بقلم د. ابراهيم العرب
كنت وما زلت من المؤمنين بأن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس قد غُدر، فلماذا يخرج من مخبئه مع اثنين من مرافقيه، وهو يعلم أن الأقمار الاصطناعية قادرة على رصده وأن العدو الصهيوني يتأهب لاغتياله؟
كما يجول بطرفي ما حلّ بغزة وجنوب لبنان، فأحزن لما نشهده من تدهور على كل صعيد، نتيجة الإجرام الإسرائيلي والدعم الأميركي الغير محدود لإبادة الفلسطينيين واللبنانيين جماعيًا، وتوتر العَلاقة بين محوري المقاومة والاعتدال العربي. أما القضية المركزية، والتي هي تحرير فلسطين، فكانت أساس الوحدة العربية والإسلامية كما كان يراها الشهيد يحيى السنوار، ومن قبله الشهيد اسماعيل هنية، تقبلهما الله سبحانه وتعالى في عداد الشهداء في سبيله، لاسيما أنهما كانا يريان بأن الخطر الصهيوني غير محصور بأراضي فلسطين التاريخية وإنهاء الدولة الفلسطينية المستقلة، وإنما سيتمدد حتمًا إلى سائر الأراضي العربية، بل حتى الإسلامية.
وما كان يحيى السنوار ليتصور، حسب اعتقادي، أن الإسرائيلي قد أوقع نفسه في المصيدة، فمع من سيتفاوض لتحرير أسراه بعد اغتياله واغتيال محمد الضيف تقبلهما الله، ومن الذي سوف ينسق بين الفصائل المقاومة على أرض تكبر حجم الضاحية الجنوبية بحوالي ١٣ مرة، وما الذي سوف تقوله حكومة بنيامين نتنياهو لأهالي الأسرى بعد اغتيال المفاوض الأول لتحرير أبنائهم من قطاع غزة الفلسطيني؟
لو بقي السنوار على قيد الحياة، أما كانت الصفقة لتنجز؟ وأما كان الأسرى الإسرائيليون سيعودون لديارهم؟ بالله عليكم هل لدى نتنياهو ذرة اهتمام بالجنود الإسرائيليين، أم أن فقراء إسرائيل يقاتلون من أجل الحفاظ على ثروات أثرياء الصهيونية، تمامًا كما كان يحصل مع أميركا إبان حربها على العراق؟
وها قد تبين بعد اغتيال السنوار ومن قبله هنية، أن تهافت السلطة الفلسطينية على التفاوض مع إسرائيل توصلًا لتسويات ما هو إلا مضيعة للوقت، في ظل تواطؤ أميركي فاضح، وغطرسة عسكرية صهيونية وتهويد مستمر للأراضي المقدسة واستيطان لا يتوقف ولا ينتهي.
وبالطبع ما كان الشهيدان هنية ولا السنوار ليتقبلا المآسي والفواجع الإنسانية اليومية في كنف الاحتلال الإسرائيلي، وما سيواجهنا من أخطار تهدد الأرْدُنّ ومصر، وسائر الأقطار العربية، وما كانا ليصدقا وعود جورج بوش الإبن وتبشيره بحلّ الدولتين، في ظل استعمال أميركا المتكرّر لحق الفيتو في وجه كل محاولة للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة في الأمم المتحدة إلى جانب الدولة الإسرائيلية.
وأمام تزاحم الخلافات الداخلية التي تطوّق منطقة الشرق الأوسط وتُمزّقها، لا يسعنا إلا القول، أن شهادة القائد يحيى السنوار أتت لترصّ الصفوف من جديد، وتذكرها بمصيرها المشترك وبحقوقها التي يجب أن تحافظ عليها، كالجولان السوري المحتلّ ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر وسائر الأراضي اللبنانية المحتلّة منذ الاجتياح الإسرائيلي البري الحالي حتى الآن.
ولو استطاع الشهيد السنوار أن ينطق بوصيته لقال بحسب ظننا:» لا خيار أمامكم إلا بخوض غمار الدفاع عن الوطن، وحماية وصون الأعراض، وفك العناة» ، فلا استقلال حقيقي في ظل استعمار أو احتلال أجنبي، ولا تنمية حقيقية في ظل قمعٍ واضطهادٍ وإذلال.
نحن أشد ما نكون اليوم في حاجة لقيادة حكيمة تتصدر المسيرة المقاومة، وإن شاء الله سيجود علينا ربنا بها في القريب العاجل بإذنه تعالى.
وأخيرًا، نبارك للشهيد القائد يحيى السنوار بنيله الشهادة في سبيل الله ونعزي نجله وسائر أفراد عائلته الكريمة، مؤكدين أن اغتيال رئيس حركة حماس السنوار سيؤدي إلى خراب المفاوضات وحجة صارخة على اقتراب انهيار حكومة نتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلي.
د. ابراهيم العرب