هكذا أضرّت غادة عون المودعين

بقلم عماد الشدياق

«اساس ميديا»

يتّهم البعض مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار بـ”حماية المصارف” على حساب المودعين، وذلك بعدما أوعز للضابطة العدلية بعَدَم الأخذ بإشارات المدّعية العامّة في جبل لبنان غادة عون. كما يتّهمونه بالتردد على فتح ملفّات أخرى مثل ملفّ شركة “أوبتيموم” أو ملفّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

قد يكون البحث بتلك الملفّات موضوعاً آخر، ربّما يُسأل عنه القاضي الحجار، لكن في الجزئيّة الخاصّة بالمودعين وربطاً بما صدر أخيراً عن الحجار في قراره الأخير، فإنّ “الشيطان يكمن في التفاصيل” التي تكشف أنّ عون ومن يعاونها من قضاة ومحامين قد أضرّوا بالمودعين كلّهم، ولم يفيدوا إلاّ قلّة “محظيّة” من خلال الابتزاز والاستنسابية!

كيف ذلك؟… هاكم التفاصيل

قُضي الأمر. أقفل مدّعي عام التمييز جمال الحجار “دكّان” المدّعية العامّة في جبل لبنان القاضية غادة عون، بعدما اتّهمها في قراره الذي سُرّب عبر الإعلام، قبل أيام، بـ”تحقيق امتيازاتٍ لبعض المحظيّين عبر صرف النّفوذ”، وذلك لمصلحة “قلّة قليلة من الأشخاص على حساب أموال بقيّة المودعين”.

بقي هذا الكلام مبهماً في حينه، ولم يُفهم ماذا قصد مدّعي عام التمييز بهذه العبارة، خصوصاً حينما قال “بقيّة” المودعين، وبعدما نُقل عنه استعداده لـ”الذهاب بعيداً في رفع الحصانة عمّن يثبت تورّطه في القضيّة” (راجع “أساس” بتاريخ 7/6/2024)، لكنّ الحديث عن الحصانة يشير إلى أنّ ثمّة محامين ضالعين بهذا الملفّ بخلاف غادة عون… وهو كذلك بالفعل.

في حينه، كان “أساس” السبّاق في الإشارة إلى أسماء 3 محامين، وهم: وديع عقل، وآرليت بجاني، ومايا جعارة. وتكشف مصادر مصرفية مطّلعة على تفاصيل هذا الملفّ أنّ هؤلاء المحامين هم عبارة عن “شبكة تتعاون مع بعض القضاة وعلى رأسهم القاضية غادة عون”، ويعملون “غبّ الطلب” من أجل تحصيل الودائع ليس لكلّ المودعين، ولا حتى لمن يقصدهم من أجل المرافعة لمصلحته، وإنّما لعدد محدّد من بين المودعين يقوم المحامون أنفسهم، بحسبما تؤكّد المصادر، باختيارهم بشكل انتقائي، وكذلك وفقاً لمعيارين محدّدين.

أمّا هذان المعياران فهُما:

1- أن يوافق المودع على توكيل أحد المحامين لقاء نسبة مئوية من الوديعة المحصّلة (بين 20% و25%).

2- أن تكون الوديعة غير متواضعة حتى تكون الأرباح المتأتّية من النسبة المئوية “حرزانة”. وكذلك، ألّا تكون الوديعة كبيرة لدرجة لا يمكن تحصيلها من المصرف (الهدف) بـ”الدولار الفريش”. بعبارة أخرى أن تكون الوديعة فوق 100 ألف وليست أكثر من 200 أو 300 ألف دولار.

محامٍ يلاحق زبائنه؟

هنا قد يسأل سائل: وأين الخطأ بذلك؟ ألا يحقّ للمودع توكيل محامٍ للحصول على حقّه من المصرف؟ أين خرق القانون؟ وما الفرق أن يقصد المودع محامياً أو أن يتبرّع المحامي من تلقاء نفسه عارضاً المساعدة؟

الجواب هو: نعم، يحقّ لأيّ مودع أن يوكّل من يشاء من أجل الحصول على حقّه من المصرف بمعزل عن تلك التفاصيل، خصوصاً في ظلّ تأخّر إقرار قانون “الكابيتال كونترول” الذي ترك أمر المودعين وأموالهم لاستنسابية المصارف، وكذلك لـ”شطارة” كلّ مودع في الحصول على حقّه، وهو السبب الرئيسي الذي فتح المجال أمام ممارسات كهذه وتجاوزات كهذه.

لكنّ على الرغم من ذلك، فإنّ القصة تنقلب رأساً على عقب حينما يتبيّن أنّ المحامين المذكورين على علاقة وطيدة مع مجموعة من القضاة على رأسهم غادة عون، وتمكّنهم تلك العلاقة من تحصيل أموال هؤلاء المودعين على حساب البقيّة منهم (ربطاً بما ذكره القاضي الحجار في قراره).

هؤلاء القضاة يقدّمون تسهيلات خاصة للدعاوى المقدّمة من المحامين الثلاثة تحديداً، الذين يستخدمون “جمعية أموالنا لنا” غطاءً من أجل التأثير على الرأي العام من خلال صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، واصطياد المودعين، وكذلك من أجل الضغط على المصارف وعلى رؤساء مجالس إدارتها، ومديريها العامّين.

تحصيل الأموال بعد “الشرحطة”

أمّا شكل التسهيلات التي يقدّمونها فهي عبارة عن “موافقة” بسيطة في الشكل، لكنّها فعّالة في المضمون: يطلب المحامي استدعاء المدير العامّ للمصرف أو رئيس مجلس إدارته إلى جلسات المحكمة، وهذا طبعاً من دون أيّ مبرّر باعتبار أنّ أيّ رئيس مجلس إدارة في أيّ مصرف ليس مضطرّاً ولا مطلوباً منه أن يعرف كلّ المودعين ولا أن يكون على علاقة مباشرة معهم… لكن هنا تكمن الحيلة.

استدعاء رئيس مجلس الإدارة إلى الجلسات أكثر من مرّة و”شرحطته” و”جرجرته” إلى الجلسات وطلب التحقيق معه، تفضي في نهاية المطاف إلى دفعه صوب “الموافقة على إقفال الملفّ”، وذلك من خلال موافقته الطوعية على دفع قيمة الوديعة كاملة بالدولار “الفريش”… وعندها يخرج الجميع “حبايب”: المودع يحصل على أمواله، والمحامي كذلك يحصل على حصّته، بينما القاضي يحقّق إنجازاً قضائياً من خلال “كسر” إرادة أصحاب المصارف (الشرّ المستطير).

هنا يتفتّق سؤال آخر مفاده: هل القاضية غادة عون أو بقيّة القضاة متورّطون في الشأن الماليّ أو لهم نسبة من تحصيل تلك الودائع؟

تنفي المصادر المصرفية هذا الأمر، وتضعه في إطار “الكيد السياسي” وتصفية الحسابات بين جماعة السلطة. إلّا أنّ مصادر قضائية تُلمح إلى أرجحية ذلك لـ”أساس”، بالاستناد إلى مضمون قرار المدّعي العامّ التمييزي جمال الحجار، وكذلك بالاستناد إلى ما نقل عن مصادره “أساس” قبل أيام حول استعداده لـ”الذهاب بعيداً في رفع الحصانة عمّن يثبت تورّطه”.

أمّا في ما يخصّ مصلحة المودعين، وأحقّية حصولهم على الودائع المحتجزة لدى المصارف، فيمكن القول إنّ حصول مودع “محظيّ” على وديعته بهذا الأسلوب هو ابتزاز، كما أنّه سيؤثّر على بقيّة المودعين، خصوصاً أنّ السيولة بالدولار لدى المصارف محدودة. فدفع مبالغ كهذه (100 أو 200 ألف دولار) قد يحرم بقيّة المستفيدين مثلاً من التعاميم 158 أو 166 وغيرها، وهو ما يمكن اعتباره “استنسابية موصوفة”، يشكو منها أصلاً سائر المودعين… وهذا بالتأكيد بعيد كل البُعد عن مبدأي العدالة والمساواة.

عماد الشدياق

التعليقات (0)
إضافة تعليق