بقلم د. باسم عساف
الأولُ من آب، تاريخٌ لا يُمحى من ذاكرة اللبنانيين، ولا يَغفل عنه كلُّ من يحِبُّ لبنان، ولا يُمكن أن يتخَطَّاه كُلُّ من يتربَّص بهذا البلد، ولا يستطيع أن يتجاوزه كلُّ حاقِدِ وكلُّ حاسدٍ، سيًّما وأنَّ المؤسَّسة العسكريَّة في لبنان، باتت الضَّامنة له في أمنِه وأمانِه وإطمئنانِه، وبات الجيش اللبناني بقيادته وعديده وعتاده، هو الملاذُ الأخيرُ لكلِّ مواطِنٍ حُرٍّ يبني آماله وأمانيه عليه، ويتطلَّع إليه ليعيد سيادته وإستقراره، ولينتزع سلامه من أيدي العابثين الفاسدين والمفسدين، الذين يُمعِنُون به وبشعبه العبث والإضرار، لإرضاء نزوات ملؤها البُغض للبنان ولجيشِه ولشعبِه…
الأول من آب، باتَ رقماًمميزاً ومهماً في مسِيرة لبنان الحديث، ومسَار اللبنانيين، الذين يتطلَّعون إلى الأمن والإستقرار، وأنَّ هذه الذكرى، باتت من جُملة المناسبات الوطنية، التي ترسَّخت في أذهان النَّاس كمحطةٍ هامٌَةٍ، وجب التحدُّث بها روياً، بعدما شعر كُلُّ مواطنٍ، أن الجيش بات يشكِّل العمُود الفقري لهذا الوطن، وأنه الوحيد الباقي لحماية الدولة ومؤسساتها، وأنه الحِصنَ الأخير، الذي يتلطَّى به اللبنانيون، ويحتَمي به الأحرار والشرفاء، بعدما نُخِرَت معظم باقي المؤسَّسات والأجهزة والمصالح، لذا نرى أن الإحتِفالات والنَدوات، والمًسِيرات الكشفيَّة والمدنيَّة، تعمُّ المناطق إحتفالاً بهذا اليوم الوطني لرمزيَّتِه، وأيضاً بجيشِه حامي الوطن والمواطنين…
الأول من آب ، كان في الزمَنِ الغابِر مناسبةً تقتصِر على التهاني والإستعراضات داخل الثكنات، أو في مقرِّ القيادة، أما في ظل الجمهوريَّة الثانية، وبعد سنواتِ الأحداثِ الأليمة، والمِحنة الرهيبة، والفتنة التي تعرَّض لها لبنان، ومنها التي ألمَّت بالجيش اللبناني، حيث كان من بين المستَهدَفين بمؤآمَرة التشرذُم والتَفتِيت والإستقواء عليه، إمعاناً في السَّير بمخطط الأعداء، إذ يُطبِقون المؤآمَرة بحذافيرها، لأجل أن يَحتفِظوا بها لمراكزهم وتاريخهم الأسود، الذي بانَ مع أحداثِ السنوات العِجاف، وقد إنتهت إلى غير رجعة، مع نتائج ودستور الطائف، الذي وَلَّدً لنا لبنان الجديد، والجيش المتماسك الحديث، بقيادته الحكيمة، التي تسير بإطمئنانٍ، بعيداً عن الفئوية والتجاذبات السياسية، والتي تجعلُه مرجِعيَّة أساسِيَّة في التوازن اللبناني، الذي يأمَنُ له كل المواطنين، وعليه فإن الأفراح والتهاني بهذا اليوم، تعمُّ كل الشرائح، خارج الثكنات وليس داخلها فقط، كما كانت في الجمهورية الأولى….
بالفعل فقد أثبتت مؤسَّسة الجيش مجدداً، بعد هذه الثوابت والقواعد الأساسية في عقيدته ومسيرته، وفي النظرة إلى أسُس بناءِ لبنان الجديد، بعيداً عن التجاذبات السِّياسيَّة والطائفِيَّة، وقد تهيأت له القيادة المتبَصِّرة والحكيمة، التي تمَيِّز بين الصدِيق والعدو، وبين خطوات التعامل مع المحيط، وبين أهله وأبناء الوطن ككل، بحيث تمَّ قطع الطريق على المغرضين والعابثين، الذين يمدُّون أيديهم لتنال نصيبها، من قوته ووحدته ومسيرته، لذا بات يُعرَف بأنَّه حامي الحمى، في الداخل وعلى الحدود، وبات حقيقةً واقعةً لحماية الوطن والمواطنين، في مواجهة أعداء الداخل والخارج، بالتلاحم والتضامن بين قيادته وفئآت الشعب، للدفاع عن أمنهم وإستقرارهم، وعن الدَّولة ومؤسساتها، لتقوم بواجباتها وخدماتها للمواطنين…
كيف نستغرب بعدها، أن تَعُمَّ الإحتفالات والتهاني، التي تتجسد على أرض كل الوطن، لتؤكِّد الإلتفاف حول الجيش اللبناني الوطني، حيث بات الرَّمز في عودة لبنان، إلى الوحدة والتضامن والمحبَّة والتآلف، والتلاحم الحقيقي، ليأخذ دوره البنَّاء في الداخل وعلى الحدود، بمواجهة الأعداء المتربِّصين، والمعتَدين على أرضه وشعبه ومقوماته…
إذا ما إنطلقنا من عيد الجيش، بالأول من آب، الذي باتَ عيداً لكل اللبنانيين، لما يعنيهم الجيش من أهميَّةِ فرض الأمن والأمان، لإستمرار الحياة والعيش بهناء، مع تحرُّك العجلة الإقتصادية والتجارية والسياحية والإدارية، والشعور بالإستقرار معها، لنجِد حقيقة شعار الجيش، التي يتجسد مع (الشرف والتضحية والوفاء)، فيكون معه الشرف لكل اللبنانيين، بمن فيهم أبناؤهم عناصر الجيش، والتضحية للوطن الواحد الموحد، بكل فئآته وطوائفه ومذاهبه، والوفاء للدولة العادلة، في الإنماء المتوازن والعدالة الإجتماعية والخدماتية، وأن يكون القانون فوق الجميع دون تمييزٍ وتمايزٍ، ولتكون كافة المؤسسات على شاكلة الجيش ليكون لبنان كله في أمن وأمان وإطمئنان…
في هذا العيد، نعكِس الصُّورة من الأخذ إلى العطاء، فقد أخذنا من الجيش كل متطلبات الحياة، وإستهلكنا منه كل المسؤوليات في حفظ الأمن، وفي المساهمة بإطفاء الحرائق، وفي مصالحات العائلات والمناطق، وفي ملاحقة تجَّار ومتعاطي المخدرات، مع المساهمة في إيجاد مصحَّات علاجِيَّةٍ لهم، وفي قطع دابر الإرهاب والإرهابيين، وخطرهم على الأبرياء، وفي التسويات والمنازعات المحلِيَّة والشارعيَّة، وردع كل الخلافات والمخالفات البلدية وعلى الأملاك العامة، وفي كل المساهمات والمساعدات الإجتماعية بالمناسبات، وغيرها من الملمات، إضافة إلى المشاركة الفعَّالةمع كل الأنشِطة الصحيَّة والشبابيَّة والرياضيَّة والكشفيَّة والثقافيَّة، التي تعكِس حيويَّة الجيش مع القضايا المدنية، لتجعل منه مؤسَّسةً وطنيةً شاملَةً للمِنفعَة العامَّة ككُل….
وفي هذا العيد، نردِّدُ مقابل كلِّ هذا، وأكثر مما هو حاصل ولم نذكره لضيق المجال، لنتساءل: ماذا أعطيناه مقابل هذا المَدد، من الأخذ المدني قبل العسكري، ليقولَ قائل: لقد أعطيناه ثقتنا جميعاً، وفلذاتِ أكبادِنا وأبناءَنا، ليكونوا مطواعين في حماية الوطن والمواطنين، يُفدُونهُ بأجسادِهِم وأرواحِهم، لنجيبَهم: بأنَّ الوطن يتكامَلُ بأجزائه، والجسدُ بأعضائِه، فكيف لهذا الجسدُ أن يستقيم ويتحرك، من دون الغذاءِ الكافي: الروحي والمادي، لمقومات صُمودِه وإستمراريتِه بمواجهة الصِّعاب الأمنيَّة والمشاركة بالخدمات المدنيَّة…
هذا الغذاء يكمُن بالعدَّة والعتاد، وأساسها المصاريف المالية، التي تسنُد كلَّ زاويةٍ من زوايا هذا الصرح، وهذه المؤسسة التي باتت تحضن الدولة، بدلاً من أن تحتَضِنها الدَّولة، وتسنُدُ كلَّ مضامينِه، وحاجات ومقومات قيادته وضباطه وأفراده، وتسهيلُ كُلِّ ما تتطلَّبه القيادة والمسيرة، ليبقى لبنان واقفاً في وجه الصِّعاب، وأمام كل المتربِّصين والمعتدين، وليأخذ دورَه كاملاً في كل الظروف الضاغطة، فيه وعليه، ولتكُن بالفعل ذكرى عيد الجيش، تجسِيداً للفَخر والعزِّ والإباء، والأمَل بالعيشِ الكريمِ والهَناء…
د. باسم عساف