بقلم فادي الأحمر
«اساس ميديا»
اليوم الخميس ينعقد في باريس مؤتمر دولي من أجل لبنان. المؤتمر لا يشبه أيّاً من المؤتمرات السابقة التي دعت إليها باريس من أجل لبنان. وللتذكير عقدت باريس أربعة مؤتمرات (2001، 2002، 2007 و2018) من أجل لبنان. كلّها كانت لمساعدته في تعثّره الاقتصاديّ. أمّا هدف المؤتمر اليوم فهو إنقاذ لبنان الشعب، والكيان، والدولة، والمؤسّسات. هل ينجح؟ الآمال اللبنانيّة كبيرة والتحدّيات الداخليّة والخارجيّة أكبر.
قبل الخوض في تفاصيل المؤتمر وأهدافه وتحدّياته، لا بدّ من التوقّف عند بعض المخاوف الفرنسيّة التي هي في جزء منها الدافع لعقد هذا المؤتمر.
1- فرنسا تخشى أن يصبح لبنان “غزّة 2”. من هنا دعا إيمانويل ماكرون منذ بداية الحرب إلى عدم تزويد إسرائيل بالأسلحة التي تستعملها في قصف غزّة ولبنان. هذا التصريح أدّى إلى توتّر العلاقة بين باريس وتل أبيب. علماً أنّ تصريح الرئيس الفرنسيّ كان موجّهاً إلى واشنطن وبرلين، وهما أكبر مصدّرتين للسلاح لإسرائيل.
2- مصادر مقرّبة من الإليزيه تقول إنّ فرنسا تدرك أنّ الحزب تعرّض لضربة قاسية، خاصّة على مستوى القيادة، كما فقد قسماً كبيراً من ترسانته من الصواريخ البالستيّة. لكنّها تعتقد أنّه استطاع إعادة ترميم قيادته العسكريّة. بالتالي ترى فرنسا أنّ “هزيمة الحزب”، كما قال يوآف غالانت، تتطلّب حرباً طويلة يمكن أن تؤدّي إلى انهيار أكبر للدولة، ومؤسّساتها، واقتصادها ومجتمعها. وهو ما يعرّض البلد للفوضى الشاملة. وهذا ما تخشاه فرنسا.
3- تخشى فرنسا أيضاً، ودائماً بحسب المصادر، أن تتصرّف بعض الأطراف اللبنانيّة على أساس أنّ الحزب قد انتهى. وهذا من شأنه دفع بعض الأطراف للقيام بحسابات خاطئة سترتدّ عليها وعلى لبنان.
4- تخشى فرنسا من حال التوتّر القائمة بين اللبنانيين التي يمكن أن تؤدّي إلى توتّرات أمنيّة، خاصّة مع انتشار النازحين في مختلف المناطق اللبنانيّة. والخشية الكبرى، ودائماً بحسب المصادر، من تطوّر هذه التوتّرات إلى حرب أهليّة. وهذا ما حذّر منه بالأمس سيباستيان لوكورنو وزير الجيوش الفرنسيّ في حديثه لتلفزيون “إل.سي.إي” الفرنسيّ.
5- تخشى فرنسا، ومعها دول الاتحاد الأوروبيّ، حرب لبنان، التي تدور على شرق المتوسّط، من أن تؤدّي إلى موجات هجرة جديدة نحو أوروبا في وقت تكافح دولها الهجرات غير الشرعيّة وتسنّ القوانين للتعامل معها.
مؤتمر وثلاثة أهداف
هذه المخاوف تُضاف إلى الأهمّية الجيوسياسيّة التي توليها فرنسا للبنان، وحرصها على تأكيد دورها في “بلد الأرز”، والضغط على إسرائيل كي لا تتمادى كثيراً في حربها الوحشيّة وتدمير لبنان، كلّ هذه كانت الدافع وراء دعوة ماكرون إلى مؤتمر دوليّ من أجل لبنان. المؤتمر هو “من أجل دعم سكّان لبنان وسيادته”، كما جاء في موقع وزارة الخارجيّة الفرنسيّة، وسيعقد على مستوى وزراء الخارجيّة، وسيجمع “الدول الشريكة للبنان، والأمم المتّحدة والاتحاد الأوروبيّ والمنظّمات الدوليّة والإقليميّة والتابعة للمجتمع المدنيّ”. أهداف المؤتمر ثلاثة: إنسانيّة وعسكريّة وسياسيّة.
1- إنسانيّاً، يهدف المؤتمر إلى حشد جهود المجتمع الدوليّ من أجل تلبية احتياجات سكّان لبنان والنازحين تحديداً، في هذه الظروف الصعبة، وبعد انتهاء الحرب.
2- عسكريّاً، حشد الجهود أيضاً من أجل دعم الجيش اللبنانيّ بما يلزمه ليس فقط من عتاد وأسلحة وذخائر للقيام بمهامّه، خاصّة في الجنوب، تطبيقاً للقرار 1701، إنّما بالمال أيضاً من أجل تطويع عناصر جديدة ليكون قادراً على القيام بالمهامّ التي ستوكل إليه في المرحلة المقبلة.
3- سياسيّاً، ملء الفراغ في سدّة الرئاسة من خلال انتخاب رئيس للبنان بأسرع وقت. ويمثّل انتخاب رئيس “أوّل خطوة في استعادة وظائف المؤسّسات العامّة”، كما جاء في موقع وزارة الخارجيّة الفرنسيّة.
تحدّيات المؤتمر
أمام مؤتمر باريس من أجل لبنان تحدّيات متعدّدة ومتنوّعة:
1- بالنسبة للمساعدات الإنسانيّة فهي بدأت بالوصول منذ اليوم الأوّل للحرب. ولكنّ التحدّي يتعلّق بما سيجمعه من مبالغ من الدول والمنظّمات الدوليّة المشاركة لضمان استمرار تدفّقها مع التقدّم في الحرب التي يبدو أنّها ستطول.
2- التحدّي الثاني للمؤتمر يتمثّل في موافقة الولايات المتّحدة على دعم الجيش اللبنانيّ بالسلاح والعتاد اللازمين للاضطلاع بمسؤوليّاته. هذا إضافة الى موافقة دول الخليج العربيّ، وفي مقدَّمها المملكة العربيّة السعوديّة، على تمويل هذا الدعم. تقول المصادر إنّ لقاء ماكرون بوليّ العهد السعوديّ على هامش اجتماع القمّة بين الاتحاد الأوروبيّ ومجلس التعاون الخليجيّ كان هدفه تليين موقف السعوديّة تجاه لبنان. ولكن يبدو أنّ المملكة لا تزال على موقفها لأنّ الوضع في لبنان لا يزال على حاله. فالحزب لا يزال يسيطر على قرار الدولة اللبنانيّة. الشيخ نعيم قاسم فوّض “الأخ الأكبر” نبيه برّي بالمفاوضات، لكن بعد زيارات المسؤولين الإيرانيين يبدو أنّ الحزب عاد يتشدّد مقابل تشدّد إسرائيل وتصميمها على “تدمير” البنية العسكريّة والاقتصاديّة، وربّما فيما بعد السياسيّة للحزب.
3- التحدّي الثالث يتعلّق بانتخاب رئيس للجمهوريّة كخطوة أولى “نحو استعادة وظائف المؤسّسات العامّة”. إنّه التحدّي الأصعب. وهنا يبرز تحدّيان:
– الأوّل: قبول الأطراف الداخليّة بضرورة الإسراع في انتخاب رئيس وتخطّي خلافاتها للاجتماع تحت قبّة البرلمان وانتخاب رئيس للمرحلة المقبلة. فهم لا يزالون يختلفون على عنوانها. الثنائي الشيعيّ يريد رئيساً يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 8 تشرين الأوّل 2023. بينما المعارضة، وفي مقدَّمها القوات اللبنانيّة، تريد رئيساً يقود مسيرة استعادة الدولة لقرارها ومسيرة الإصلاح الفعليّة.
– الثاني: دعم أطراف اللجنة الخُماسيّة، وتحديداً الولايات المتّحدة والسعوديّة، انتخاب رئيس في هذه المرحلة بالذات وقبل أن تنجلي صورة موازين القوى الجديدة. فالحرب لا تزال في بداياتها.
“فرنسا صادقة في مساعيها”، تقول المصادر. ولكن هل هذا يكفي لنجاح المؤتمر؟
يتطلّب الوضع موقفاً حازماً وأوراق ضغط. وفرنسا عاجزة في الاثنين. فهي تفرح بالضربات التي يتلقّاها الحزب، ويلتقي رئيسها الرئيس الإيرانيّ في نيويورك. يوجّه ماكرون انتقاداً لنتنياهو، سرعان ما يتبعه بيان من الإليزيه يؤكّد الصداقة الدائمة بين الدولتين. تُطالب بتطبيق القرار 1701 بينما الأحداث تخطّته. إسرائيل والولايات المتحدة تريدان “صيغة تضع حدّاً لهذا النزاع للأبد”، كما قال آموس هوكستين بالأمس. وهو ما يعني إنهاء تنظيم الحزب العسكري.
أمام هذا الوضع تبدو فرنسا لا حول لها ولا قوّة. لكنّها ستحاول. وستكون لها محاولات أخرى. ليس لديها خيار آخر.
فادي الأحمر – فرنسا