بقلم د. باسم عساف
منذ الثامن من أكتوبر، وبعد عملية طوفان الأقصى، فتحت جبهة الجنوب اللبناني، تحت غطاء الإسناد الحربي لجبهة غزّة، وضمن قاعدة وحدة الساحات، لمساندة غزًّة في حربها مع الكِيان الصهيوني، الذي شَنَّ حملةً شعواءَ ضدَّ أهل القطاع، للقضاء عليهم وإبادتهم وتدمير مساكنهم، وجعل القطاع بأكمله أرضاً محروقة، وشعبه مشرداً إلى سيناء، وضَمٍّ غزَّة إلى سلسلة مستوطنات الكيان الصهيوني، وإستكمالاً إلى الضفة الغربية لتلتحق بالشرقيًّة خلف نهر الأردن.
يجري ذلك تحقيقاُ لقواعد التلمود، الذي يدعو إلى قتل كل ما هو غير يهودي في المنطقة، تمهيداً لقيام إسرائيل الكبرى ، من الفرات إلى النيل، وهم يخوضون أصعب حالاتهم، لأجل تكريس هذه المقولة، وفرضها على العالمين وتجسيد ذلك بقيام إسرائيل الكبرى.
هذا بكل وضوح هي الغاية، التي يعمل لها الكيان الصهيوني جهاراً نهاراً، دون خجلٍ ولا وجلٍ، ضاربين بعرض الحائط كلَّ القرارات الدولية، وكلَّ نداءآت وطلبات الأمم المتحدة، والمنظمات الدوليٌة والدول الكبرى والصغرى بمعظمها، التي تنادي بوقف حرب الإبادة في غزٌَة خاصةً وفلسطين عموماً، بينما الغطرسة اليهودية، تسير نحو إقامة الوطن القومي اليهودي وتحقيق غايتهم في السِّيادة العظمى لهم.
هذه المؤآمرة الكبرى، التي تعمل لها الحركة الصهيونية العالمية، منذ مئآت السنين، لتجد الكثير من البٌلهاء، الذين ينكرون عليهم العمل لهذه الغاية، رغم كل الوقائع والحروب والإحتلال، والتوسّع بتعداد المستوطنات، والعقود والإتفاقات والمعاهدات حول السلام، والتطبيع والتصاريح الصادرة عن حاخاماتهم وقادتهم بنفث السموم والكراهية، للهيمنة على العالم أجمع، بكل الوسائل المتاحة، دون حساب الحقوق المدنية والحلال والحرام مع الآخرين، وفق قاعدتهم السياسيًٌة : (الغاية تبرر الوسيلة).
كل ذلك كان يتم بالقتل والتدمير والتشريد، وإستخدام أسلحة الدمار الشامل لإبادة الشعوب، فينبري هؤلاء المعتوهين، بنفي حقيقة المؤآمرة الواقعة على أرض الواقع، ويدٌَعون أنها (نظرية المؤآمرة)،، وليس هناك من يقود العالم إلى الهيمنةالصهيونية، رغم كل الفضائح التي أظهرتها عملية طوفان الأقصى، وما بعدها من إنتهاكات وإستبداد وكذب وإفتراء على الآخرين، مما هم يراؤون ويقفون إلى جانب الظالمين المستبدّين بالقرارات الدولية، لتحقيق مآربهم وغايتهم بالتسلط على العالم ومقدرات الشعوب، لمصالحهم الذاتية والعبثية، ليظهر للجميع أنها المؤآمرة بعينها، وأن من يتفوه بأنها نظرية، فهو المتآمر معهم ليروِّج ويدعم غايتهم ومرادهم.
إن الحروب المصطنعة التي أقامها الكيان الصهيوني، منذ إستقدام اليهود من الشتات وخاصة من أوروبا إلى فلسطين، تنفيذاً لوعد بلفور الإنكليزي، وفي ظل إحتلالهم لها بعد الحرب العالمية الأولى، ودعمها بالتعامل مع الخونة العرب، حيث نصَّبوهم على عروش الحكم، المٌركٌَبة على قياسهم ولأهمية عشائرهم، هي التي جعلت من اليهود قوًّةً تتعاظم مع المُساندة الإنكليزية بكافة أنواع الأسلحة المهداة لهم، والتي أمعنت بالمجازر والتشريد للشعب الفلسطيني، من بلداته وقراه ليقيموا مكانها المستوطنات والمعسكرات، ويتوسعوا بها حتى تكرَّست لهم دولةْ في الأمم المتحدة بقرار دولي، صادقت عليه معظم الدول، التي تسير بركب الصهيونية، وسكتت معه ورضخت الدول الإسلامية والعربية بأبخس الأثمان لقاء بقاء الكروش على العروش.
هكذا نشأت فكرة قواعد اللعبة، بأن تدار المعارك والحروب بتوافق مُسبق على كيفية وماهية وحدود وأدوار كل فئة، وكل طرف بالإضافة إلى الزمان والمكان، وجميع السيناريوهات المتعلقة بالأحداث وحجمها، حتى تكون اللعبة ومضمونها وحبالها ممسوكة من قبل اللاعبين، لئلا تحدث فيها خروقات أو تنحرف عن مسارها المحدد، والمعتمد مسبقاً لإدارة اللعبةوقواعد الإشتباك، ولأجل إستمرارية المؤآمرة وفق خارطة الطريق، والغاية المطلوبة لقيام الوطن القومي اليهودي، في المنطقة العربية بعد إستكمالها في فلسطين.
إن عملية طوفان الأقصى، جاءت لتٌنغِّصَ الأمر على اللاعبين، وتقلِب الصورَة والمشهد، الذين إعتادوا عليه منذ مائة سنة من الخيانة والتعاون مع العدو، والذي مكَّنَه من تجسِيد الإحتلال، وتمكينِه من السيطرة على الشعوب والأراضي العربية، بحروب وهمية ونفسيٌَة، جعلت من جيش العدو، بأنه الجيش الذي لا يُقهر، وإذ بطوفان الأقصى وعمليات المقاومين الأبطال، مع الإرادة والإخلاص والصلابة، وعقيدة الدفاع عن الأرض والعرض، قد فضح هؤلاء المتخاذلين، وأظهر أن العدو وجيشه أضعف خلق الله على الأرض، وقد بان على حقيقته الإجرامية والشيطانية، عكس كل الشعارات التي كان يتخذها درعاً لأكاذيبه وغطاءً لأحابيله.
قواعد اللعبة باتت على مفترق طرق، والغًوصُ بها سيؤدي إلى مزيدٍ من التعقيد، حيث بانت أهدافها وإنكشف لاعبوها، وتحددت معالمها، وبات طريق الحق والتحرير بعيدٌ جداً عن طريق التمثيل، والمواجهة الحقيقية المباشرة، تستوجِب خوض الحربَ بالإرادة والعزيمَة والإخلاص للقضية، دون الّلعب على الحبال الخيانية المتوارثة، وعليه فإن الخَوضَ الآن باللعبة والسير على قواعدها المعروفة، له مخاطرَ عدِيدة عبر الإستنزاف، وتمرُّ بمَراحِل صَعبَة بالإستهداف.
د. باسم عساف