بقلم ملاك عقيل
«أساس ميديا»
منذ الإعلان الرئاسي الثلاثي من بعبدا في 18 شباط الماضي، الذي شكّل خارطة طريق “دبلوماسيّة” لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتكريس “دور الجيش اللبناني واستعداده التامّ وجهوزيّته الكاملة لتسلّم مهامّه كافّة على الحدود الدولية المعترف بها”، تقدّم إلى الواجهة مشهد متناقض للغاية: إمعان إسرائيلي في تثبيت واقع الاحتلال وتنفيذ اغتيالات، في مقابل إعلان “قبول مشروط” من “الحزب” بحوار، لا سابق له في التاريخ الحديث، أطلقه رئيس الجمهورية، ويجمعه “رأس برأس” مع “الحزب”، لكنّه حتى الآن لم يغادر مربّع النوايا الإيجابية المتبادلة. أمّا المعطى الأهمّ فهو بسط الجيش اللبناني للمرّة الأولى، أيضاً، سيطرته على منشآت عسكرية، ومصادرة أسلحة وذخائر وأنفاق عائدة لـ”الحزب”، جنوب الليطاني وشماله، من دون تسجيل أيّ مواجهة على الأرض بين الطرفين.
في آخر موقف رئاسي، من بكركي، رفض رئيس الجمهورية جوزف عون “أن يتحدّث أحد معي عن توقيت وضغوطات” في مسألة حصر السلاح بيد الدولة، مؤكّداً أنّ القرار اتُّخذ بشأنه، “لكن علينا أن ننتظر الظروف الكفيلة بتحديد كيفية التنفيذ”، مشدّداً على “المنطق التصالحيّ في التحاور، وليس التصادمي، وإلّا نأخذ لبنان إلى الخراب”.
سيُشكّل حوار الرئيس و”الحزب” فعليّاً مادّة تجاذب في ظلّ الاعتداءات الإسرائيلية المستمرّة منذ تطبيق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني، فلا أحد قادر على تحديد مدّته قبل أن يجلس الطرفان، رسميّاً، وجهاً لوجه، ثمّ تحديد المدّة المتوقّعة للتوصّل إلى تنفيذ الهدف الذي وصفته نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس بـ”الشجاع والصعب”، وطرفه الآخر إقرار الإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة دوليّاً. مع العلم أنّ رئيس الجمهورية تحدّث بنفسه عن مهلة مُلزمة حين قال إنّ “عام 2025 سيكون عام حصر السلاح بيد الدولة”.
وفق معلومات “أساس” لا مؤشّرات إلى أنّ المواقف الأخيرة لقيادات في “الحزب”، وبينهم أمينه العامّ الشيخ نعيم قاسم ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، قد أدّت إلى التأثير في حوار لم ينطلق أصلاً بعد، وينتظر ساعة الصفر. أمّا لناحية التواصل الاعتيادي بين بعبدا والضاحية فهو لا يزال يتمّ بوتيرة اعتياديّة، وقد شمل أخيراً الحديث في تداعيات استدعاء وزير الخارجية يوسف رجّي السفير الإيراني مجتبى أماني بعد تغريداته الأخيرة المتعلّقة بمسألة تأثير نزع السلاح على دول المنطقة، من دون أن يشمل ذكر لبنان بالاسم.
أكثر من ذلك، تقول مصادر مطّلعة إنّ موقف واشنطن بشكل عامّ، إن كان على شكل تسريبات أو تصريحات لشخصيّات ضمن الإدارة الترامبيّة على اختلاف مستوياتها، شبيه بالتصعيد الكلامي الذي يطغى على كلام قيادات “الحزب”، لناحية ضرورات “التجييش”، لكنّ الوفود والمتحدّثين باسم هذه الإدارة يتحرّكون ضمن سقف ثابت محاذيره هي الآتية:
– يتجنّب مسؤولو الإدارة الأميركية المعنيّون بالملفّ اللبناني حدوث أيّ تطوّرات قد تقود إلى نزاع داخلي على الرغم من اللهجة القاسية التي تقارب فيها واشنطن مسألة السلاح، والضوء الأخضر المعطى أميركياً لإسرائيل لإكمال مهمّة القضاء على “الحزب”. ويبدو وفق المعطيات أنّ واشنطن تولي اهتماماً بالملفّ الإصلاحي بما يتساوى، وقد يتجاوز، اهتمامها بملفّ السلاح.
– على الرغم من بعض التصريحات الأميركية، ومن ضمنها مواقف أورتاغوس، التي تتحدّث عن “ما هو مطلوب أكثر” من الجيش اللبناني جنوباً، تتقاطع كلّ المعطيات عند وجود رضى دولي، خصوصاً أميركياً وفرنسياً ومن جانب قيادة اليونيفيل، عن مهامّ الجيش جنوباً. وهو رضى يتماهى، للمفارقة، مع واقع كرّسه الجيش بأدائه أخيراً، لجهة العمل ضمن “بيئة جنوبية” متعاونة ومتفهّمة ومسهّلة إلى أبعد الحدود. الجيش نفسه يتصرّف تحت سقف كلام قائد الجيش العماد رودولف هيكل أخيراً في مجلس الوزراء، الذي حمّل مسؤوليّة عدم انتشار الجيش بشكل كامل جنوباً لوجود الاحتلال ضمن المواقع الحدودية الخمسة، وحديثه عن “تعاون الحزب”. ما عدا ذلك، يستكمل الجيش، بالتنسيق مع لجنة الإشراف الخماسية، المهامّ المطلوبة منه وسط تفهّم دولي يُعبّر عنه موفدون عسكريون وغير عسكريين لخطوط حمر لا يقبل الجيش تجاوزها، خلال تنفيذ مهامّه، حرصاً على الاستقرار، وحفظاً لعقيدته، وبشكل يتماهى مع موقف الدولة نفسه الذي لا يزال، عبر الدبلوماسية الطائرة، يحمّل إسرائيل مسؤولية عدم التطبيق الكامل للقرار 1701 وآليّته التنفيذية الذي يؤثّر تلقائياً على تنفيذ القرار من الجانب اللبناني.
ملاك عقيل