بقلم عماد الشدياق
«اساس ميديا»
أصدر لبنان إشعاراً جوّياً (NOTAM) يتعلّق بعمليات هبوط الطائرات المدنية والعسكرية في مطار رفيق الحريري الدولي، يطلب من جميع شركات الطيران الأجنبية إعادة التقدّم بطلب للحصول على إذن لخدمة مطار بيروت الدولي في المستقبل. ويبدو أنّ هذا الإشعار كان موجّهاً لشركات تعمّدت السلطات اللبنانية إبعادها عن المطار حرصاً على حمايته.
هذا الإشعار الذي صدر في 28 من الشهر الفائت ما كان ليبصر النور لولا الضمانات التي نقلتها الولايات المتحدة إلى السلطات اللبنانية، وكذلك التهديدات الإسرائيلية في حال استخدام المطار لنقل الأسلحة إلى “الحزب” من إيران أو العراق.
يقول نصّه: “بناءً على قرار وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني، وفي ما يتعلّق بالوضع الحالي في لبنان، حيث أصبحت شركة طيران الشرق الأوسط، شركة الطيران الوطنية اللبنانية، هي الناقل الوحيد الذي يعمل من وإلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وبما أنّ جميع شركات الطيران الأجنبية علّقت رحلاتها إلى بيروت، فإنّنا نبلّغ جميع شركات الطيران الأجنبية أنّه من أجل استئناف رحلاتها، يجب عليها التقدّم بطلب رسمي إلى المديرية العامة للطيران المدني.”
كما فرض الإشعار موافقة الجيش اللبناني على الرحلات العسكرية ومهامّ المساعدة الإنسانية، وهو ما أعطى المزيد من الاعتبار إلى المؤسّسة العسكرية.
أتى هذا الإشعار في أعقاب تطوّرين مهمّين هما:
1- تعليق جميع رحلات شركات الطيران الأجنبية إلى البلاد، نتيجة الغارات الجوّية الإسرائيلية، التي توسّع نطاقها وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، وذلك منذ 23 أيلول إلى اليوم.
2- قرار وزارة الأشغال العامّة الذي قضى بمنع إحدى الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي. وكان وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية علي حميّة اتّخذ يوم السبت الماضي هذا القرار اللافت. إذ أوعز إلى إدارة المطار الطلب من طائرة إيرانية عدم دخول الأجواء اللبنانية أو الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي.
في حينه، برّر الوزير حمية المقرّب من الثنائي “الحزب” و”حركة أمل” القرار بأنّه جاء في أعقاب دخول الجيش الإسرائيلي على موجة برج مراقبة المطار وتحذيره من أنّه سيلجأ إلى “استخدام القوّة في حال هبطت تلك الطائرة في المطار”، مؤكّداً أنّ المطار “مدنيّ بامتياز”، إلّا أنّه أكّد في تصريح لإحدى المحطّات المتلفزة يوم الثلاثاء الفائت أنّ قراره جاء بعد توجيهات رئيس مجلس النواب نبيه برّي بحماية المطار والإصرار على حصر عمله بالمهامّ المدنية فقط.
قرار سياديّ يخالف طموحات طهران
تُعدّ تلك الخطوة من بين أوّل القرارات التي تتّخذها السلطات اللبنانية ضدّ إيران منذ سنوات طويلة. كما أظهرت أنّ الوزير حمية، ومن أوعز إليه، قد وضعا المصلحة اللبنانية العليا ومصالح اللبنانيين في المرتبة الأولى، وعلى حساب مصالح إيران و”الحزب”… وهذا يُشهد له (لهما) به، ويمكن البناء عليه وإن كان القرار قد صدر نتيجة تهديدات إسرائيلية.
تفيد المعلومات بأنّ لبنان قد تبلّغ بالضمانات التي حصلت عليها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي من إسرائيل، وتقضي بعدم التعرّض للمرافق العامة الخاصة بالدولة اللبنانية، وخصوصاً مطار رفيق الحريري الدولي، باعتبار أنّ استهدافها سوف يضعّف الدولة ويصبّ في مصلحة إيران وأذرعها.
يبدو أنّ إسرائيل ملتزمة حتى الآن بالتوصيات الغربية تلك، على الرغم من الهمجية التي تظهرها في استهداف المدنيين وأملاكهم الخاصة، بحجّة استهداف منشآت ومراكز تخصّ “الحزب”.
الاتّحاد الأوروبيّ يحذّر
سبق أن حذّرت وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي (EASA) جميع شركات الطيران، طالبة منها تجنّب المجال الجوّي لإسرائيل ولبنان على السواء.
في بيان صدر في 28 أيلول 2024، قالت وكالة سلامة الطيران الأوروبية: “لوحظ تكثيف عامّ للغارات الجوّية وتدهور في الوضع الأمنيّ، وهو ما أثّر على سلامة المجال الجوّي فوق إسرائيل ولبنان”.
في ضوء هذا الوضع، قرّرت المفوضية الأوروبية ووكالة سلامة الطيران الأوروبية إصدار نشرات ومعلومات عن مناطق الصراع (CZIBs) تنصح بعدم العمل في المجال الجوّي للبنان وإسرائيل على جميع مستويات الطيران.
ستبقى هذه التوصية سارية المفعول حتى نهاية الشهر الحالي (تشرين الأول)، لكن يمكن مراجعتها وتعديلها أو إلغاؤها بناءً على تقويمات الظروف الأمنيّة.
ليست تلك المرّة الأولى التي تطلب فيها وكالة سلامة الطيران الأوروبية من شركات الطيران توخّي الحذر بسبب التوتّرات المتزايدة في الشرق الأوسط.
خلال شهر نيسان من العام الحالي، نصحت الهيئة شركات الطيران بتوخّي الحذر في المجال الجوّي في المنطقة، وخصوصاً إسرائيل وإيران.
منذ أواخر تموز 2024، دفعت المخاوف بشأن انتشار الحرب في الشرق الأوسط العديد من شركات الطيران الدولية إلى إلغاء رحلاتها إلى إسرائيل. ومع امتداد الحرب من قطاع غزة إلى لبنان، علّقت شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى مطار رفيق الحريري الدولي، ما خلا شركة طيران الشرق الأوسط التي تحلّق بشكل مكثّف اليوم من وإلى مطار رفيق الحريري الدولي، لكن بما يتوافق مع الظروف التي يسمح بها عدد الطائرات التي تملكها.
عماد الشدياق