كتب عوني الكعكي:
لقد بات متعارفاً عليه، وعلى نطاق واسع في لبنان، أنّ الفراغ الرئاسي تحوّل الى حالة مكررة في الحياة السياسية اللبنانية. فبالرغم من أنّ الفراغ الحالي مستمر منذ عامين ونيّف، بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في الحادي والثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2022. هذا العهد الذي مثّل أسوأ العهود التي مرّت على لبنان عبر تاريخه.
أما لماذا ليس هناك من رئيس في لبنان، بعد هذه المدة الطويلة… فإنّ الجواب باختصار، هو لأنه ليس لأي فريق سياسي أغلبية تكفيه لانتخاب مرشحه، كما أنه ليس هناك من توافق بين الأفرقاء المتخاصمين على مرشح، وتحديداً ليس هناك من توافق بين المسيحيين أنفسهم. كما أشرت في افتتاحيتي أمس.
هذا السبب يبدو ظاهرياً… إنه مسؤول عن تكرر حالات الفراغات الرئاسية والحكومية في لبنان. لكن السبب الحقيقي المتسبّب بهذه الفراغات فإنه يصب في مكان آخر، ولأبدأ:
منذ التحرير عام 2000… وتسلم «الحزب العظيم» مقدّرات حكم البلد، بكل تفاصيلها وعلى اختلاف أنواعها… صار الفراغ صفة ملازمة لكل استحقاق رئاسي أو حكومي.
فما هي أبرز محطات الشغور الرئاسي التي عرفها لبنان منذ عام التحرير 2000؟
لقد شهد لبنان منذ العام 2000 أحداثاً ساخنة جداً، كاغتيال شهيد لبنان الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 في عهد إميل لحود الذي شهد لبنان في عهده ثالث تمديد لثلاث سنوات حتى عام 2007، ومع انتهاء ولاية لحود الممدّدة، شهد لبنان ثاني شغور رئاسي استمر ستة أشهر حتى 25 أيار 2008.
وبعد أحداث 7 أيار في بيروت، التي قادت الى توقيع «اتفاق الدوحة» انتخب البرلمان ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بغالبية 118 صوتاً.
ثم عرف لبنان ثالث وأطول شغور رئاسي بعد الاستقلال بعد انتهاء ولاية سليمان في 24 أيار 2014، واستمر الشغور عامين ونصف العام.
سبب هذا الشغور الطويل أن «الحزب العظيم» أصرّ على اختيار ميشال عون.. ومما أكد اختيار عون ما فعله سمير جعجع رئيس حزب «القوات اللبنانية» بعد «اتفاق معراب».
وفي 31 تشرين الأول 2016، وبعد 46 جلسة برلمانية، انتخب البرلمان ميشال عون رئيساً للجمهورية. وشكّل انتخابه تتويجاً للسيطرة على عون وصهره من قِبَل «الحزب» الذي ردّ الجميل صاعين لـ «الحزب العظيم»، وبداية انهيار لبنان.
ومع انتهاء ولاية عون في 31 تشرين الاول (أكتوبر) 2022، دخل لبنان رابع حالة شغور.. والتي لا تزال مستمرة أفضت الى تشكيل لجنة خماسية حول لبنان مؤلفة من فرنسا وأميركا ومصر وقطر والسعودية، وما زالت مهمتها الرئاسية متعثرة.
أما اليوم، وبعد انعقاد 12 جلسة برلمانية، انتهت عند معادلة فقدان النصاب، علّق الاستحقاق الرئاسي الى أجل غير مسمّى.
هذا عن الشغور الرئاسي، أما عن الحكومات، فحدّث ولا حرج. فرض شروط لتشكيلها واختيار الوزارات الدسمة منها، وتدخل «الحزب» في كل شاردة وواردة عند التشكيل… وإلا فلا حكومات… إضافة الى ما قام به الصهر المدلل جبران باسيل عبر وزاراته ووزارات أعضاء تياره من ممارسات هي قمة في الفساد.
وها نحن اليوم بعد عملية وقف إطلاق النار بين العدو الإسرائيلي والمقاومة اللبنانية.. نعود الى السيرة نفسها. إذ إن لبنان بحاجة الى رئيس اليوم قبل الغد.. لذا فأنا أعود لأثني على موقف دولة الرئيس نبيه بري الحكيم، الذي بمساهماته وحنكته ودرايته، أوقف العدوان على لبنان، وهو اليوم بالتأكيد -كما كان دائماً- رجل المرحلة… فانتخاب رئيس يحتاج الى العقل لا الى القوة. ومن أكثر عقلانية ودراية من دولة الرئيس نبيه بري.
إنّ التعنّت والمكابرة لا تأتي برئيس… والدليل على ما أقول إن زيارات هوكشتاين قدمت للبنان فرصاً عديدة أضاعها «الحزب العظيم»… وحين تسلم دولة الرئيس بري ملف المفاوضات وصلت الأمور الى خواتيمها السعيدة.
إني أناشد القوى الحزبية والسياسية اللبنانية كافة وأقول: دعوا الرئيس نبيه بري يتصرّف بحكمته وعقلانيته. ضعوا ثقتكم بهذا الرئيس الذكي المحنّك المخلص، ساعتئذٍ يخرج لبنان من قمقم الفراغ.
دعوا الأفكار الانقسامية التي أطلقها سمير جعجع جانباً، حين دعا الى انتخاب رئيس من دون الشيعة، مستبعداً جزءاً ومكوّناً أساسياً كبيراً في لبنان.
تعالوا نتوافق جميعاً، ونسلّم أمرنا للرئيس بري، فهو قادر على الوصول بنا الى برّ الأمان. وتأكدوا أنه لن يكون للبنان رئيس بالقوة بل بالعقل والوفاق.