كتبت ريتا شمعون:
الشرق – يقال الكثير عن الذهب ولمعانه فاللمعان ليس ما ينشده الناس هنا في هذا التقرير إذ ما عادت الزينة من شراء الذهب وانما لحماية مدخراتهم بعدما غدرت بهم المصارف في لبنان. ففي ظل الموجات الجيوسياسية وما يصاحبها من تداعيات، أثبت خلالها المعدن لا سيما الذهب قدرته على الإحتفاظ بقيمته مقارنة بالأصول الأخرى، وأصبح رفيقا للأزمات العالمية ويستمد طاقته منها بفضل ارتفاع الطلب عليه في حالات عدم اليقين السياسي والاقتصادي وحتى الصحي، كما حدث في جائحة كورونا.
الى الأسباب السابقة تضاف أزمة المصارف الأميركية وانهيار عدد منها، بالإضافة الى الحرب الإسرائيلية على غزة وامتداداتها على لبنان والحرب الروسية الأوكرانية والتوتر السياسي والأمني في العالم عوامل أدّت الى تخطي أونصة الذهب اﻟ2500 دولار أميركي وهناك من يتوقع وصوله الى 3000 دولار اميركي، بحيث يطرح السؤال هل الذهب هو ملاذ آمن في مثل هذه الأوقات الصعبة أم مادة استثمارية تربح أو تخسر مثل بقية العملات والأسهم وغيرها من المواد المالية والمعدنية؟ لقد دلّت التجارب أن الذهب يمكن الإعتماد عليه كملاذ آمن للحفاظ على الثروات بدليل أن لبنان ورغم الإنهيار المالي ما زال يحتفظ بكمية من الذهب تقدر قيمتها بأكثر من 20 مليار دولار ما زال يحتفظ بها تحسبا من غدرات الزمن. ولقد دلّت الأحداث المتتالية في لبنان أن الذهب هو الذي حمى العائلات من الفقر والعوز بعد وقوع لبنان في الإنهيار النقدي والمصرفي، وفق نقيب معلمي صناعة الذهب والمجوهرات في لبنان بوغوص كورديان في حديث لجريدة «الشرق». وأضاف: تاريخيا، يعتبر الذهب أفضل أصول الملاذ الآمن، وعلى عكس بعض المعادن الأخرى، الذهب غبر قابل للتآكل ويتفوق في أدائه على فئات الأصول الأخرى كالعقارات، كذلك يسهل نقله وبيعه حين الحاجة، حيث يؤمن الناس في جميع أنحاء العالم بهذه الحقيقة ويعتبرونه الملجأ الآمن، ويعتمدون على الذهب عندما لا يجدون الاستقرار في الأصول الأخرى ، وأسعاره ترتفع نتيجة ازدياد الطلب عليه، وكذلك عند اضطراب أسواق الأسهم العالمية ومع ذلك تتمتع أسعار الذهب باستقرارها مقارنة بأسعار العقارات فهي إن لم ترتفع لن تنخفض ، وهذا ما يطمئن على المدى البعيد. ويعزي كورديان، ارتفاع سعر أونصة الذهب عالميا الى عدة عوامل، من ابرزها استمرار حرب غزة وما سببته من توترات ليس على مستوى الإقليم، وإنما على مستوى العالم، كما ان التوتر لا يزال قائما بين اسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان، ومن الأسباب الأخرى الداعمة لأسعار الذهب استمرار الحرب في أوكرانيا وكذلك استمرار التوتر بين الصين والولايات المتحدة، الى جانب مخاوف الاقتصاد العالمي من الآثار المرتبطة بتوترات الشرق الوسط. ويتحدث كورديان عن العلاقة التاريحية بين الذهب والتضخم قائلاً: حين تمّ استخدام الذهب كمخزن للقيمة عبر التاريخ ، فقد تاثرت قيمته بفترات التضخم والتغيرات في النظام النقدي العالمي، ويعرّف التضخم بأنه الزيادة في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات في الاقتصاد بمرور الوقت، مع ارتفاع التضخم تنخفض القوة الشرائية للعملة لذلك يمكن أن يكون للتضخم تأثير كبير على قيمة الذهب، وعندما يرتفع التضخم قد يلجأ المستثمرون والأثرياء الى الذهب كأصل آمن لحماية ثرواتهم كما هو الحال في لبنان. قد يصح القول أن المعادن كالبلاتين والفضة لا سيما الذهب منها هي أكثر الإستثمارات أمانا، لافتا الى أن الطلب على الذهب ارتفع بشكل كبير في لبنان منذ بداية الأزمة المالية في العام2019، حيث لجأ العديد من اللبنانيين والمقتدرين منهم بالإضافة الى المغتربين الى شراء الذهب، والتركيز على الأونصة والليرة الذهبية رغم أن أونصة الذهب قد تجاوزت ألفي دولار أميركي، والإقبال على شراء الذهب يشمل أيضا مختلف الأحجام من 1 جرام الى 5 جرامات لأنهم يعتبرونه أنه أضمن من العملات النقدية والكاشفي المنازل وهذا الأمر لا يزال ساري المفعول حتى اليوم. في المقابل، نرى أن الكثير من النسوة قررن بيع ما لديهن من قطع ذهبية ومقتنيات بغية مساعدة رجالهن في مصروف البيت المتزايد أو لتأمين الأقساط المدرسية والكتب وغيرها من الحاجيات الحياتية. ومما لا لبس فيه، أن العائلة اللبنانية تواجه معوقات اقتصادية واجتماعية، على سبيل المثال، المواطن الذي يتقاضى راتبا بـ300 دولار أميركي، سيفكر ما الذي يمكن ان أسدده بهذا المال؟ هل أدفع فاتورة الكهرباء أم المولد أو أشتري ذهبا؟ بالطبع سأشتري خبزا وطعاما وأسدد فواتير الكهرباء والماء ووفق كورديان، أن مبلغ اﻟ 300 دولار أميركي في الوقت الحالي يساوي 6 جرام من الذهب.
ويشرح كورديان، في هذا السياق، أن أونصة الذهب تلعب دورها المحوري كوحدة قياس عالمية معتمدة لكتلة الذهب في كافة الأسواق المالية فهي تمثل المعيار الذهبي الذي يقاس به ويتم تحديد قيمته، حيث يتم تحديد سعر الذهب بالأونصة ويكون تأثيره مباشرا ويوميا على أسعار الذهب في الأسواق المحلية والعالمية. ويعود بوغوص الى الزمن الجميل ومعارض المجوهرات التي كانت تنظم في بيروت آخرها في العام 2006 والذوق اللبناني الراقي في صناعة المجوهرات، كان يشارك فيه كبار المصممين اللبنانيين الذين قدموا ابتكاراتهم في الذهب والألماس حيث كانت تحظى بحضور كبير ساهم في استقطاب عشاق الذهب من الدول العربية والخليجية كافة ، وكذلك من دول أوروبية من أبرزها ايطاليا. وبحسب كورديان، أن حركة استيراد المجوهرات والمعادن التي تشمل الألماس والأحجار الكريمة والذهب والفضة جيدة ، فيما النسبة الأكبر منها تسجل من حصة سبائك الذهب والأونصات ما يعني لجوء اللبنانيين عموما والمقتدرين خصوصا الى ادخار الذهب. وعلى الصعيد مهنة صناعات المجوهرات، يقول، أن قطاع المجوهرات في لبنان يعاني، فإن قلة الاهتمام باليد العاملة وغياب عدد كبير منها إما بداعي السفر أو لغياب التحفيزات المالية والمعنوية يضران بصناعة المجوهرات إذ أن هذه الصناعة تحولت بفضل اليد العاملة الفنية والماهرة من حرفة الى تجارة عالمية لذا فإن عدد العاملين يتقلص يوميا وهو ما يعتبر ثغرة لتطوير هذه الصناعة. ويبقى السؤال هل نشتري ذهبا؟ جواب كورديان نعم، والشاطر الذي يستطيع، بمبلغ شهري فائض مثلا الف دولار أو أكثر حسب استطاعته يشتري الذهب وبعد 10 سنوات سيجد مبلغ ممتاز من الذهب.