بقلم موفق حرب
«أساس ميديا»
للهروب إلى الأمام من فشل الدبلوماسية بعد مرور أكثر من عام على حرب غزة التي انضمّ إليها لبنان بشكل واسع ومدمّر منذ أسابيع، يطلق المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة، عناوين كبرى لمرحلة اليوم التالي، فيكثر الحديث عن حلّ الدولتين للفلسطينيين وحلّ قيام الدولة القويّة في لبنان من أجل استعادة الاستقرار في المنطقة، لكن من دون تحقيق ذلك اعتبارات وتعقيدات كثيرة.
لم يكن في يوم من الأيام الحديث عن حلّ الدولتين جدّيّاً كما هو عليه اليوم. لكنّ قيام الدولة واقعياً لم يكن بعيداً لهذه الدرجة.
قد يكون العالم مقتنعاً بأنّه لا بدّ من قيام الدولة الفلسطينية إذا كان هناك أمل لشرق أوسط آمن ومستقرّ. وهذا ما يفسّر الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، لكنّ الأهمّ من قناعة العالم هو اقتناع المجتمع الإسرائيلي بأنّ أمنهم ومستقبلهم مرتبط بحلّ منصف للفلسطينيين، وهو ليس أقلّ من الاعتراف بدولة فلسطينية.
تجربة أوسلو الفاشلة
تجربة السلطة الفلسطينية بعد أوسلو، التي كان من المقرّر أن تكون مختبراً ومرحلة انتقالية في سبيل قيام الدولة من حيث المبدأ، لم تكن ناجحة لعدّة أسباب.
يتّهم الفلسطينيون إسرائيل بتقويض السلطة وعدم الوفاء بالاتفاقيات مروراً بالاستمرار بالاستيطان، وصولاً إلى الحكومة اليمينية المتطرّفة التي لا تعترف بحقوق الفلسطينيين ولا بالتزامات إسرائيل. وتتّهم إسرائيل الفلسطينيين بأنّهم حوّلوا مناطقهم إلى مقرّ للمنظّمات الإرهابية وصولاً إلى “طوفان الأقصى”، وأنّ السلطة نخرها الفساد ولم تقدّم نموذجاً صالحاً للدولة في المستقبل.
حين يتوقّف القتال سيكون اليوم التالي مثقلاً برفع الأنقاض وإعادة الإعمار وترميم البنى التحتية وإعادة لمّ شمل العائلات التي فقدت منازلها وأفراداً من عائلاتها. وهنا يبرز دور النخب الفلسطينية في الشتات وفي الداخل للبدء بتطبيق بناء أسس الدولة الفلسطينية المدنية، على أمل أن يكون حلّ الدولة الفلسطينية قد نضج واستعادت إسرائيل توازنها الذي فقدته مع “طوفان الأقصى”.
ماذا عن جهود أميركا؟
أمّا الجهود الأميركية لمنع توسّع الحرب فكانت تنصبّ على الجبهة اللبنانية لأنّها مرتبطة مباشرة بإيران. دفع التدهور الحاصل الإدارة الأميركية إلى تحريك ملفّ الرئاسة في لبنان والتذكير بأهميّة دور الجيش اللبناني الذي دعمته واشنطن لعقود، على أمل أن تشكّل التطوّرات الأخيرة فرصة لإعادة إنتاج الطبقة السياسية اللبنانية وبناء دولة مركزية تحول دون إعادة إنتاج حالة مشابهة للحزب.
إذا تمّ سحب الاعتبارات الدينية والقومية من الحرب القائمة بين الحزب وإسرائيل، فلا يوجد أيّ مبرّر للحرب التي زرع بذورها الحزب عندما فتح “جبهة الإسناد” لدعم غزة. تقوم مقاربة الوضع اللبناني على منطق أنّه لو كانت هناك دولة مركزية قادرة في بيروت لما حصل ذلك لأنّ الدولة تفكّر في مصالح شعبها بعيداً عن الاعتبارات الأيديولوجية والعاطفية. وهي أيضاً تأخذ بعين الاعتبار آراء جميع اللبنانيين لأنّها تمثّلهم من حيث المبدأ وليس مشاعر ورغبات فريق واحد. لذلك من الصعب على الدول الغربية فهم منطق لبنان في الحرب الأخيرة لأنّها لا تخضع لمقاييس المصلحة الوطنية. فمن هنا كانت الدعوات فوراً إلى ضرورة قيام الدولة في لبنان وأن يكون لهذه الدولة رأس. وهذا ما يفسّر الدعوات الأخيرة إلى انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان وإحياء مؤسّسات فاعلة يمكن التعاطي معها بجدّية.
خارطة الطريق إلى استعادة الاستقرار في المنطقة أصبحت واضحة: حلّ الدولتين للفلسطينيين، وحلّ قيام الدولة للبنان. فلا تبقى فلسطين رئيساً بلا دولة ولا لبنان دولة بلا رئيس.
لكن كما تحول الكثير من العقبات دون قيام الدولة الفلسطينية سيشكّل الوضع في لبنان وتعقيداته الطائفية تحدّياً كبيراً في وجه قيام دولة قويّة تمنع تسلّل الأيديولوجيات والتيّارات الموسمية وتضرب مؤسّسات الدولة.
موفق حرب