّبلوماسيّة الأميركيّة
الدبلوماسية الأميركية بحاجة إلى ترميم بعدما أمعن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بتظهيرها عاجزة أو غير راغبة بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب أو حتى تجنّب القيام بعمليات عسكرية تنتقدها واشنطن في العلن. لكنّ واشنطن كدولة عظمى تسارع إلى اتّخاذ الإجراءات اللازمة للدفاع عن إسرائيل فترسل حاملات الطائرات لتأكيد حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها بل وحقّها في الهجوم والاستباق. حتى الرئيس بايدن قبل انسحابه من السباق الرئاسي وبعد استبداله بنائبته كامالا هاريس بدا عاجزاً، مخدوعاً، وفي أحسن الحالات ناصحاً لإسرائيل التي لم تبدِ أيّ رغبة في الأخذ بنصائحه. ربّما حرب غزة ستلغي إلى الأبد فكرة راودت الدول العربية لعقود، وهي أن تقوم واشنطن بضغوط جدّية على إسرائيل، حتى إنّ مصادر دبلوماسية فرنسية صرحت بأنّ إدارة بايدن لا تقوم بضغوط جدّية على إسرائيل للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار. العلاقة الأميركية الإسرائيلية أعقد وأعمق من أن تفسّر على أساس مصالح مشتركة لاعتبارات انتخابية أو تجارية.
انكشاف قوّة إيران
من الضحايا الجانبية السياسية لما قام به يحيى السنوار انكشاف قوّة إيران وهيبتها أمام حلفائها وأنصارها وأذرعها في المنطقة، حيث أصبح من الواضح أنّ طهران استثمرت مادّياً وعسكرياً في حلفائها “وخصّبتهم” عقائدياً فيما هي غير مستعدّة للتضحية باستقرارها وأمنها ونظامها لحماية حلفائها في المنطقة.
أمّا نظام بشار الأسد الذي حافظ على بقائه نتيجة دعم إيران والحزب وروسيا فعليه أن يبحث عن مظلّة أخرى للبقاء. فإسرائيل لن تقبل بعد اليوم أن تكون سوريا ممرّاً لوصول الأسلحة للحزب وأن تكون العمق الاستراتيجي له أو نقطة الوصل بين طهران وبيروت. فهل يقبل النظام أو يمتلك القدرة ليلعب الدور الضامن لعدم وصول طهران إلى بيروت وإعادة تركيب وترميم هيكلية الحزب ويعود إلى الدور الذي لعبه حافظ الأسد حين كان يحدّد حجم النفوذ الإيراني في لبنان في خدمة مصالح نظامه؟
سمعة إسرائيل وسرديّتها
في سياق ضحايا حرب غزة الجانبية تدخل سمعة إسرائيل وسرديّتها في الغرب، وتحديداً ما يعرف بالموقف الأخلاقي الأعلى “moral high ground” بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والمحرقة النازية في حقّ اليهود. ربّما حكومة إسرائيل اليمينية تعتقد بأنّ الضرر الذي أصاب سمعتها في العالم يمكن ترميمه في المستقبل بعد أن تقضي على أعدائها وتنتهي من الأخطار الآنية المحدقة بأمنها. لكن سيكون من الصعب على إسرائيل أن تستعيد دور الضحيّة بعدما شاهد العالم مجريات الحروب عبر شبكات التواصل الاجتماعي وليس على وسائل الإعلام التي قد تكون منحازة أو مدجّنة ولديها مصالح تجارية.
أمّا الأطراف والدول المقتنعة بأهمّية السلام في المنطقة فسيكون أمامها تحدٍّ كبير في أن تقنع الرأي العامّ لديها بأنّ السلام ممكن مع إسرائيل في المستقبل القريب بعيداً عن لعبة المصالح بعدما شهدت أجيال المنطقة العربية الشابّة حجم الدمار والقتل وتفاعلت معه على الأقلّ في الخارج أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي. بعد كلّ أزمة كبرى يكثر الحديث عن ولادة شرق أوسط جديد، لكنّ نزاعات وأحقاد المنطقة أثبتت أنّها عصيّة على الحلول أو حتى السيطرة على اندلاعها.
عندما اجتاح صدّام حسين الكويت تحدّث الجميع عن شرق أوسط جديد، بعد توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظّمة التحرير، سارع البعض إلى إعلان ولادة شرق أوسط، وعندما نفّذ تنظيم القاعدة اعتداءات 11 أيلول بشّر البعض بشرق أوسط جديد، وأثناء حرب 2006 بين الحزب وإسرائيل تحدّثت كوندوليزا رايس عن ولادة شرق أوسط جديد، لكنّ الشرق الأوسط بقي يُولّد الأزمات والصراعات ولم يتغيّر فيه شيء إلّا اللاعبون. سيأتي اليوم الذي تنتهي فيه حرب غزة ولبنان، وبعيداً عن الواقع الجديد الذي سينتج عن هذه الحرب، سيدخل الشرق الأوسط مجدّداً في مرحلة انتظار من سيفجّر الأزمة المقبلة وأين.
موفق حرب