بقلم خيرالله خيرالله
قبل أقلّ من شهرين من الانتخابات الرئاسيّة في تونس، يشرف الرئيس قيس سعيد، الذي أعدّ المسرح للعودة إلى القصر الرئاسي في قرطاج، على المشاهد الأخيرة من عملية دفن ما بقي من إنجازات ذات طابع شبه ديموقراطي تحققت بفضل «ثورة الياسمين». ما لم يقض عليه في ولايته الأولى التي استمرت خمس سنوات سيقضي عليه في ولايته الثانية لدى إعادة إنتخابه رئيسا في السادس من تشرين الأوّل – أكتوبر المقبل.
افتتحت «ثورة الياسمين» ثورات «الربيع العربي» التي انتهت بكوارث في غير دولة عربيّة مثل اليمن وليبيا. لولا تدارك الجيش المصري، بمواكبة من الشارع، الأمور في مصر… لكان البلد العربي الأكبر صار نهائيا في يد الإخوان المسلمين الذين سارعوا إلى استغلال سقوط نظام حسني مبارك على أفضل وجه محاولين السيطرة على البلد ومرافقه وأخذه إلى المجهول.
طوال سنوات، بقيت تونس استثناء على الرغم من كلّ المحاولات التي بذلها الفرع التونسي للإخوان المسلمين، المتمثل في حركة النهضة، من أجل التسلل إلى مرافق الدولة ووضع اليد عليها. ترافق ذلك مع سعي حثيث إلى تغيير طبيعة المجتمع التونسي بوجههه الحضاري. قاوم التونسيون، في مقدمهم المرأة، طويلا قبل أن يسقط بلدهم رهينة شخص انتخب ديموقراطيا لكنّه راح يأخذ تونس شيئا فشيئا في إتجاه نظام ديكتاتوري لا أفق سياسيا له غير عزل تونس عن محيطها وقطع علاقاتها بالعالم الغربي ، في مقدّمه الدول الأوروبيّة، والإستعاضة عن ذلك بتقارب مع دول مثل إيران أو الجزائر وتنظيمات من نوع «حماس» و «الجهاد الإسلامي».
قبل أيام، أقال سعيّد بشكل مفاجئ رئيس الحكومة أحمد الحشّاني، على الرغم من أنه لم تمض سنة على توليه منصبه. لم يعط سببا للإقالة. كلّ ما في الأمر أنّ الحشاني تجرّأ على الحديث علنا، عبر شريطي فيديو، عن الوضع في البلد وأزمة ندرة المياه التي يمرّ فيها وأشياء أخرى مرتبطة بالحياة اليوميّة للمواطن من نوع نسبة التضخم والبطالة المرتفعة وفقدان مواد أساسية من السوق. قبل ذلك، أقال من موقع رئيس الحكومة السيدة نجلاء بودين من دون مبرّر باستثناء أنّه يريد إظهار أن رئيس الحكومة ليس سوى موظف لدى رئاسة الجمهورية. هل سيقبل كمال المدواري الذي خلف الحشاني في هذا الموقع بذلك… أم ليس أمامه سوى لعب دور كبش الفداء المطلوب منه تأديته قبل أن ينتهي مثلما انتهى نجلاء بودين أو أحمد الحشّاني؟
يبحث قيس سعيد بشكل مستمرّ عن كبش فداء. يفعل ذلك من أجل تبرير فشله على كلّ صعيد وفي كلّ مجال من المجالات، سياسيا وعسكريا. الفاشل، بالنسبة إليه، رئيس الوزراء وليس رئيس الجمهوريّة الذي بات يمسك بكلّ السلطات. حاول أن يكون الحبيب بورقيبة الآخر. لم يكن موفقا في ذلك، خصوصا أنّه لا يمتلك مقومات الزعامة ذات الإرث التاريخي. إقتنع أخيرا في قرارة نفسه بأنّه ليس في مستوى بورقيبة بمقدار ما أنّه شخص يجمع بين أسوأ ما في الفكرين اليساري، بشكله المبسط، والإسلاموي المتطّرف.
عندما عجز عن أن يكون بورقيبة آخر وعن استيعاب معنى إلغاء التأشيرات للمواطنين الإيرانيين وعدم وجود أي فائدة من الذهاب إلى طهران للمشاركة في تشييع الرئيس إبراهيم رئيسي الذي قتل في حادث تحطّم هليكوبتر، سعى إلى يكون زين العابدين بن علي آخر. كان زين العابدين، شئنا أم أبينا، يختار أشخاصا يمتلكون حدّا أدنى من الخبرة يعملون إلى جانبه. لكن التجربة كشفت أن قيس سعيد لا يعرف في الناس ولا يقبل سوى بشخصيات تؤدي له الطاعة ولا تطرح أي أسئلة. يكفي طرح سؤال واحد على الإستاذ الجامعي الفاشل… كي لا يعود مرغوبا بك لدى قيس سعيّد.
أي مستقبل لتونس في ظلّ رئيس للجمهوريّة أخذ أسوأ ما في الحبيب بورقيبة واسوأ ما في زين العابدين بن علي رافضا الإستفادة من جوانب مضيئة في تجربة الرئيسين الذين حكما تونس في السنوات التي امتدت من الإستقلال في 1956 إلى مرحلة «الربيع العربي» أواخر 2010؟ وفّر بورقيبة وزين العابدين بن علي سنوات من الإزدهار لتونس… في حين لم يأت لهم قيس سعيّد بغير البؤس والفقر والبطالة وشح الماء والكهرباء!
لا مستقبل لتونس التي تعاني من كلّ أنواع المشاكل سياسيا وإقتصاديا ومن تعطيل للحياة البرلمانية منذ صيف العام 2021. لم تحل الديكتاتورية أي مشكلة من مشاكل تونس التي تحتاج إلى انفتاح على العالم وليس إلى إنغلاق يجسده الفكر اليساري – الإسلاموي لقيس سعيّد. تستأهل تونس رئيسا أفضل، رئيسا على تماس مع العالم الحضاري، رئيسا ليست لديه عقدة «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران لا عقدة «حماس».
تحتاج تونس إلى رئيس في مستوى الآمال التي بنيت على «ثورة الياسمين». أي إلى رئيس يعرف المنطقة التي تعيش فيها تونس ويعرف أوروبا والعالم الواسع والعالم العربي… يعرف خصوصا أنّ اللغة الخشبية اليسارية – الإسلامويّة لا تأخذ البلد إلى أي مكان باستثناء إلى تخريب نهائي للنموذج الناجح، نسبيا، في عهدي بورقيبة وبن علي. إنّّه نموذج انتج طبقة متوسّطة لعبت دورها في جعل تونس مكانا يحلو للإنسان العيش فيه بدل الهرب منه…
خيرالله خيرالله