مقابلة نشرتها «نيويوركر» مع السنوار من غزة

كتب عوني الكعكي:

 

لا شك أن القائد يحيى السنوار أصبح الشخصية الأبرز على الساحة اليوم، خصوصاً وأنه الرجل الوحيد الذي استطاع بعملية «طوفان الأقصى» أن يقتل 1200 يهودي خلال ساعتين ويخطف 250 رجلاً وامرأة.

أما الحدث الأبرز فهو أن عملية «طوفان الأقصى» استطاعت أن تعيد القضية الفلسطينية الى طاولة المفاوضات بعدما كانت في خبر كان، خصوصاً وأنّ الدول العربية كانت تهرول للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، واحدة بعد الأخرى، ولم يبقَ إلاّ المملكة العربية السعودية التي كانت تضع شرط إقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع، كما أعلن ذلك الأمير تركي الفيصل في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي «القناة 13».

والأهم من كل هذا أن السنوار لا يزال يحارب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، أي بعد مرور 10 أشهر، وها قد دخلنا الشهر الحادي عشر. وهذه هي المرة الأولى التي يقف فيها الجيش الإسرائيلي عاجزاً عن تحقيق أي انتصار.

فبالرغم من تهديم مدينة غزة بشكل شبه كامل، ولم تعد تجد فيها ولو غرفة واحدة صالحة للسكن أو للاستعمال… وفي الوقت الذي فشل فيه بنيامين نتنياهو من تحقيق هدفيه اللذين أعلن عنهما في بداية حربه على قطاع غزة، وهما: سحق حركة المقاومة الاسلامية (حماس)… وتحرير الرهائن… رغم هذا كله، نجد أن السنوار الذي اختير زعيماً لحركة حماس بعد استشهاد القائد إسماعيل هنية، يقف صلباً مدافعاً عن الحق الفلسطيني بشدة، غير عابئ بما يقوم به نتنياهو من أعمال التفافية لإفشال الهدنة، يقف السنوار شامخاً كما عُرف من قِبَل أصدقائه ومعارفه، حتى من قِبَل أعدائه.

وها أنذا اليوم أنشر «مذكرات من تحت الأرض» التي نشرتها مجلة «نيويوركر» للكاتب المشهور ديڤيد ريمنيك بحرفيتها لتتبيّـن لنا شخصية هذا القائد البطل يحيى السنوار.

لقد نشرت مجلة «نيويوركر» الأميركية تحقيقاً مطوّلاً عن زعيم حركة حماس يحيى السنوار بعنوان «مذكرات من تحت الأرض» أعدّه ديڤيد ريمنيك، استند فيه على مقابلات وقراءة لأرشيف السنوار في السجن، وقد أشار الى أنّ أرشيف المحاكم الإسرائيلية يحتوي على ملف تحقيق مع يحيى ابراهيم حسن سنوار، وتعود الوثيقة الى 8 شباط (فبراير) 1989 للسجين رقم 955266978. ويرصد الكاتب الصور المتعدّدة للسنوار بين رفاقه في السجن وسجانيه والمحللين والمراقبين الإسرائيليين والفلسطينيين واليهود والمؤرخين بشكل عام.

كان السنوار في حينه في سن السادسة والثلاثين، ومضى عليه في السجن 11 عاماً، وقبل سجنه كان رئيساً لمنظمة «الجهاد والدعوة» أو «مجد»، وهي وحدة لمعاقبة العملاء أو الذين ارتكبوا مخالفات ضد «الشريعة».

وكان السنوار في سجن النقب حيث صدرت بحقه أربعة مؤبدات لقتله عملاء ولتخطيطه لاختطاف جندي إسرائيلي بحسب المحقق معه الرقيب ديڤيد كوهين. وكان محمد الشراتحة القيادي في «حماس» قد تعاون مع السنوار وأصبحا في عام 1997 في نفس الزنزانة. وكان الشراتحة يقضي حكماً طويلاً بالسجن بتهم الانتماء لوحدة 101 في «حماس»، وشارك في اختطاف ومقتل جنود إسرائيليين.

ويقول الكاتب: إنّ السنوار تعامل منذ البداية مع سجن كجامعة أو أكاديمية، ومكان لدراسة اللغة وعلم النفس وتاريخ العدو. وكان مثل بقية الفلسطينيين «سجيناً أمنياً»، وأصبح يتحدث العبرية بطلاقة، وقرأ الصحف العبرية واستمع للإذاعة العبرية الى جانب الكتب عن الصهيونية والسياسة، تحضيراً لخروجه من السجن ومواصلة المقاومة المسلحة.

وتأكد السنوار مع الشراتحة، انه لا يمكن الإفراج عن السجناء من خلال الطرق السياسية، ولهذا قاما بالتفكير في طريقة دفع أموال لخاطفين من الخارج واختطاف جندي إسرائيلي، على أن يطالبوا مقابل الإفراج عنه بأربعمائة سجين فلسطيني. وكما أخبر السنوار المحققين معه «فقد اختطف الجنود من قبل وقتلوا ولم يتم الحصول على مقابل، ولهذا فكرا بنقل الجندي الى مصر بحيث لا تتمكن إسرائيل من الوصول إليه».

وذكر الشراتحة، ان أحد أشقائه على علاقة مع عصابة. ومن هنا هرّب السنوار رسالة الى الزعيم الروحي أحمد ياسين، وطلب مباركته العملية ومبلغاً من المال. فوافق الشيخ، ولم تتم العملية حيث اعتقل شقيق الشراتحة عبد العزيز وهو يحاول الخروج الى مصر.

وفي عام 2006، قام مقاتلو «حماس» بقتل جنديين واختطاف مجنّد اسمه جلعاط شاليط، ظلّ في الأسر لدى «حماس» حتى 2011، حيث وافقت إسرائيل على مبادلته بآلاف السجناء الفلسطينيين منهم السنوار والشراتحة. وبعد هجمات 7 تشرين الاول (أكتوبر) التي أعلن عنها مع محمد الضيف وأطلقا عليها «طوفان الأقصى» قضى السنوار وقته في شبكة الأنفاق، وبحسب مصادر فلسطينية وأميركية وإسرائيلية فإنه لا يزال لاعباً مهماً في القرار داخل «حماس» والمفاوضات بشأن وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن. ويعتقد أن مخبأه كان في خان يونس حيث ولد، لكنه انتقل الى رفح بعد دخول القوات الاسرائيلية مدينته. وهو يتجنب الأجهزة الإلكترونية ويتواصل مع قيادة الحركة من خلال المراسيل، كتابة أو شفوياً.

وأشار الكاتب الى صورة التقطت للسنوار عام 2021 وهو جالس على كرسي وخلفه أنقاض بيته، حيث بدأ الكثير من الغزيين بتقليده والتقاط الصور لأنفسهم على خلفية بيوتهم المهدمة. وتعود عائلة السنوار الى المجدل حيث عاشت حتى عام 1948 قبل أن تهاجر الى غزة حيث ولد عام 1962 في مخيم خان يونس.

لقد تغيّرت حياة السنوار عندما التقى الشيخ أحمد ياسين الذي كان مؤثراً في سنوات السبعينات والثمانينات، وأسّس المجمع الاسلامي والمركز الاسلامي قبل سجنه عام 1984 بتهمة حيازة السلاح. ويقول ديڤيد هاتشمان العقيد الاسرائيلي المتقاعد، كان الشيخ ياسين عبقرياً. وعندما تراه، ترى رجلاً صغيراً مقعداً ولا يتحرك ولكن عقله كان يعمل دائماً.

ودرس السنوار العربية في الجامعة الاسلامية وأصبح مقرّباً من الشيخ ياسين. وبعد اعتقال السنوار عام 1988 لم يعبّر عن أي خوف من سجّانيه، وأخبر محقق الشين بيت: «هل تعرف أنك يوماً ما ستكون تحت التحقيق. وسأقف هنا ممثلاً للحكومة للتحقيق معك».

وبعيداً عن الشهادات حول شخصية السنوار، وما يراه سجّانوه عنه، فقد اعتبر السنوار السجن بمثابة مؤسسة بناء.

ويشير الكاتب الى صعود السنوار بعد الإفراج عنه في صفقة شاليط، وكيف أصبح زعيم «حماس». وينقل الكاتب عن المؤرخ الفلسطيني رشيد خالدي قوله: «سيدرّسون هذه في كليات الحرب لوقت طويل».

ويورد ريمنيك في مقاله الطويل المواقف من داخل إسرائيل و «غلاف غزة» وفي القدس ورام الله حيث كانت عملية «طوفان الأقصى» عملاً بطولياً يدرّس في كليات الحرب العليا.

aounikaaki@elshark.com

التعليقات (0)
إضافة تعليق