إيمان شمص
«أساس ميديا»
كيف لم ينتصر أحدٌ بشكل حاسم في المعركة على الأرض أو “معركة الحكاية”؟ حتّى بعد عام من الحرب، التي ألحقت فيها حماس والحزب وإسرائيل أضراراً جسيمة بقوات ومدنيي بعضهم البعض؟
سؤال استراتيجي يشغل بال الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، الذي يستغرب كيف أنّه “بعد عام على 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، مازالت هذه هي الحرب العربية الإسرائيلية الأولى التي لم تحصل على اسم، ولا منتصر واضح فيها، وحكاية الطرفين عنها ليست مقنعة”.
يتعاطف توماس فرديمان، في مقاله الأسبوعي بصحيفة “نيويورك تايمز”، مع الفلسطينيين، باعتبارهم محرومين من الوطن، ويعيشون تحت وطأة المستوطنات وقيود إسرائيل. لكنه يرفض تبرير “7 أكتوبر”، باعتباره شهد “قتلاً وتشويهاً وخطفاً لإسرائيلييين، دون أي هدف أو سند، سوى محاولة تدمير الدولة اليهودية”. ويرى أنّ “هجمات حماس دفعت عميقاً إلى الوراء الاحتمال الوحيد لتعايش دولتين لشعبين أصليين بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط”.
ويستطرد الكاتب الأميركي ليسأل: “ما هي رواية إيران؟ وهل لها حقّ بموجب مواثيق الأمم المتحدة في الدفع إلى إيجاد دول فاشلة في لبنان وسوريا واليمن والعراق حتى تتمكن من زراعة وكلاء داخل هذه الدول بهدف تدمير إسرائيل؟ وبأي حقّ جرّ الحزب لبنان إلى حرب مع إسرائيل لم يكن للشعب والحكومة اللبنانية أي رأي فيها ويدفعان الآن ثمنها باهظاً؟”.
الروايتان غير مُقنعَتَيْن
في المقابل، يوافق فريدمان على أنّ رواية إسرائيل في غزّة غير مقنعة أيضاً: “هذه أبشع الحروب الإسرائيلية الفلسطينية منذ عام 1947، لأنّ حماس دفنت نفسها في أنفاق تحت منازل ومدارس ومساجد ومستشفيات غزّة. ولم يكن من الممكن استهدافها دون وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. لهذا، كان على إسرائيل أن تعترف أنّها ليست حرباً لتدافع عن نفسها، بل لتدمير حماس”.
ويخلص بعد هذه “المساواة” إلى التأكيد أنّ “الحلّ الوحيد العادل والذي يضمن استقراراً، هو حلّ الدولتين”. لكن حكومة بنيامين نتنياهو رفضته بشدّة، لدرجة أنّها بعد مرور عام، لم تخبر شعبها أو جيشها أو مورّد الأسلحة الأميركي بما تريد أن تبنيه في غزّة بدلاً من حماس، بخلاف “النصر الكامل”. وهي تواصل قصف المدارس أملاً في قتل عدد قليل من مقاتلي حماس المختبئين داخلها. لكنّها لا تقدّم لشعب غزّة احتمالاً لمستقبل غير الحرب الدائمة. كأنّ قتل آخر عنصر في حماس هو الهدف. بغضّ النظر عن عدد المدنيين الذين سيموتون معه”.
هذه الحرب ستستمرّ إلى الأبد، وفقاً لفريدمان. وستقوّض مصداقية إسرائيل وأميركا، وتحرج حلفاء إسرائيل من العرب. لكنّ الافتقار إلى “رواية مقنعة” يضرّ بإسرائيل. فالإسرائيليون مطالبون بإرسال أبنائهم وبناتهم للقتال كلّ يوم ضد حماس والحزب، لكنّهم لا يستطيعون أن يكونوا على يقين من أنّهم سيخوضون الحرب من أجل إنقاذ دولة إسرائيل أو من أجل تمديد الحياة السياسية لرئيس وزرائهم وحمايتها.
لكن لماذا؟
يعتقد فرديدمان أنّ هناك أكثر من سبب كافّ للاعتقاد بأنّ نتنياهو يريد استمرار هذه الحرب. ليكون لديه عذر لتأجيل الإدلاء بشهادته في كانون الأوّل المقبل، في محاكمته بتهم فساد، وتأجيل تشكيل لجنة تحقيق مستقلة حول كيفية فشل حكومته في منع أسوأ هجوم على اليهود منذ الهولوكوست. فضلاً عن منع الانتخابات الإسرائيلية الجديدة وربما حتّى ترجيح كفة الانتخابات الرئاسية لصالح دونالد ترامب.
شركاء نتنياهو من اليمين المتطرّف، هدّدوه بأنّهم سيسقطون حكومته إذا وافق على وقف الحرب في غزة قبل “انتصار كامل” على حماس، وإذا حاول إحضار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي تبنّت عملية السلام في أوسلو، للمساعدة في حكم غزّة بدلاً من حماس. وهو الأمر الذي تخشاه حماس بشدّة”.
في رأي فريدمان أنّ “الافتقار إلى رواية مقنعة يضرّ بإسرائيل على المستوى الاستراتيجي أيضاً. فكلما كان لإسرائيل شريك فلسطيني شرعي، مثل السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها، كلما كانت فرصها أفضل في الخروج من غزّة وعدم مواجهة تمرّد دائم هناك. وكلما زاد عدد الحلفاء الراغبين في المساعدة لإنشاء قوّة دولية لملء أيّ فراغ في جنوب لبنان، سيكون أكثر وضوحاً أنّ أيّ ضربة عسكرية إسرائيلية ضدّ إيران ستجعل إسرائيل آمنة لمحاولة صنع السلام مع الفلسطينيين، وليس آمنة لضم إسرائيل للضفّة الغربية وغزّة. وهو ما يسعى إليه بعض شركاء نتنياهو في اليمين المتطرّف”.
إصلاح “السلطة”… وتليين نتانياهو
لا يضمن فريدمان “وجود شريك فلسطيني شرعي لإحلال سلام آمن مع إسرائيل. ويقرّ بأنّ “هذه الحكومة الإسرائيلية بذلت كلّ ما في وسعها لمنع ظهور مثل هذا الشريك، من خلال تعزيز سلطة حماس في غزّة على حساب السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية”.
لكنّه يعتبر أنّه “من غير المنطقي أن ترسل الإمارات العربية المتحدة قوات عسكرية إلى غزّة لتحقيق الاستقرار هناك، بالتعاون مع الولايات المتحدة والقوات الدولية الأخرى، وأن تكون السعودية مستعدّة لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل والمساهمة في تمويل إعادة إعمار غزّة وتمهيد الطريق للعلاقات بين الدولة اليهودية والعالم الإسلامي بأسره، في حين يرفض نتنياهو الاقتراحين. لأنّ كلّ هذا سيتطلّب من إسرائيل الدخول في محادثات مع سلطة فلسطينية، بعد إصلاحها، بشأن حلّ الدولتين، وأن تدعو هذه السلطة رسمياً الإمارات العربية المتحدة وغيرها للمساعدة في تأمين غزّة”.
يصف فريدمان الوضع اليوم بـ”الكارثي”. إذ يرى أنّ إسرائيل وجّه ضربة مدمّرة لقادة الحزب في عملية عسكرية قادها طيّارون وجواسيس وتقنيون إسرائيليون كانوا يتظاهرون في الشوارع ضدّ “الانقلاب القضائي” الذي حاول نتنياهو تنفيذه قبل 7 أكتوبر. وهي محاولة انقلاب قسّمت البلاد وشجّعت حماس والحزب على الهجوم على إسرائيل، كما حذّر نتنياهو قبل الحرب”.
“السلك الفولاذي” دفاعاً عن إسرائيل
ينقل فريدمان ما كتبه له دان بن ديفيد، الخبير الاقتصادي في جامعة تل أبيب الذي يرأس “مؤسسة شوريش للبحوث الاجتماعية والاقتصادية”. حين سأله عما يدور في ذهنه بشأن ذكرى 7 أكتوبر. فيقول: “الإسرائيليون عبر التاريخ حرصوا على أن يفهم أبناؤهم وأحفادهم أهمية الحفاظ على إسرائيل كملاذ للسلام لهم، على أساس الديمقراطية وسيادة القانون. هذه الأولوية، هي الأسلاك الفولاذية التي تربط كلّ جيل بمؤسسينا. وعندما تتعرض إسرائيل للتهديد بالحرب، فإنّ الطائرات لا تمتلئ بالإسرائيليين الذين يحاولون الهروب من جحيم محتمل، بل بأولئك الذين يتخلّون عن كلّ شيء في الخارج – المدرسة والعمل والعطلات – للعودة إلى ديارهم والدفاع عن بلدهم، وكثير منهم يفقدون حياتهم في النهاية أثناء الدفاع عن بلادهم. هذا النوع من الحافز لا يمكن شراؤه. وهؤلاء هم الذين دمّروا قيادة الحزب واعترضوا أكبر هجوم صاروخي باليستي في التاريخ”.
“هذا السلك الفولاذي، يضيف بن ديفيد في رسالته بالبريد الإلكتروني لفريدمان، هو ما أنقذنا على مدى عقود. وهذا بالضبط ما هو خطير للغاية في استراتيجية نتنياهو “فرّق تَسُد” التي تضع مصالحه الشخصية فوق كلّ شيء. فها نحن بعد الفترة الأكثر رعبًا في تاريخ إسرائيل، ونتنياهو يواصل قطع الخيط. وبصرف النظر عن تشجيع أتباعه على تحويل أُسَر الرهائن والطيارين والأطباء وأيّ شخص آخر يجرؤ على انتقاد القائد العظيم إلى أعداء للدولة، ليس لديه خطّة خروج للأزمة العسكرية المتفاقمة، ولا ميزانية للأزمة الاقتصادية المتفاقمة، ولا نية لتجنيد المتطرّفين في جيش يحتاج بشدّة إلى القوى العاملة لتحلّ محلّ كلّ أولئك الذين فقدناهم. لأنّ كلّ ذلك قد يدفع حلفاءه من اليمين المتطرّف إلى الانقلاب عليه”.
لذا، في الذكرى الأولى لهجوم 7 أكتوبر، يشعر فريدمان بالقلق بشكل خاص من واقع أنّ “إسرائيل تخوض حرباً متعددة الجبهات، وما زال الإسرائيليون لا يعرفون ما إذا كانوا يقاتلون لجعل إسرائيل آمنة من أجل ديمقراطية يهودية أو آمنة للبقاء السياسي لرئيس الوزراء… آمنة لئلا يضطرّ المتطرّفون للخدمة في الجيش، أم آمنة لرئيس الوزراء ليعلن للعالم أنّه يدافع عن حدود الحرية في غزّة ولبنان بينما يدعم محرّك الاستيطان الفاسد أخلاقياً والمستنزف اقتصادياً في الضفة الغربية. ويخلص فريدمان إلى التحذير من أنّ “التهديد الأكبر أمام إسرائيل اليوم ليس إيران أو حماس أو الحزب أو الحوثيين… فإسرائيل الموحّدة قادرة على هزيمتهم جميعاً. بل الخطر في أولئك الذين يفكّكون خيط إسرائيل الفولاذي، برواية غير مقنعة”.
إيمان شمص